الفصل الثامن 🍁

8 1 0
                                    

الفصل الثامن

ظننتكُ دارًا تحويني لكنك لم تكن سوى مقبرة تقبض روحي..
ظننتكُ قلبًا يحمل من عطاء الدنيا ما يكفيني لكنك لم تكن سوى صخرة قبضت عكرت صفو حياتي وقلبته رأسًا على عقب..
ظننت الكثير وفي النهاية خاب ظني بك وكأن النجاة لم تُكتب قط على هوامش حكايتنا.
والحكاية هنا تمثلت في أمٍ استقبلت اتصال من مجهول يخبرها بنبرة حزينة بأن فلذة كبدها قد توفت دون أن تودعها.. غادرتها دون كلمة واحدة وكأن حديثها قبل قليل بأنها لن تعود كان ناقوس خطر وهي لم تستطع تفسير تلك الرسالة قط بل دعتها تغادر هكذا دون ردع منها.. لم تفهم ابنتها قط كما السابق تمامًا وللأسف الشديد فقدتها في لعبة متهورة مع الزمن.
- مش هرجع تاني.
- صاحبة الرقم دا تعيشي إنتِ.
جُملتين تردد صداهما في أذني سمية وهي غير مستوعبة تمامًا للموقف التي باتت فيه الآن.. أتصدق وتذهب إلى جثمان ابنتها على كد وصف المتصل أم تبقى عمرها كله هنا في انتظار ابنتها أن تعود لها..
لتسخر ذكرياتها بعجز فالشخص المتوفي لن يعود قط فقط تبقى ذكرياته بين طيات قلوب أحبائه..
بدلت ملابسها على عجالة وهي تدعو الله أن يكون الخبر كاذب لكن كيف وقلبها لازال يدق بعنف بأنه ربما غادرتها ابنتها للأبد دون أن تودعها أو حتى تعتذر منها عما بدر في الماض أو حتى الآن.
دقائق أشبه بالدهر وكانت بين أروقة المشفى تتخبط بين حيرتها وحزنها بحثًا عن أي طريق قد يودي بها إلى حيث ابنتها..
سألت أول شخص قادم إليها لتخبره بإيجاز عما ترغب به، اصطحبها حيث المشرحة لتتعرف على الجثمان..
أما هي فمبجرد دلوفها للمكان المنشود شعرت بصقيع ينتشر بين ثنايا جسدها مع تحذير للعقل بضرورة المغادرة الآن حتى لا يحدث ما لا يُحمد عقباه.. وببسالة رفضت فاحتمالية وجود ابنتها هنا كبيرة لكنها واثقة بأن ابنتها لن تغادرها هكذا..
اتجهت صوب ثلاجة موتى بعينها موضوع فيه الجثمان، تحركت تقدم قدم وتؤخر الأخرى دون توقف قلبها عن الدعاء، وصلت حيث مبتغاها ثم انتظرت قليلًا وقلبها في كل لحظة بداية من صرير المزلاج مرورًا بظهور جسد مغطى بالأبيض حتى وجهها انتهاءًا بقول الطبيب وهو يخبرها بهدوء حذر
- تقدري تتعرفي على جثمان بنتك دلوقت.
صاحب كلماته برفع الغطاء عن وجه الفتاة لتفتح عينيها بصدمةٍ مما ترى.. لتغمض عينيها عدة مرات مع ارتفاع وتيرة تنفسها بتوتر وهي تخبر الطبيب بهدوء
- مش هي..
- حضرتك متأكدة!
قالها بتساؤل مصاحبًا لمهنته في كل لحظة لتومأ سمية عدة مرات قبل أن تخبره بتأكيد هذه المرة وهي على وشك الموت من هول الصدمة بأن الفتاة المنشودة ليست ابنتها لتخبره بتأكيد هذه المرة
- دي مش بنتي.
