رُهاب..!
"بين اللحظة والثانية يموت الكثير من سموم الفِكرٍ""الفصل الأول"
مبدأ الحياة أن القوي يغُض الطرف عن الضعيف مادامت وجبته داخل أحشائه.
مبدأ يسير على خطاه الجميع حتى وإن شذ فرد منهم فإنه يعود ثانية إلى ما كان عليه خوفًا من الاختلاف أو السقوط كضحية ذات يوم دون تحقيق مجد يفتخر به بنو عشيرته من بعده..
والقوي هنا قص لشريط ذكريات لم يكن سوى ألم في حياة إحداهن ولصق لأخرى مصطنعة أملًا في مداواة جرح تعفن من كثرة إهماله حتى أتت لحظة بتر قد تكون مؤلمة لكنها مريحة على المدى البعيد وما بين هذا وذاك وُجِدت فاصلة لأحداث تترك ندبات لن تداويها الأيام.
الكوارث نهاية الحياة..!
بل بدايتها فوجود الهواجس تابعة لها يجعل منها قنبلة موقوتة على وشك الانفجار بأي لحظة مسببة انفجارًا داخليًا يُدمر بصيص أمل كان ذات يوم وردة يانعة ثم يرتفع رذاذ الصخب بكل لحظة يُنبهك بأن القادم أسوأ مما ظننت وأكثر تعقيدًا مما أردت.
لكن لحظة...
الحياة لا تمنح المتخاذلين فرصة بل تدفنهم بقاع البؤس حتى يهلكوا بآثامهم.
وإثمها الوحيد هو الخنوع لرغبة والدتها في تناول وجبة مع العائلة كحال الأيام الخوالي، لا تعرف أكانت الموافقة ناجمة عن اشتياقها لدفء اُنتزعت منه بقوة أم أنها فعلتها لأجل تلك التي أنجبتها لكن عزائها الوحيد هو حنينها للعودة إلى نقطة لطالما أرادت الفرار منها وها هي قد عادت إليها بخنوع.
استقامت بعكازها بعدما ملت الوقوف لما يقارب النصف ساعة في حيرة من أمرها أتعود أدراجها أو تذهب للداخل تنعم بحنان مزيف قبل انتهاء الأمسية بكارثة كالعادة.
وقبل الضعف من حسم قرارها بالفرار من المكان بأكمله ضغطت على جرس الباب منتظرة فتحه من الداخل، لحظات وفُتِح لترى زوج والدتها يبتسم لها بترحاب ابتسامة لم تصل إلى عينيه قبل قوله بهدوء ساخر:
- أظن معاكي نسخة من مفاتيح البيت آنسة رؤى!
نظرت له بهدوء عكس ما يعتمل داخلها من غضب تجاه هذا الغريب الذي اختطف منها والدتها دون وجه حق، تجاوزته واتجهت للداخل لتقول بعدها بتذكر هازئ
- مش بيتي عشان يكون معايا مفتاح له.
وأكملت طريقها للداخل دون النظر إلى فتيل قنبلة تم نزعه في تلك اللحظة لكنه آثر الصمت حتى تنتهي تلك الأُمسية على خير كما يظن.
أخذت رؤى تتأمل المنزل بعد التعديلات التي قام بها ساكنيه، اتخذت مقعدًا قريبـًا، وضعت عكازها بالقرب منها وجلست تنتظر والدتها التي اختفت في الداخل منذ أتت.
اقترب منها زوج أمها ليجلس على مقربة منها يحاول جذب أطراف حديث لتقليل حدة الجو المتوتر ليتنفس بعمق قبل قوله بهدوء
- قولتِ لي بتشتغلي ايه بقى يا رؤى!
نظرت إليه بطرف عينها وتجاهلت حديثه بل تجاهلته تمامًا قبل وضع سماعة الأُذن لمتابعة حلقة بث لأحد البرامج التي تتابعها عبر الإنترنت، نظر لها زوج والدتها بغيظ قبل تركه للمكان بأكمله والذهاب إلى حيث زوجته.
وجدها منهمكة في إعداد الطعام لأجل ابنتها فازداد غيظه قبل إغلاق موقد الغاز ببرود لتنظر له باستفهام قبل قولها بتساؤل عن فعلته الغير مبررة من وجهة نظرها
- الأكل لسه مش...
وقبل أن تُكمل حديثها ضغط على يدها بغضب تلاه قوله بحنق وهو يضغط على أسنانه بقوة
- بنتك اللي برا دي مش هتأكل في بيتي تاني.
بُهِتت ملامحها من حديثه العدائي رغم تحمسه لزيارتها قبل ساعات لتنظر له بعدم فهم قبل قولها بغضب
- عايزني اطرد بنتي من بيتها.
- أحسن ما تطردي معاها.
قالها زوجها بلامبالاة من غضبها غير المبرر وكأنه يخبرها "اذهبي لإلقاء القمامة في الحاوية بالخارج" سار للخارج قبل عودته ثانيةً ليقول ببرود استفزها
- دا بيتي مش بيت بنتك.
خرج ولم يعبأ باشتعالها لتجلس أرضًا قُرب الموقد تنظر للطعام الذي جهزته بحسرة وعقلها يخبرها كيف ستخرج من المأزق الذي وضعها به زوجها بأقل خسائر.
كيف تخبر ابنتها بالرحيل وقد انتظرت قدومها منذ زمن، فالابنة اختارت عزل نفسها بعيدًا وأجادت الانسلاخ عنهم بتجبر، لا تدري كيف قضت صغيرتها الأيام فكل ما كان يصله عنها بأنها بخير وتنهي المكالمة دون كلمة إضافية وفي الكثير من الأحيان لا تُجيب من الأساس متعللة بنومها أو انشغالها بأمر ما والهاتف كان على وضعية الصامت.
اتجهت للخارج تجر أذيال تخاذلها برحابة صدر لتجلس جوار ابنتها تأخذها بين أحضانها تتنعم بدفء قربها قبل رحيلها، أخذت توزع عدة قبلات متفرقة على شعرها ووجهها ودون وعي منها تساقطت دموعها بقهر من ذاك الوضع الذي وافقت عليه دون نقاش.
ابتعدت رؤى قليلًا لتنظر في عيني والدتها التي تحاول التهرب بنظراتها بعيدًا عنها، نظرت لها بهدوء قبل قولها بتساؤل
- فيه ايه يا ماما؟
ثم تأملت ارتعاش يدها بقلق من احتمالية معاناتها من مرض ما ولم تخبرها بعد لتقول بشئ من التردد وقد تآكل هدوئها بأنياب الخوف
- إنتِ كويسة يا سُمية!
رغم محاولتها في جعلها هادئة إلا أنها خرجت بنبرة حادة لتومأ أمها إيجابًا قبل قولها بهدوء علها تُطمئن تلك الجالسة جوارها
- بخير يا رؤى..
ثم ربتت على يدها تخبرها بحنان علها تقلل من حدة توترها تلك
- مفيش داعي للقلق حبيبتي.
صدح صوت الهاتف بنغمته المميزة لتنظر له الضيفة بهدوء قبل استئذانها للرد على المتصل، لحظات وأنهت المكالمة قبل قولها بهدوء
- مضطرة استأذن..
نظرت لها والدتها باعتراض قبل قولها بصوت يشوبه البكاء أملًا في الإبقاء على ابنتها فترة أطول ولو قليلًا
- خليكي شوية كمان.
قالتها برجاء لتنظر لها رؤى بهدوء لتقول بعدها بإقرار
- بعدين يا ماما.
استندت على عكازها واتجهت للخارج تُشيعها نظرات والدتها بحزن من مغادرتها سريعًا دون تناول أي شيء، أغلقت الباب بعدما اختفى طيف ابنتها من مرمى بصرها لتتجه إلى غرفتها تستريح قليلًا فتلك الأحداث أكثر من طاقة تحملها وفي خضم حنقها من زوجها وسخطها عليه شكرت صاحب الاتصال الذي انتشلها من موقف لن تنساه ما دامت بها الروح، حاولت الاسترخاء لكن دون جدوى فخلاياها نافرة من تخاذلها المستمر في حق ابنتها لكنها قررت عدم الصمت بعد الآن حتى تضمن لنفسها حياة مستقرة إلى حد ما دون أذيتها أكثر من ذلك.
نحن لم نختر المعاناة بل تخاذلنا كان الطريق الأمثل لتسللها إلينا دون عناء، مهدت الطريق لحشرة أخذت تنخر في استقرارها حتى انتهت منها تمامًا وتركت الفتات للرياح كمحاولة تجميع شتاتها أو بعثرته في الأرجاء لا يهم، الأهم مهمتها تمت وما خلفته من دمار لا يستحق إلقاء نظرة وداع أخيرة عليه، سلبيتها تجاه المواقف تراكمت عليها لتُشبه النعامة في دفن رأسها بين جذور ضعفها الواهي.
************
أنت تقرأ
نوفيلا "رُهاب"-"أسماء رمضان"
Romanceماذا يحدث لو ظهر أمامك فجأة فتاة في الظلام ودون مقدمات تهوي على رأسك بعكازها ثم تخبرك بعدها بمنتهى البرود "أنها آسفة" وتهرب بين طيات الظلام كما أتت منه..