وبينما هما في ذلك إذ سمعا ضوضاء في حديقة القصر، فاستغرب الإمام ذلك، لكن ركن الدين لم يستغربه، بل كان يتوقعه وقد استبطأه، فأومأ إلى الإمام أن يظل في مكانه، ووثب كالأسد حتَّى أتى الباب فرأى أحد الحراس قد دخل وأقفل الباب وراءه وهو في اضطراب شديد، فقال له ركن الدين «ما بالكم؟»
قال: «التتر يا سيدي، دخلوا الحديقة وهم يطلبون القبض على مولانا الأمير، وقد غضبوا لأنه لم يأتهم من تلقاء نفسه.»
قال: «اذهب وقل لهم إني خارج لهم بنفسي.»
قال: «ولكنهم يطلبون الإمام وإلا فإنهم يأخذوننا عنوة ويقتلوننا مع الإمام.»
وسمع الإمام حديثهما فهرول وتوسل إلى ركن الدين ألا يعارض التتر فيما يريدون، وأنه يُؤْثر الذهاب معهم إلى الفسطاط.
فأشار ركن الدين إليه قائلًا «كن مطمئنًا يا مولاي، لا يستطيع هؤلاء القوم أن يمسوا ظفرًا من أظفارك قبل أن يستباح دمي.»
قال: «وما الفائدة من إباحة دمك إذا فاز أولئك التتر علينا، وهم فائزون لأنهم أكثر عددًا وأقوى عدة.»
قال: «لا تخف، إنهم غير فائزين بإذن الله.» قال ذلك وصعد إلى كوة الباب وأطل منها على الحديقة فرآها مزدحمة بالناس؛ بينهم حملة المشاعل للإنارة، وحملة العصي والنبال والسيوف، وقد علا ضجيجهم وتعالت غوغاؤهم، وفي مقدمتهم رجل يظهر من هندامه أنه كبيرهم وبجانبه سحبان، فلما رأى سحبان معه تحقق عنده ما ظنه فيه منذ خرج من القصر على تلك الصورة. فناداه: «سحبان.» فرفع سحبان بصره إلى ركن الدين وقال: «لا بد من تسليم الأمير أحمد لأن خبره وصل إلى الخاقان هولاكو، ولم يعد بالإمكان إخفاؤه.» قال: «إني لا أرى تسليمه.» قال: «لكن الخاقان أمر بالقبض عليه، وإلا فإن الجند يهاجمون القصر ويأخذونه عنوة.»
قال: «إنهم لا يفعلون ذلك، ولم يخطر لهم أن يفعلوا لولا وشايتك، فارجع بهم، وذلك خير لك وأبقى.»
قال: «لماذا تعترض وتعرض نفسك لهذا الأمر أيها الأمير وأنت في غنًى عنه؟»
قال: «وأنت أيضًا في غنًى عن هذه الدسائس.»
قال: «فاتني أن أخبرك أن شوكار عندي، وأنت إنما جئت هذا البلد من أجلها، فإذا شئت فإني أدفعها إليك ودع هذا القصر.»
فلما سمع قوله أحس بانقباض لأن سحبان يهدده بشوكار، كأنه يقول له أنه إذا لم يطعه، آذاه فيها، فوقع في حيرة فقال: «وما تعني بذلك؟ وما دخل شوكار فيما نحن فيه؟»
قال: «لا أعلم، والآن افتح هذا القصر وإلا دخله الجند بالقوة، وأنت تعلم عقبى ذلك، ولا تنسَ أمر شوكار.»
وكان الإمام أحمد واقفًا بجانب ركن الدين يحثه على الاستسلام، ولا سيما بعد أن سمع هذا التهديد فيه وفي شوكار، فأخذ يحرضه ويلح فأبى ركن الدين. ولما أبطأ ركن الدين في الخضوع وفي فتح باب القصر، قال له سحبان: «لا تقل إن صديقك سحبان غدر بك، فإني نصحتك مرارًا وأعيد النصح الآن أن تسلم، وإلا فأنت ومن في القصر في قبضة الجند، ولن ترى شوكار أبدًا.»
أنت تقرأ
شجرة الدر | ج.ز
Historical Fictionتدخل رواية «شجرة الدر» ضمن سلسلة روايات تاريخ الإسلام. وتتناول قصة أوّل امرأةٍ ملكة تتولى الحكم في التّاريخ الإسلامي، حيث قدّرت لها الأقدار أن تتوج ملكة على مصر بعد مقتل الملك «طوران شاه» آخر سلاطين الدولة الأيوبية. وقد تزامن توليها للحكم مع أحداث...