وبعدها خرجت بفرحة عارمة بأن احتمالية وجود ابنتها على قيد الحياة تزداد، حاولت الاتصال بها لتتذكر بأن الهاتف ربما يكون في مع نفس الشخص الذي هاتفها قبل ساعات لتلقي بثقلها على مقعد في استقبال المشفى منتظرة تقرير خطواتها القادمة بعدما تهدأ وتيرة أنفاسها المفرطة من هول ما عاشته قبل قليل.. وكيف تهدأ وعقلها يوبخ شخص أخبرها بأن ابنتها ربما توفت.. خبر كالصاعقة شلَّ حركتها لكن حمدًا لله على فضله بمنحها فرصة ثانية وثباتها في مثل هذه الموقف.. أغمضت عينيها بتعب وظلت تفكر في مكان ابنتها أين ستكون في مثل هذا الوقت والسؤال الأهم الذي ضرب عقلها في ذات اللحظة كيف انتقل الهاتف وأصبح مع الفتاة بالداخل لتنتفض مكانها كالملسوعة بأن ابنتها ربما تكون في المشفى أيضًا.. ودون تمهل عادت أدراجها ثانيةً إلى المشرحة تبحث عن إجابة سؤالها الغير منطقي من منظور عقلها الآن لكن ربما تصيب غريزة الأم هذه المرة.
- لو سمحت.
قالتها بهدوء لتخبر الحارس على الباب تنبهه بوجودها، ليضيق عينيه بتفحص وكأنه يتأكد بكونه رأها منذ لحظات، رفع حاجبه منتظرًا ما ستقول لتخبره بحيرة
- اتصل بيا شخص وقال البقاء لله في بنتي وعطاني العنوان هنا لكن لما شوفت الجثمان واتعرفت عليها وأكدت للدكتور أنها مش بنتي لكن دلوقت مش عارفة هي فين..
وقبل أن تُكمل حديثها أخبرها الحارس بهدوء بعدما شعر بالشفقة على أم ينكوي قلبها لوعةً على ابنتها
- ممكن حضرتك تسألي تميم بيه الضابط المسؤول عن التحقيقات..
واختتم كلماته مؤكدًا
- هيفيدك أكيد.
وبعدها دلها على مكان الضابط في غرفة جانبية جوار المشرحة، طرقت على الباب قبل أن يأذن لها صوت رجولي من الداخل يأذن لها بالدخول.. فتحت الباب لتجد رجلين تعرفت على أحدهم منذ قليل وهو يصحبها لمعرفة هوية الجثمان وخمنت بأن الآخر ربما ذاك تميم على الأرجح، حمحمت بحرج ووجهت حديثها للضابط المسؤول
- كنت حابة اسأل حضرتك عن مكان بنتي.
وتميم رفع حاجبيه باستنكار فتلك المرأة معتوهة من وجهة نظره، كيف تسأله عن ابنتها وهو لا يعلم هويتها من الأساس أو كنيتها هي ومَن تكون ابنتها المزعومة والتي تسأله عنها بمنتهى الصفاقة، وقبل أن ينزلق لسانه ويخبرها برد لاذع طلب الطبيب منها الجلوس لفهم معضلتها أولًا، انفرجت شفتيه عن بسمة ساخرة وداخله يوجه حديثه لصديقه الطبيب "حنين أوي يا اخويا" ليستمع إلى صوت الآخر يخبره بتوضيح وهو يشير على السيدة سمية بنبرة رزينة
- كانت جاية تتعرف على جثمان الفتاة لكنها قالت أنها مش بنتها.
هنا أحد قطع الأحجية زال غموضه ليومأ هو بتفهم فإن كانت تلك ليست ابنتها فماذا تحتاج منه على وجه الخصوص، أما الأخرى فمبجرد انتهاء الطبيب نيابةً عنها أكملت هي بهدوء تعيد عليه ما قالته للحارس سابقًا بكون أحدهم اتصل من هاتف ابنتها وأخبرها بأنها فارقت الحياة وحينما أتت للمكان المنشود أنكرت صلتها بالجثة والآن هي هنا بصدد البحث عن مكان ابنتها بالتحديد ليخبرها الضابط تميم بعدما فهم الأمر برمته
- بنت حضرتك في الدور الرابع بيتم عمل فحوصات لها.
لم تفهم ما يعنيه بالتحديد لتسأله باستغراب من طلاسمه الغير واضحة بالنسبة لها
- فحوصات علشان ايه!
اعتدل في جلسته وشملها بنظرة متفحصة ثم أخبرها باختصار عما توصلت إليه نتيجة التحقيقات الأولية
- فيه بنتين كانوا في مكان الحادث واحدة فيهم كانت غرقانة في الماء ودا بعد سقوطها من على الكوبري للماء ودي للأسف توفت أما التانيه فيبدو إن رجليها انزلقت ودا سبب لها سقوط حاد على الأرضية الصلبة على الكوبري نفسه وكان سبب أنها تفقد الوعي..
دفن عُقب السيجارة في مرمدية أمامه وأكمل بهدوء توصل إليه تحليله الآن
- الظاهر إن بنت حضرتك بعد ما قررت تنتحر رجعت في كلامها وقالت هتنزل من على سياج الكوبري لكن رجليها انزلقت ودا سبب عدم اتزان لها فوقعت على الأرض بعنف.
وفي نهاية حديثه معها طمأنها بأن ابنتها ستكون بخير لكن وجب الانتباه عليها ومراعاة أن الشيطان ينتظر ضعف الإنسان في المواقف ليوسوس له من ثغراته ويجعله يرتكب المعاصي والذنوب أما سمية فقد أكدت له أن القدر أهداها فرصة ثانية وهي لن تتنازل عنها قط مهما حدث.. وبعدها اتجهت حيث أرشدها تنتظر انتهاء الطبيب من فحصه.
"عودة لما حدث قبل ساعات وبالتحديد بعد مغادرة رؤى المنزل"
انهارت رؤى على قارعة الطريق تبكي بتعب فهي بالفعل لم يعد بيدها شيء تملكه.. الكل تخلى وتبقت وحدها تصارع كل ما بحياتها حتى لو كان الثمن روحها.. أخبرها الجميع بأن الزمن يعالج لكن في حالتها كل دقيقة تمر عليها ما هي إلى طوق يُلف حول رقبتها يجاهد على خنقها، توقفت قليلًا وكلمة واحدة ظلت تتردد بين ثنايا عقلها وهي "حياتها" لتقرر إنهاء تلك اللعبة علها ترتاح في حياتها الأخري فهي بالفعل قد وصلت إلى حافة الجنون وما تبقى منها لا يرغب في خوض نزاعات الحياة بعد.
قررت السير قليلًا لتأخذها قدميها إلى كوبري أسفله نهر لتنظر إلى المياه من علو بشرود وكأنها تؤكد لنفسها حركتها التالية.. لتجلس أرضًا تستند بظهرها على سياج الكوبري قبل أن تفتح هاتفها وخاصةً على أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي وكتبت بحزن ممزوج ببقايا تمني لو تحقق لنسيت كل ألم تشعر به الآن
" أتمنى لو سنحت لي الفرصة مستقبلًا وفقدت ذاكرتي أن أبقى هكذا إلى الأبد دون التعرف على أي أحد كان في حياتي السابقة.. لأنهم جميعًا اتفقوا على خذلاني لكن بطرق مختلفة والنتيجة كانت تعب شديد لن يتحمله قلبي بعد الآن.. فالبعض يعاقبني على إثم لم أفعله قط.. كما أتمنى أن يعيش كل شخص كان في حياتي بسعادة مع ضرورة نسيان أنه كانت هناك واحدة بين ذكرياتهم تُدعى رؤى..".
ضغطت على زر النشر وأغلقت بعدها بيانات الهاتف منعًا لوصول أي رسالة تزعجها أو حتى تخبرها عما بها..
استمعت إلى صوت نحنحات لأخرى تجلس أعلى السور ووجهها مقابل للمياه تبكي بحرقة هي الأخرى لتخبرها رؤى بتساؤل عما تفعل بالأعلى والثانية أجابتها بسخرية طفيفة
- أريد فعل ما تفكرين به الآن.
ابتسمت رؤى حينما حدثتها الأخرى بالفصحى وصعدت تجلس جوارها لكن بشكل معاكس حيث وجهها مقابل للأرضية الصلبة تحاول إثنائها لكن الفتاة أخبرتها بهدوء
- عمي عايز يقتلني بحجة إنه يمحي عاره وأنا قررت انتحر علشان أثبت لهم إنهم كانوا ظالمين وجاحدين في حقي.
- تحبي تكلميهم؟
قالتها رؤى بعرض وهي تلوح بهاتفها أمام عين الأخرى لتخبرها بنبرة هازئة
- ليه لأ.. على الأقل اسمع صوت ندمهم ولو لمرة واحدة على الأقل قبل ما أموت.
وأخذت الهاتف من رؤى بالفعل ثم ضغطت على عدة أرقام وبعدها انتظرت على أحر من الجمر حتى أتاها صوت نزق يخبر صاحب الهوية المجهولة من وجهة نظره
- مين!
