صباح ٨

335 21 5
                                    


يأخذ الطريق عدوا إلى الأعلى ......
لم يسمع إلى سليم ولو سمع ما ألتفت .....
وصل إلى مكتبه ......أغلق الباب بالقفل .....أسند عليه ظهره .......
أطلق زفرة راحة خرجت من أعمق نقط بقلبه .......أغمض عينيه يستعيد ما جرى .....جذبها طارق يبعدها عنه فلم يحدث إلا أن صدمها به .........شعر بجسدها فوق جسده .....لامسته فتأوه .....آهه وجع أطلقتها كل خلية وحيدة فأصبح جسده معزوفة آهات أطلقها ناى حزين تحت شجرة فى ليلة غاب قمرها .

سلسال طويل من الأوجاع و الأحزان
عمره الذى ضاع
وقلبه الذى اهترء
حياته التى وقفت عند نقطة لا تتخطاها
عينه التى أصبح البكاء عادتها كلما أختلى
و دعوته الوحيدة التى تبقى معلقة على لسانه دون أن يقدر عليها

خطوات بسيطة خطاها إلى الداخل رفع ذراعه وأشعل "التسجيل القديم " فوق أحد رفوف المكتبة ليحلق بعدها صوت وردة يملأ حتى الفراغات فى الهواء
آه يا ناعسة و خبريني يا ابوي
اللى غربنا مين واللى توهنا مين
عنيك طول السنين يا عيني عليك طول السنين
حنين .. حنين .. حنين انا دايبة فيك حنين

الحنين ....أوجعه الحنين .....قتله الحنين .....أضاعه الحنين
خلع عباءته و علقها أمامه فتهدلت من علوها .....رآها هى
هى هنا منسوجة بين خطوط عباءته ، ضفرت نفسها فى نسيج قلبه
فأضحت نفسه و نفسه الذى يأخذه وروحه التى تستقر بصدره فى المنتصف تماما
بين كل العالم و بينه
بين الماضى و بينه
بين الحاضر و بينه
بينه و بين كل حياته

أسدل أهدابه بروية و فرد ذراعيه يطوقها
يطوق العباءة التى لامستها فأضحت هى
ضمها إلى صدرها
أعتصرها على جسده
سمع أهاته عالية ....تلك الأهة التى تطلقها مشوبة بضحك فتجعله لايفقد كل عقله جملة واحدة
و غاب معها فى علاقة.
ولدت محرمة
كبرت ممنوعة
شاخت مجرمة
هى كما عرفها كل يوم
هى كما عرفها يوما
هى كما لم يعرفها أبدا
وصرخة جاءت مسافرة من الماضى ....عابرة بوابة الزمن .....متخطية كل الحواجز لتستقر بقلبه
صرخة جعلته يتجمد .....جعلت المرض ينهش عظامه
صرخة حلت لعنة عليه لم يجد منها شفاء .
تراجع ينظر للعباءة التى حملت ذنبه ، العباءة التى لوثها وزره
كان قد توقف عن هذا منذ أعوام طوال ، أن يفعلها واعيا لما يفعل لم يحدث منذ زمان
تضطارده فكرة ، تحتله فى حلم لكنها لم يعد يفعل هذا أبدا
إنتكاسة أخرى .....
الأنتكاسة فى أوائل العشرين تختلف عن تلك فى نهايتها
و فى منتصف الثلاثين مختلفة عن أخرها
و فى الأربعين كانت موجعة
و لم يكن فى أقسى كوابيسه شراسة يظن أنه سيخطى الخمسين و معه أنتكاسته يحملها على ظهره .....
لم يعد يحتمل المزيد من هذا الألم ......لم يعد قادرا عليه
لم يعد قادرا على الأستمرار ....ستضيع عينه كما ضاعت عين والده
و سيموت قلبه كما مات قلب عمه وهو على قيد الحياة
سيفقد عقله كغالية و يأن أنينا متصل كعبدالمجيد (جده لأمه )
مجموع ألمهم حسن .....مخاض لا ينتهى
ميراث من الألم و الذنب والغيرة و الكراهية والحقد و الأنانية
ميراثه هو الألم
شعر بألم فى الصدر جعله يقبض على لحمه و تقدم غصبا ليجلس على مكتبه
مكتبه الشىء الوحيد الذى أحتفظ به من البيت القديم .....بقاياه !

إرث السمراء ....الجزء الثالث من أنين الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن