"اما بعد ، لن أحب أحد بعدك
اما قبل ، فأنا اساسا لم أعرف الحب إلا بك"
محمود درويشترفع العنقاء رأسها من رحم الألم و لا تحارب إلا عندما يهجم على صغيرها هبت واقفة و هتفت بصوت تحاول عدم رفعه رغم بحته الغاضبة
"قطع لسانك فاهم يعنى ايه قطع لسانك ....ده راجل و سيد الرجاله ....بيتدلع عليا ....يتدلع براحته ....معندهوش ام غيرى يتدلع عليها ..يتدلع و يطلب و يتمنى ....ده دخل البيت على نقالة محدش كان عايزة ، العتمانى نفسه كان بيقول ياريته مات .....خدته انا ....اكلت و شربت و حميت و نيمت و سهرت جنبه فى عياه .....لما جه مكنش بينطق ....ميعرفش فى الدنيا غير الآهة سنة ، سنة خلصت كل كلام الدنيا لغاية لما نطق ، كان بيخاف يحط رجله على الأرض بقى بينط من مكان لمكان .... عمل فيها كبير و الناس بقوا بيقولوه ابن السودا فبعدت عنه خوفت يبقى بيتعير بام رقاصة و ام سودا فقولت كفاية عليه واحدة بس و الله عمره ما غاب عن عينى ،عشان ما يقولش المجنونة بالعيل لو عرفت عنه حاجة اتحجج انى عرفتها من حد ، الى دخله التجارة مع حسن الى كان بيقرط على المعلومة و مستحيل يعلم حد أنا .....انا الى فضلت اترجاه و استسمحه ياخده معاه ....العتمانى كان عايزة ياخد دبلوم و يقعد جنبه مرضتش و خدت ورقة و قدمتله فى احسن مدرسة و دخلته امتحان فصل المتفوقين عشان يبقى معاه عيال ياخدوه لفوق ، حاربتهم كلهم عشان يدخل الجامعة الى بيحبها ، حاربته هو نفسه عشان يروح و بقيت كأنى بدادى عيل صغير عشان يروح حضانه مش راجل ، كل يوم خناقة عشان يروح ، كل يوم تزقه زق عشان ينزل لما الجيران قالولى راح راح مرحش مرحش انتى مش امه ليلوف على غيرك قولتلهم يلوف خلوه يلوف لو هيرضى يروح و يكمل ، يا اخى ده لما صباح رجعت اقسم بالله كوابيسه كانت بتخليه يغرق الملاية و السرير كأنه عيل صغير و قالى سبينى ، انا مش عايزك غصبا عنه كنت جنبه و غصب عنه كنت بلف على الدكاترة عشان نعرفله حل و غصب عنه ياخد الدوا و تيجى انت ....انت بعد ما بقى ما شاء الله الدكتور طارق العتمانى تقولى مش راجل ....ده لا انت راجل و لا ابوك "
كانت قد فقدت اعصابها نهائيا فدفعته بيدها و شرعت بضربه بغل و هى تصرخ حتى تدخل ادهم محاولا تخليص عمه من مخالب أمه ، التى اصابتها هستريا و فقدت أعصابها تماما
"فى ايه ....فى ايه "
حاول أدهم إبعادها بينما تدفع الرجل بيدها و الآخر جامد لا يتزحزح كأنما أصبح كأحد مسلات بلدته منقوش على جسده أوشام عبرت من سجن لأخر و من زنزانة لأخرى و القضبان علت شاهقة حول روحه تقيدها ، روح حاولت كثيرا حتى استنزفت و بات لا يمكن تميزها الإ بكونها كتلة من دخان اسود وسط الهواء.
"عايز طارق يطلقنى ....بيقوله يطلقنى يا ادهم ....بيقول عليا قصيرة و اوحش منه ما استهلوش "
قالتها بصوت بدا كنواح قالتها و هى تحرك يدها تشير إلى نفسها و إليه .
"يرمينى أنا يا ادهم بعد العمر ده ، يرمينى هنا و يبعدنى عنه و عنكو .....يرخصنى "
لم تكمل لأن سليم نطق أخيرا بوجه قاس متجمد
"بت لو قليتى ادبك تانى او قلتى الكلام الى بتقوليه ده هاجلدك أنتى فاهمة "
"ايه ايه تجلد مين "
كان هذا ياسين الذى سمع صوت أمه تصرخ من الأسفل ، سمع ما قالت بالكامل فقد كانت تصرخ و الباب مفتوح نسى ادهم إغلاقه منذ غادروا فقفز درجات السلم العديدة بخطوتين ،ثم خبأها من هذا الذى ايقن أنه ليس إلا معتوها أخر من معاتيه عائلة عارف المصرى !
واجه سليم ياسين ، لم يصل الفتى لطوله بعد و لكنهما متقاربان ، ياسين بزرقاء غاضبة يقابل زرقاء متحدية و الغاضبة تزداد غضبا و المتحدية تلين كلما أصبر صورته واضحة أكثر فى أعين من أمامه حتى نطق أخيرا
"انا زى ابوها لما تغلط انا هربيها "
فهتفت الزرقاء الغاضبة
"ابوها مات الوحيد الى ممكن يقول كده جدى حمدى عمها و حماها ، انما حضرتك مالكش حق حتى تكلمها مش تحاسبها "
كان سيجيبهم بأنها كانت واقفة قبل الفجر مع حسن فى الظلام و انهم لو كانوا رجال لما تركوها تخرج من البيت و لكنه شعر أنه إذا استمر على هذا النحو سيخسرهم ففضل الصمت و ادهم يمد يده مبتسما بطريقة مستفزة ، يمسك بكف امه بيد يقربها و يمسح دمعتها بالأخرى ثم اداراها ليقف خلفها مباشرة و اراح ذراعه فوق رأسها موجها كلماته لسليم
"انا أعتذر ، هذه الكلمات رأيك أنت و أنا احترم اختلاف الاذواق ، انت تظن أنها ليست جميلة كفاية لتناسب أخيك و هذا رأيك و لا اظن أن أبى يوافقك على هذا الرأى لذا يمكنك أن تعود لتتحدث معه مرة أخرى بشأن هذا الأمر فإذا شعر أبى أنها ليست مناسبة له و لا تليق كزوجة به فهو حر تمام الحرية بإتخاذ القرار الذى يريحه و نحن لن نعارض "
قبل ان تستدير زينب لترد عليه تكلم ياسين
"انت اتجنت ....لا مش هتطلق ....انت عايز بابا و ماما يطلقوا .....انت عايز تهد بيتنا ....انت فاكرها سهلة و لا حد هيقعدلك منهم ....هم الأتنين صغيرين ......هيتجوزوا و يخلفوا ولاد تانين و يعيشوا حياتهم من غيرنا "
أين ذهب بعقله ، أين اتجه بفكره ؟
الخوف جعل حدقتى الصغير ترتعش فجذبته زينب إليها ، فتحت ذراعها تدعوه ليضمها و لم يتأخر لحظة عنها ، احنى جسده بداخلها يختبئ فيها ، وجهه مغطى بكتفها فشددت من حضنه ثم تكلمت بأذنه
"ابوك لو سمعك هيموتك ....انت جيبت الكلام ده منين ، مفيش كده "
امسك به ادهم من قميصه من الخلف يجره بعيدا عن أمه و هو يغمز بنفس الإبتسامة
"اى حاجة ....بتعمل فيلم عشان تحضن و خلاص "
رفع ياسين حاجبيه مغيظا و قد ألتقط ما يفعل ادهم بسليم من تجاهل مقصود ، لعبة عقلية بحتة يلعبها ، بدأها بكرى طارق و ألتقطها من بعده ....يتجاهل الرجل و كلماته ليشعر و كأنه هواء لا يرى ، قد تمر من خلاله دون ان يرتبك تكوينه قيد أنملة
"مش محتاج أفلام قوليله مين كان نايم فى حضنك أمبارح و فضلتوا تتكلموا طول الليل "
دارت بعينيها بينهم و لم تفهم ما يحدث حتى أنها نظرت لسليم فوجدته يحمل نفس الدهشة ولكنه كان مستمتع فقد غلبت عاطفته و عدم رغبته فى الشجار معهم عقله لإدراك أن الفتية يحقروه فعلا فكونه يدعوا والديهم للأنفصال تحملوها منه مرة لأجل ما كان بينهم من شجار كبير ولكن دون مبرر الآن ....قادم ليستنقص من أمهم و يقبحها فى عين والدهم و يرجوا خراب بيتهم ......
لن يسمحوا له ، أجابت زينب بصوت ضعيف
"ياسين نام معايا أمبارح .....راح صلى الضحى و رجع نام تانى "
فتح أدهم عينه على أخرهم و بلحظة كان قد خلع حزامه فطار ياسين من أمامه و قفز فوق الطاولة التى ستنتحر بسببهم يوما ما
"انت كنت نايم معايا انا متاكد "
قالها ادهم و صوت الحزام دوى فى المكان فأرتعبت زينب و تراجعت للخلف بحركة تلقائية فيما اجاب ياسين الضاحك
"ديه المخدة "
ضربه هذه المرة فقفز ياسين من الطاولة إلى الكرسى فأنكسر رجلان من الأربعة بقفزة واحدة فلطمت زينب
"لا ....لا ....العفش ده غالى ...لا ...انزلوا اضربوا بعض تحت مش هنا "
وجه سليم لها نظرة محققة و تحدث بلهجة ساخرة
"جوزك عارف انك بتسيبى شحط ينام معاكى "
أنتقاء سعاد العتمانى للكلمات جملة فى سياقها عادية و ثم عند سماعها وحيدة تجدها حملت من الأوجه ما حملت .
هى أيضا يمكنها أن تجيب إجابة بنفس الإباحية فمدرستهم واحدة و لكنها فضلت الصمت و الأدب .
رن الهاتف فذهبت لتلقطه و انزاح الليل عندما اطل عليها الصباح يضيىءكونها من شاشة هاتف صغيرة .
أنت تقرأ
إرث السمراء ....الجزء الثالث من أنين الروح
Spiritualوطن .....حكاية عائلة درامى .... رومانس