وشعرت من صوت مُحدثها أنه كان نائم واستيقظ الآن لتقول بنبرة هازئة على ما تم استنتاجه
- ولك عين تنام بعد اللي عملته فيا يا كلب.
أما الآخر فقد انتفض من نومته حينما استمع إلى صوت آخر شخص توقع أن يسمعه الآن وتحديدًا بعد ما حدث، فالعم افترى عليها بإدعائه في شرفها وابن العم لم يتوانى ثانيةً كذلك بل استخدم نفس أسلوب والده في إذلالها رغم براءتها والسبب إرثها الذي كتبه والدها لها مانعًا أخيه من حقه الشرعي من وجهة نظره، أما هو فقد كان مشاهدًا لكل ما حدث بحقه دون أن يجرؤ على الوقوف في وجه والده أو محاولة الدفاع عنها بل طعنها بنفس الخنجر هو الآخر، ازدرد لعابه بتوتر دون أن يجد ما يسعفه من الكلمات ليخبرها بلقب دلال اعتادته منه
- مَيس...
- أخرس
قالتها بشراسة وداخلها نار تود لو تدمر الجميع كما دمروا كل جميل داخلها وحولوا فتاة لازالت في بداية حياتها إلى عجوز لا تقو على الحياة، ابتسمت بوهن وأكملت بلذة
- حبيت إني أكلمك واسمع صوتك للمرة الأخيرة يا سيد كاظم.
وهنا بكت..
لم تستطع التماسك عما أصابها فهي بالفعل داخل هوة الانهيار ووجب على الجميع أن يبتعد عنها حتى لا يصاب أي منهم بخيبات لن تحصى بعد الآن..
هي بالفعل أحبته لأنها رأته مختلف عن والده لكن ما لم تضعه في الحسبان أن دمه مزيج من طمع أب وقسوة أم وفي أول محنة سيتخلى كما حدث الآن.. أزالت دموعها بقسوة وأكملت بثبات
- عايزة بس أعرفك إني مش مسمحاك ولا هسامح حد من أهلك على كل الاذى اللي اتعرضت له سواء كان نفسي أو جسدي..
- نتفاهم وهعمل لك اللي إنتِ عايزاه.
قالها بسرعة محاولًا امتصاص غضبها لتضحك بسخرية قبل أن تُكمل بنبرة هازئة
- خلاص انتهت.
وأغلقت المكالمة بعدها دون إضافة حرف واحد لتمرر الهاتف إلى صاحبته وأخبرتها بهدوء
- شكرًا لكِ.
ثم وجهت بصرها إلى صفحة المياه وهي تتأملها بشرود قبل أن توجه حديثها إلى رؤى تخبرها بحنان
- ممكن تكلمي شخص من اللي سببوا لك أذى واسمعي صوته للمرة الأخيرة علشان لما يعرف إنك خلاص مبقتيش موجودة ومبقاش فيه فرصة للغفران يفضل طول عمره لا عارف ينام ولا يعيش.. ودا هيكون انتقام منك له في حياته.
وفكرتها لاقت استحسان رؤى لتقرر الاتصال بوالدتها لكن الأخرى كان رقمها مشغول لذا وقفت على الحافة تبتعد عن الأخرى قليلًا متخذ قرار مهاتفة سليم وأثناء حركتها لم تأخذ حذرها لتنزلق انزلقت قدمها قبل أن يتهاوى جسدها ويسقط على الأرضية بعنف وآخر ما سمعته قبل أن تفقد وعيها كان صوت ارتطام قوي بالماء لتذهب بعدها بين غياهب اللاوعي مستسلمة لمصير مجهول ربما سيكون طوق نجاة لها مما هي فيه.
"عودة إلى المشفى مرة أخرى"
حركة في الغرفة المقابلة لها جعلتها تنتبه من بين شرودها على ما يحدث لتقف منتفضة حينما رأت الطبيب يخرج من الغرفة بصحبته عدد من الممرضات يكلف كل منهم بدوره، وقفت على مقربة منه وحينما انتهى أخبرته بهدوء تجذب انتباهه لها
- لو سمحت يا دكتور.
صوب نظراته نحوها وأومأ لها قبل أن ينصرف مَن حوله لتتجه هي نحوه وأكملت بعدها بنبرة جاهدت على أن تخرج متزنة
- بنتي عاملة ايه دلوقت؟
وفهم بأن الفتاة في الداخل هي المنشودة ليخبرها بهدوء
- اتفضلي معايا على المكتب.
واتجهت معه بالفعل إلى هناك وبمجرد أن أغلق الباب أخبرها بعملية بحتة
- بنت حضرتك كانت بتتعالج عند طبيب نفسي؟
سؤال غير متوقع صوبه الطبيب لها لتومأ بنفي تبعه جواب عملي وكأنها بذلك تحمي ابنتها من تهمة الجنون التي يحاول الطبيب إلصاقها لها
- مش عارفة بس أكيد لأ.
تخطى الإجابة مع تجاهله لإكمال ما يود بدئه فما استنتجه ان الأم ربما لا تعرف الكثير عن صراعات ابنتها على ما يبدو فوجود الفتاة في تلك الحالة بل وإقدامها على الانتحار موضع شك وبفطنته شعر بأن الفتاة تعاني بالفعل خاصةً بعدما اطلع على تحاليل الفتاة كذلك إصابة قدمها ليزفر بضيق وأجاب سؤالها الذي تساءلت عنه بالخارج
- بنت حضرتك هتفضل تحت الملاحظة لمدة ٢٤ ساعة وبعد ما تفوق هنقدر نطمن أكتر أنها كويسة.
لم يفيدها لي شيء هكذا أخبرت نفسها فهو لم يشرح لها سبب سؤاله السابق وفي نفس الوقت يماطل في إخبارها عن حقيقة حالة ابنتها لتستأذن منه قبل أن تغادر دون كلمة إضافية مقررة عرض كافة فحوصاتها على طبيب متخصص ربما يفيدها أكثر من ذاك المتحازق من وجهة نظرها.
أما هو فتابع مغادرتها بسخرية طفيفة قبل أن يكمل عمله مقررًا الانتظار حتى يعرف قصة الفتاة كاملة.
...............
بعض اللحظات منقوصة الفرحة..
متخاذلة الأماني..
ومكتئبة البٌنيان..
وفي حالتها ليست متخاذلة قط بل ستنفجر من كثرة الضغط فبعدما نزلت صديقتها منشور على حسابها لم تستطع التواصل معها والغريب أن الجميع من ذويها يتصل بها بعدما عجزوا عن الوصول إليها لتجلس أرضًا جوار الباب تبكي حظ صديقتها العثر فبعد مشاجرتهم الأخيرة شعرت بأن الأخرى تبتعد دون أن تُبدي رد فعل عن ذلك بل انشغلت هي في تجهيزات الزفاف دون أن تلاحظ غيابها عن المنزل منذ أكثر من يومين..
استمعت إلى صوت طرقات على الباب تلاه صوت خطيبها يوسف يخبرها بقلق
- تويا إنتِ جوا.
قررت عدم رؤيته فليغادر وتبكي هي مصابها وحدها لتستمع له يكمل بهدوء
- أنا متأكد انك جوا علشان كدا افتحي الباب.
لحظات وبعدها فتحت الباب لتجده أمامها بهيئة ربما تراها للمرة الأولى وقبل أن يتفوه بأي شيء ارتمت بين أحضانه تبحث عن أمان افتقدته على مدار الساعات الماضية، ليحتويها بقلق من حالتها تلك قبل أي يغلق الباب ويظلا هكذا فترة من الزمن.. هي تبكي وتتشبث بقميصه أكثر وهو يربت على ظهرها بحنان حتى هدأت قليلًا ليصطحبها إلى الداخل دون أن يحررها من وضعيتها تلك مؤكدًا بأن الظروف لو كانت مختلفة فلن تفعلها قط، ليستمع إليها تخبره بتعب
- انا خايفة على رؤى أوي يا يوسف.
- متقلقيش هتكون كويسة.
قالها مطمئنًا لتكمل بنبرة على وشك البكاء
- رؤى غالية عندي ومش هستحمل إني أفقدها بس منشورها حسيته شبه الطعنة اللي جت من أعز حد ليا.. الفترة اللي فاتت أهملتها بس والله ما كان قصدي.
اختتمت كلماتها وارتفعت شهقاتها مجددًا ليشدد الآخر من احتضانها وهو يخبرها بهدوء
- الفترة اللي فاتت كانت صعبة على الكل وخليكي فاكرة إن مهما يحصل رؤى هترجع.
- المرة دي لأ.
قالتها بتأكيد ليندهش من سؤالها متجاوزًا عن الاستفسار عنه، استمع إلى نغمة هاتفه تصدح ليجدها شقيقة خطيبته تهاتفه، يبدو بأنها قلقت عليها هي الأخرى ليفتح الخط واستمع إلى صوتها يتساءل بهدوء
- آية معاك يا يوسف.
- اه.
رد مقتضب منه لتتفهم بأنه ربما لا يرغب في فتح حوار جانبي الآن تحديدًا لتخبره بنبرة حذرة
- طيب ممكن تجيبها وتيجي البيت عند ماما.
- مش....
وقاطعته وهي تقول بإصرار هذه المرة
- مش وقت اعتراض يا يوسف اسمع اللي بقوله..
واختتمت كلماتها بقولها الهاديء قبل أن تُنهي المكالمة
- هستناك.
وأغلقت الهاتف بعدها دون كلمة إضافية لينظر يوسف إلى خطيبته قليلًا وأخبرها بما حدث لتقول له بتعب
- مش عايزة أقابل حد في الوقت الحالي.
- أختك مصرة وشكل فيه حاجة.
قالها بهدوء مبررًا لتومأ بعدم اقتناع قبل أن تتجه إلى غرفتها تُبدل ثيابها واتجه هو إلى المطبخ يجهز لها شيء لتتناوله..
وبعد نصف ساعة بين مناهدة تناول الطعام من عدمه وافقت واتجه كلاهما إلى الخارج بعدها دون كلمة إضافية..
بمجرد وصولها للمنزل طرقت عدة مرات في نفس الوقت الذي دق فيه يوسف الجرس ليفتح لها ابن شقيقتها وهو يخبرها بغضب
- ماما زعلت كيمو يا تويا.
اختتم كلماته وألقى نفسه بين ذراعيها لتحتضنه بقوة قبل أن تحمله وتتجه به إلى الداخل لتجد والدتها وجدتها يجلسون وملامحهم كما المعتاد إلا الصغير الذي يبكي دون سبب واضح، عقدت حاجبيها باستفسار لتمد لها شقيقتها بورقة وردية اللون، نظرت لها باندهاش وأخبرتها بهدوء
- الورقة دي كانت في شنطة كيمو من رؤى.
قالتها بإقرار لتنظر لها الأخرى باندهاش ونظرت إلى كريم قبل أن تأخذه للداخل دون إضافة كلمة أخرى وبمجرد أن أغلقت الباب حتى أخبرته بهدوء وهي تجلس على طرف الفراش وهو جوارها
- كيمو حبيب خالتو هيقول لي ايه اللي مزعله.
وصمتت تزيل دموعه وهي تخبره بهدوء
- صح!
أومأ لها بإيجاب قبل أن يعتدل في جلسته وهو يخبرها بضيق
- علشان ماما فتحت الورقة دي.
قالها وأشار إلى الورقة التي بين أصابعها لتنظر له بعدم فهم وتساءلت بامتعاض
- وفيها ايه يعني يا كيمو!
صمت قليلًا وأخبرها ببراءة
- علشان وعدت رؤرؤ إني مش هعطي لك الورقة دي غير يوم عيد ميلادك وماما بتصرفها خلتني أخلف وعدي معاها.
جذبها حديثه لتعقد حاجبيها بهدوء وهي تخبره باستفسار حذر
- وإنت شوفت رؤرؤ فين يا كيمو!
فكر قليلًا وقص عليها كل ما حدث بداية من زيارتها له في الحضانة وقضائها لبعض الوقت معه وبعدها أعطته الخطاب يعطيه إلى خالته في يوم مولدها وهو بالفعل قد وعدها بذلك وخبأه جيدًا قبل أن تعثر عليه والدته اليوم لتتفهم ما حدث فحينما يتعلق الأمر بأي شيء يخص رؤى يتحول إلى آخر يعتمد عليه على ما يبدو.
- خلاص متزعلش نفسك وانا لما اشوف رؤى هقول لها اللي حصل ومش هتزعل منك متقلقش.
قالتها لتتحول ملامحه إلى أخرى اكثر سعادة قبل أن يُقبل خالته بمرح ويغادر الغرفة تاركًا إياها بمفردها مع الخطاب وكأنه مجهول قادم من المستقبل، فتحت الورقة بوجل وبدأت تقرأ السطور بشوق علها تجد ما ترغب في سماعه ويهدأ قلبها..

نوفيلا "رُهاب"-"أسماء رمضان" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن