الفصل السادس 🍁

6 1 0
                                    

الفصل السادس

الحياة صاخبة!
اعتزلها.
الحياة مملة!
أضف لون يكسر رتم عتمتها.
الحياة بطيئة!
تحداها في سباق والفائز يطلب من الآخر فعل ما يريد.
الحياة مُرة المذاق!
أضف بعض قطع السكر لتحليتها.
الحياة شاقة!
اجتهد لمواكبتها فالصعاب تُزين نقوش أيامك بألوان تكسر ملل الروتين غير تلك التي تصيبك بالإحباط في كل مرة تنظر إليها لتنفر منها باستسلام قبل افتراسك بخيبات الفشل.
أخذت رؤى تستمع إلى ثرثرته على الهاتف لتهدأ نوبة بكائها قليلًا، تنهدت باستسلام قبل تحركها من مكانها بعدما ملت انتظاره ولم يأتي.
اتخذت قرارها بعبور الطريق وانتظاره على الجهة الأخرى لتجد سيارة مسرعة تأتي من بعيد، تسمرت قدماها بالأرض عاجزة عن الحركة وكل ما يجول بخاطرها هو ذكريات أمس لم تستطع تخطيها بعد، أغمضت عينيها وهي تشعر بأن النهاية قد اقتربت على ما يبدو لتفاجأ بسليم يهتف باسمها بهلع من رؤيتها هكذا. 
أما سليم بمجرد اقترابه من المكان أخذ يبحث عنها حتى وجدها تعبر الطريق ثم توقفت فجأة، ابتسم لوجودها بخير قبل تلاشي ابتسامته ليناديها بخوف من احتمالية إصابتها بمكروه ليزيد من سرعته قبل توقف السيارة بجوارها، هبط منها قبل جذب يدها لترتطم بكتفه ويسقط عكازها أرضـًا مُحدثًا صوتًا مزعجًا.
تفحصها سليم يتأكد من عدم حدوث خطب بها قبل قوله بغضب من تهورها في مثل تلك الأمور
- إنتِ كويسة!
أومأت إيجابـًا وهي تشعر بأنها لم تكن سوى شبح يتابع جسد على وشك دهسه للمرة الثانية، زفرت براحة قبل قولها بهدوء
- كويسة.
التقط العكاز من على الأرض وأعطاه لها لتسير خلفه حتى وصلا إلى السيارة وجلسا داخلها، أهدته ابتسامة امتنان قبل شرودها في الطريق جوارها ليصمت مجبرًا فهو لن يُجبرها ما لم تبوح هي، عدَّلت من وضعية مقعدها لتسترخي أكثر به تبعه تحدثها بصوت هازئ من فرط انفعالها
- جربت تواجه خوفك بأبشع طريقة ممكن تتصورها وفي نفس الوقت تكون شبح عايز يخلص من عبء عشان يتحرك براحته في المكان اللي هو عايزه.
لم يفهم منها أي مما تتفوه به لتُغمض عينيها بإرهاق تحاول استجماع طاقتها المفقودة لتخبره بتعب وكأنها قد ملت من تحمل كل هذا وحدها
- فيه حاجات لو فضلت تتكلم عن شعورك ناحيتها من هنا لحد السنة الجاية مش هتقدر توصف أي حاجة غير إنك عاجز مع شوية شفقة من الناس اللي حوليك وفي النهاية هتكون المنبوذ الوحيد في قصة حاولت تكون البطل فيها بس بقيت أسوأ شخصية ممكن تقابلها.
للمرة الثانية لم يستوعب أي مما تقوله لكنه بحاجة لجذب خيوط حبكتها نحوه أكثر حتى يستطيع علاجها بالطريقة الأمثل دون وجود شائبة بحياتها لاحقًا، للتخلص من معاناتها أو حتى لتخفيف جرعات حزنها ولو قليلًا، تكلمت تلك المرة بصدق وعينيها تفيض بالحزن
- كل اللي كنت محتاجاه أب يوجهني للطريق الصح مش زوج أم يوجعني بكلامه ويقلل من أي حاجة بعملها.
ضحكت من بين بكائها فهي حتى تلك اللحظة تعتبره ركن هام من حياتها لكنه لم يعتبرها سوى باقة ورود حينما تذبل يقذفها بالقمامة لفقدانها رائحتها الخلابة ووالدتها غضت الطرف عن كل هذا فالتركيز منصب على عائلتها الجديدة وفقط.
- آخر مرة سمعته بيقول لماما إن مفيش أكل ليا.
قالت كلماتها وهي تتذكر مرارة تلك الزيارة جيدًا فهي رغم كل شيء كانت تتمنى لو تساندها والدتها بشيء حتى لو معنوي لكنها تجاهلت كل هذا وفعلت ما يريد فقط، أزالت دموعها بمحرمة أعطاها لها لتُكمل بشرود
- كنت بتمنى وقتها إن ماما تنصفني ولو لمرة واحدة في حياتها بس عملت اللي هو قال عليه وبعدها ظبطت المنبه على وقت معين ولما رن بعدت شوية ورجعت استأذنت منها ومشيت.
أخذت تعوي كمجنون تم حقنه بإبرة مهدئة بعد نوبة جنون طالت الجميع وآلمتهم دون استثناء لتقول بمهادنة
- وقتها عرفت إني يتيمة الأب والأم من بعد موت بابا.
فليحترق قراره السابق بعدم إزعاجها حتى تخبره بكل ما تريد لكنه لم يستطع الصمت أكثر من ذلك ليتحدث بإقرار
- المواقف يا رؤى هي اللي بتبين إذا كنا على قيد الحياة وفيه حولينا ناس تساندنا أو إننا موتنا من كتر الخذلان. 
أومأت بإيجاب على حديثه فهي توافقه تمامًا في كلماته المنمقة تلك لتسند رأسها على المقعد قبل غلق عينيها باضطراب وذكريات حادثها لا تفارقها لتنساب على لسانها كانسياب الماء بين الصخور.
"عودة لما حدث بالماض"
بعد الانتهاء من حفلها الراقص "أميرة البجع" قرر الجميع الذهاب والاحتفال في مكان آخر بعدما قاموا بإنجاز يُضاف إلى سجل مسيرتهم المُبهر، انضموا جميعًا إلى طابق أكثر هدوءًا ليعرض أحدهم عرض رقصة "جيزيل" بما أنها العرض التالي لهم مقنعًا إياهم بأنها تدريب لاكتشاف مدى تناغمهم مع الألحان، اعترضوا لأنهم يحتفلون بعيدًا عن العمل لكن في نهاية المطاف رضخوا لكلامه.
ارتفع صوت الموسيقى في أرجاء القاعة تلاه ظهور ألبرت الدوق المتنكر الذي عشق جيزيل الخياطة البسيطة.
"من الحب ما قتل"
هكذا كانت نهاية جيزيل حينما أراد هانز الانتقام من علاقة غرام لم يكن الطرف الآخر مع معشوقته ليقرر إخبارها بحقيقة ألبرت المخادعة.
لم يعلم بأن انتقامه سوف يحرمه منها للأبد لا أن يُقربها منه فحبيبته مصابة بمرض في قلبها يمنع تعرضها لصدمات نفسية لأنها قد تؤثر على حياتها، خاطر بكل شيء في سبيل الحصول عليها لكنه في نهاية المطاف فشل في الظفر بعشقها.
جيزيل توفت ﻷن قلبها لم يحتمل صدمة بأن عشقها لم يكن سوى خدعة من حبيب أجاد دور المزارع ببراعة لتُهديه رقصتها الأخيرة وبعدها هنيئًا لها بين أحضان الثرى بترحاب.
حينما تشعر بالذنب تجاه ما فعلته فاعلم بأن فداحة ذنبك بشعة ولن تهنأ في الظفر بغفران يُنجيك مهما فعلت وهانز أراد التكفير عن فعلته الشنيعة بالرثاء على قبر المحبوبة ونثر الأزهار فوق ضريحها علها تسامحه.
يظهر ألبرت عند قبرها أيضـًا ويرثي فراقها لتظهر ملكة الويليس -وهم جماعة ينتقمون ليلًا من الرجال بإرغام كل واحد منهم على الرقص بلا توقف حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة- "ميرثا" أميرة الأطياف باستدعاء جيزيل من ضريحها بعدما طردت هانز من المكان ليطارده الويليس حتى يُفارق الحياة.
أما ألبرت فقد أصابته صاعقة الذهول مع داء البلاهة من دهشته لوجودها أمامه وحينما حاول الإمساك بها لم يستطع لأنها مجرد طيف، أخذا يرقصان سويـًا لتعفو عنه ميرثا بعدما شعرت بحبهما القوي رغم كل شيء.
ألبرت جبان يخشي بزوغ خيوط النهار لأن حلمه الجميل مع حبيبته سينتهي وتعود إلى قبرها مجددًا دون لقاء ثانيةً.
هانز لم يكن سوى طرف ثان بمعادلة عشق أراد أن يكون كل أطرافها فخذله سهمها قبل إصابته لقلب حبيبته والقضاء عليها للأبد.
أما جيزيل فهي شهيدة حب ظنته في لحظة انكشاف الحقيقة وهم لكنه شغف ممزوج بعشق خالص لها من حبيبها ألبرت.
هكذا اختتمت إحدى الفتيات "والتي قامت بدور ميرثا العرض" بعدما أشارت بعصاها تجاه جيزيل لترقد في سلام بعد لقاء ألبرت، علت صيحات الجميع مع تصفيق حار نتيجة جهدهم المبذول على تلك الرقصة المثيرة مع تعديل في بعض الخطوات وعدم اقتصار دور ميرثا على منح العاشقين فرصة ثانية فقط. 
احتفل الجميع بعدما جلسوا مجتمعين في دائرة مركزها طعام أحضره عامل من أحد المطاعم منذ قليل، تحمس الجمع للعرض القادم ليقول أحد الشباب بهدوء بعدما قام بالعرض مع رؤى
- رغم تعبنا إلا أننا بننسى كل همومنا على المسرح عشان كدا لازم الروح اللي ما بينا دي تستمر.
وافقته رؤى على حديثه لتُكمل بهدوء
- معاك حق يا رائف....
هلل الجميع ولم يدعها أحد بالثرثرة بمزيد من الهراء في تلك اللحظة ليتسأل أحدهم بمكر وقد شمل بطلي العرض بنظرات فاحصة لرد فعلهم
- هتخطب رؤى أمتى يا رائف!
سعل رائف بشدة على حديثه ذاك فرغم وجود مشاعر نحو صديقته رؤى إلا أنه لن يصرح بها حتى يتأكد من حقيقة مشاعرها نحوه فهي أخبرته ذات أمس بأنها لن تتزوج أحد من نفس مجالها ليصمت مجبرًا وقتها دون التفوه بالمزيد، طرقعة صديقه جعلته يعود إلا أرض الواقع قبل قوله بإقرار
- احنا مجرد أصدقاء مش أكتر.
صمت لحظات قبل قوله بسخرية من هذا الموقف بأكمله
- وبعدين أنا بعتبر رؤى شبه صاحبي أوي فأكيد يعني مش هتجوز صاحبي.
رغم تصريحه المازح إلا أن رؤى أحست بخنجر قد طُعِن في صدرها حتى نفذ إلى قلبها ليدمره إلى أشلاء، لا تنكر بأنها معجبة به وتعشق اهتمامه بها لكنه لم يحبها فقط يهتم لأمرها وحديثه الساخر ذاك أكد لها بأنه لن يكون أمين عليها فيما بعد. 
مضت الأمسية على خير بين مزاح من أصدقائها وبعد فترة استأذن الجميع وبقت هي بمفردها تنظر للمسرح باشتياق لا تعلم مصدره لتصمت مجبرة حينما جلس هو جوارها، التقط قطعة حلوى كانت موجودة بينهما ليسألها مستفسرًا
- قلقانة! 
- خايفة.
قالتها بإقرار لينظر لها بعدم فهم من خوفها الغير مبرر لتقول بإيجاز
- خايفة كل دا فجأة يبقى سراب....
- زعلتِ!
قالها بتساؤل لتنظر له بعدم فهم من كلمته المقتضبة لتخبره بهدوء بعدما فطنت الأمر
- مش فارق كتير يا رائف.
- بس فارق معايا أنا.
تفوه بها رائف بغضب لتضحك بسخرية على حديثه الغير عقلاني لتصرخ في وجهه بحنق
- لو كان فارق معاك فعلًا كنت احترمت مشاعري حتى لو مش عايز تصرح بوجود علاقة ما بينا بس ميبقاش ردك فيه إهانة ليا.
محقة يدرك ذلك لكنه لن يوافقها رأيها ذاك فهي في نهاية المطاف حبيبته وانتهى الأمر ليقول بتساؤل ساخر من حديثها الناقم
- مين اللي اشترط.... 
وقبل أن يُكمل قاطعته بحنق من تزمته الغير معهود لحديثها التعسفي في بعض الأحيان
- اعتبر إني صاحبك ومفيش أي علاقة ما بينا.
قالتها وغادرت من أمامه، لم يحاول إيقافها أو حتى استرضاء عشقها له، انتظرت أمام الباب عله يخرج لكنه لم يفعلها لتدرك حقيقة واحدة فقط بأنها كانت زائدة بحياته وقد تخلص منها بإرادتها هي.
هبطت الدرج تبكي بحزن على غبائها في كل قرار يخص حياتها، استمعت لصوت سيارة مسرعة تقترب منها وحينما حاولت العدو بعيدًا عن مسارها كان أمرها قد انتهى وقد طُرحت أرضـًا بعدما هرب الفاعل دون دليل على فعلته لكنها قبل أن تستسلم لخدر جسدها لمحت شيئًا مميزًا على السيارة من الخلف لتسقط بين قبضة ألم نهش جسدها بأقصى ما يمكنه.
"عودة للوقت الحاضر"
"نحن لسنا سوى عبيد على رقعة الألم، تُحركنا كيفما شاءت وحينما تمل منا تقذفنا إلى هوة الهلاك دون قلق على حالنا فيما بعد".
هكذا تفوهت بها رؤى دون تجميل قبل أن تفتح عينيها تنظر لذاك المستمع بحنق من عدم مقاطعته لها بل تركها تثرثر بكل ما يقلقها لتقول بهدوء بعدما اعتدلت في جلستها
- زوج والدتي رفض يتكفل بأي مصاريف، مدير المسرح دفع كل مصاريف المستشفى والجراحة اللي عملتها وانتهى دوره ومش هقدر ألومه لأنه عمل حاجة مش مسئوليته.
نظر لها سليم بعدم فهم لتقول بإيجاز متغاضية عن تلك النقطة
- الإصابة مش أثناء العرض بالتالي هو مش مسئول بس قرر يتحمل جزء من المسئولية.
أومأ إيجابـًا وقد فهم مقصدها لتُكمل بحزن مما تعرضت له طوال فترة إصابتها
- رجعت البيت مع ماما لكن للأسف كان أسوأ قرار بحياتي.
ضحكت بصخب على منعطفات حياتها التي أودت بها إلى الهاوية برحابة صدر، أزالت دموعها وتشبثت أكثر بعكازها لتخبر ذاك الجالس جوارها بحزن
- أوقات بتبقى محتاج حد يطمنك حتى لو هيكذب عليك بس هتكون وقتها كويس لإن أي شك هيختفي من حياتك لحد ما تتجاوز أزمتك وبعدها تُدرك خطورة وضعك.
أومأ يوافقها رأيها فأكثر ما يريده المريض هو التشبث بأمل زائف في عودته معافى تمامًا حتى لو كانت أيامه معدودة بالحياة ليسمع صوتها يئن بتعب
- وقتها كان كل الكلام إني فاشلة وحلمي انتهى من غير أي إنجاز ومش لازم علاج ومصاريف كتير طالما مفيش فرق بين إني أمشي أو حتى أرقص وقتها.
صمتت تحاول تخطي الأمر فما قاسته بمنزل زوج والدتها بعد الحادث لا يُذكر بداية من رفضه تأمين علاجها متعللًا بأنه لا يمتلك المال، مرورًا بمنعها في الانتظام مع طبيب علاج طبيعي انتهاءًا بحديثه السام لها في كل مرة يلمح فيه طيفها لذا آثرت البقاء في حجرتها حتى انتهت من الاتفاق مع صديقتها باستئجار سكن لهما وغادرت المنزل دون حديث أو حتى إخبارهم بعنوانها.
ظلت تسقط بين خيبات فشلها ودروب ندمها حتى قامت بإنشاء محتوى ساخر على أحد مواقع التواصل الاجتماعي ليزداد عدد متابعيها وبدأت تؤسس عمل خاص غير ذاك للحصول على دخل ثابت لها.
- مبسوط بشجاعتك آنسة رؤى.
قالها سليم بفخر بعدما صمتت مريضته عن الحديث، نظرت له بتيه ليخبرها بحنان مطمئنًا إياها
- فيه لحظات بنحاول نتخطاها رغم مرارتها وإنتِ عملتِ دا لوحدك.
لا يعرف كيف يصارحها بحقيقة ما توصل له بناء على حديثه السابق وتجربته معها قبل زيارتها بعيادته الخاصة لتخبره بإقرار
- فيه عندك كلام عايز تقوله.
- بصراحة اه.
تفوه بها سليم بإقرار لتصمت منتظرة إياه حتى يُنهي حديثه ليقول بهدوء بعدما حسم قراره بإخبارها
- اضطراب ثنائي القطب.
نظرت له بعدم فهم لتهديه جوابها الساخر
- ولا رباعي الأقطاب!
- لا دا صابر الرباعي.
ضحكت على سخريته هو الآخر ليقول بطريقة علمية محاولًا التجاوز عن أي شيء ستفعله بعد قليل
- مرض اضطراب العاطفة أو ثنائي القطب ناتج في حالتك عن نوبة هوس استمرت لأسبوع على الأقل ونوبة اكتئاب حاد.
- مش فاهمة.
تفوهت بها ببلاهة ليخبرها بهدوء محاولًا إيصال فكرته ببساطة أكثر
- أول مرة اتقابلنا فيها إنتِ عملتِ ايه!
صمتت وشعورها بالحرج يزداد لفداحتها السابقة معه ليقول بهدوء متجاوزًا عن هذا الأمر
- طيب لما زوج والدتك عاملك بطريقة مش كويسة تقدري تقولي اتصرفتِ ازاي!.
أهداها دفتر ملاحظات تقرأ ما دوَّنه طوال الفترة الماضية
- من شوية لما حاولتِ تأخدي خطوة إيجابية كنتِ هتعملي ايه!
- مش فاكرة غير إني ببقى مجرد شبح براقب شخص تاني بيسيطر على جسمي ويتحكم فيه.
تفوهت بها بهدوء ليطرقع بأصابعه أمام وجهها قبل قوله بحماس من استنتاجها ذاك
- بالظبط.
إن أخبرته بأنها تود تحطيم رأسه بعكازها هل سيُمانع أم سيحاول الابتسام بسعادة حتى تفعلها بنفس راضية، تمالك نفسه ليقول بهدوء
- من ضمن أعراض النوبة التخطيط مثلًا لحاجة تفوق قدراتك بس بتعمليها لسبب واحد إنك عايزة تثبتي وجود الأفضل بالنسبة لك والسعي وراه.
اختتم كلماته وأخذ يعدد لها تصرفاتها المختلفة بداية من فرارها من منزل والدتها رغم تأكدها من عدم قدرتها على اتخاذ مثل هذا القرار لكنها فعلتها، يوم هاجمته بالعكاز رغم صعوبة تعاملها مع الغرباء في حالتها تلك خوفًا من شعورهم بالشفقة نحوها، مخاطرتها لمواجهة الموت رغم خوفها من عبور الطريق بعد الحادث، تبجحها في التحدث مع زوج والدتها قبل قليل أيضـًا رغم خوفها من التعامل معه إلا أن كل هذا مؤشر على إصابتها باضطراب العاطفة.
أومأت إيجابـًا دليل على فهمها فهي في معظم الأحيان تشعر بأنها تتخذ قرارات أو تقوم ببعض التصرفات كما لو أنها مغيبة عن حقيقة واقعها، أعطاها نوع حبوب تأخذه في مواعيد محددة قبل طلب عنوانها لإيصالها إلى المنزل فالساعة تُشير إلى الرابعة فجرًا.
أوصلها إلى المنزل وانتظر حتى صعدت وأشارت له من النافذة لتُصدم حينما وجدت نقش مميز يزين سيارته من الخلف، نقش لازال يزورها في أحلامها عبارة عن لاصق لنحلة بجناحي فراشة وأسفله جملة باللغة الإنجليزية "you can"
صُعِقت مما رأته وعقلها يخبرها بأنه لم يكن نفس الشخص الذي صدمها قبل أشهر وتركها على الطريق تُصارع الموت وحدها دون محاولة واحدة لمساعدتها، قررت التغاضي عن الأمر حتى الصباح وحينها فليبدأ العبث.
اتجهت صوب حجرة صديقتها وطرقت عليها عدة مرات متتالية لتخرج لها الأخرى بعد فترة ولازالت بثيابها دون تبديل لترتمي آية بين أحضانها قبل قولها بأسف
- آسفة.
- مفيش بينا اعتذار يا عبيطة.
قالتها وهي تُزيل دموع صديقتها العالقة بين أهدابها لتخبرها بعدها بهدوء
- مفروض اعتذر منك إني مش راعيت فرحتك.
أشارت آية علامة النفي على حديث رؤى لتُكمل الأخرى بسعادة
- مبارك يا بطوط خطوبتك وعقبال الفرح.
احتضنتها مجددًا قبل طبع قبلة على رأسها لتسألها آية بحزن
- يعني إنتِ مش زعلانه!
نظرت لها رؤى بحنق قبل تحدثها بصراحة مطلقة وهي تشعر بسقوط جزء من حمل أصاب كتفيها بالعطب
- فيه حد يزعل من روحه يا متخلفة.
تحدثت معها قليلًا قبل تركها لحاجتها إلى النوم فوجع قدمها بدأ يتسرب إلى بقية جسدها ثانية، تركت العكاز جانبًا وضبطت المنبه على الساعة الثامنة صباحًا حتى تقابل بقية رفاقها قبل رحلتهم إلى أحد الدول الأوروبية استعدادًا لحفل على أحد المسارح هناك.
أتريد النوم!
اترك هموم أثقلت روحك بعبء العجز جوار الفراش ونم بسلام. 
لم تستطع النوم!
إذن ابحث عما يثير انتباهك واتبعه حتى تصل إلى ما تريد.
وهي فعلت ذلك تمامًا، أخذت ترسم نفس الشعار الذي رأته على السيارة حتى لا تنسى تفاصيله وبعدها خلدت لنوم متقطع لتستيقظ في السابعة صباحًا.
تناولت الإفطار مع صديقتها وذهبت إلى حيث وجهتها بعدما طلبت لها آية سيارة أجرة لإيصالها، بعد مُضي أكثر من نصف ساعة كانت تهبط من السيارة تُطالع المكان بنفس الحماس السابق لكن تلك المرة باستعادة ذكريات ظنت بأنها تخلصت منها أسفل الركام لكنها هاجمتها بقوة بمجرد عودتها إلى موطنها الأصلي، اتجهت للداخل تبحث بعينيها عن مدربها ومصمم الرقصات لتجده يتحدث مع البقية، لم تقاطعه وانتظرت حتى انتهت ليشير إليها بالاقتراب قبل قوله معرفًا عنها
- رؤى.
ابتسمت للجميع بمجاملة فهي لم تتعرف على أي أحد منهم ليقول المدرب بهدوء وهو يشعر بالفخر تجاهها
- أفضل تلميذة عندي وأكثر شخصية متفانية في اللي بتعمله.
اختتم كلماته بإعطائهم الإذن للقيام بعملية إحماء قبل البدء، اتجه هو ورؤى إلى حيث البقية ليصفق لها الجميع بسعادة لوجودها بعدما كانت ترفض ذلك قبلًا، أدمعت عيناها تأثرًا قبل قولها باعتذار وهي تجلس على مقعد بجوارهم
-بعتذر إني رفضت أقابل معظمكم وقت الحادث.
أخبرها الجميع بإحساسهم وقتها لكنهم شعروا بما تمر به مع إعطائها العذر لذلك، شكرتهم على تفهمهم قبل تبادل أطراف الحديث معهم.
بحثت بعينيها عن رائف لكنها لم تجده بين الحضور لتخبرها إحداهن بخبث
- هيجي بعد شوية هو وخطيبته. 
نظرت لها بتساؤل لتنظر الأخرى ببراءة وشعورها لا يوصف تجاه هذا الموقف، تعلم بأنها أنهت كل شيء بينهما لكنه لم يتمسك وهذا أكثر ما خذلها منه.
مقياس السعادة ليس مقياسًا لما نشعر به بل بما نعايشه في حياتنا كل يوم.
وآية بعد أن خرجت من غرفتها استمعت لصوت إشعار برسالة من خطيبها المستقبلي يخبرها بكل هدوء بأنه موجود بالأسفل لإيصالها، حملت حقيبتها وأغلقت المصابيح قبل هبوطها لأسفل.
وجدته يجلس على مقدمة السيارة ويرتشف مشروب وبمجرد أن رآها أعطاها آخر يشبه خاصته لتتذوق مشروبها الساخن ليقول هو بعبث
- صباح الحاجات الحلوة.
كانت تريد إخباره "صباح اللي بتغني" لكنه كان سيتركها ويرحل وهي فلتخبر صباح بضرورة إيصالها إلى مكان عملها لتخبره بمشاكسة
- صباح القهوة.
ابتسم واتخذ كل منهما مكانه ليسألها بتذكر
- عملتِ ايه مع رؤى.
قصت عليه كل ما حدث ليخبرها بدوره ببعض مما أخبره إياه سليم عن حالتها لتضطرب من احتمالية فعل شيء بنفسها ليقول لها اﻵخر مطمئنًا
- سليم هيقدر يتعامل معاها.
قالها وانطلق يوصلها أولًا وبعدها يذهب لعمله في جو مليء بالكثير من المشاعر المتلهفة لاجتماعهم معًا تحت سقف واحد.
وما بين أجواء رومانسية وأخرى متوترة ظهر رائف جواره فتاة وكلاهما يحمل بين يديه أكياس مختلفة الحجم، وضعها أمام الجميع قبل دهشته من وجود شريكته السابقة ليسألها عن حالها قبل قضاء بعض الوقت معهم وتركها متعللة بأمور أخرى.
خرجت من المكان لتستمع إلى اسمها بصوته، اقترب منها ليخبرها بتساؤل
- أخبارك يا رؤى!
- تمام.
قالتها باقتضاب لترحل من المكان، أمسك يدها يحثها البقاء قائلًا بعدها بهدوء
- بعتذر إني وقتها مش منعتك.
ضحكت بسخرية على ندمه الغير مبرر لتتحدث بعدها بحزن
- عارف يومها فضلت مستنية على السلم أد ايه إنك تخرج وتمنعني..!
حررت يدها من جيب معطفها لتطرق على الحائط عدة طرقات متتالية
- بس كإني كنت عبء واتخلصت منه.
- عمري ما حبيت غيرك. 
قالها بإقرار لتقول بسخرية من تماديه في الكذب ظنًا منه أنها لا تعرف ما يحدث بالتدريب
- وخطيبتك!
- أسيبها.
ضحكت بمرارة على حديثه ذاك فهو للمرة الثانية سيتخلى دون تفكير لتخبره بغضب
- مفيش فايدة منك.
قالت كلماتها وتركته ليتأمل رحيلها بحزن فهي غادرت للمرة الثانية دون محاولة منعها.
لست سوى مسير في حرب بين تفكير واضطراب لتصبح أداة تُنفذ كل ما يُطلب منها فقط دون النظر إلى ما ستترتب عليه تلك الأفعال فقط تغامر غير متقبل لما ستؤول إليه الأمور فيما بعد وذلك لأنك خنعت لخدعة ظننت بأن فحواها راحة تُنجيك من ألم لن تحتمله قط.
******

نوفيلا "رُهاب"-"أسماء رمضان" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن