| الإمام أحمد بن الظّاهر |

4 0 0
                                    

فتح الباب وأطل الإمام أحمد وقد لبس بعض ثياب الخروج، ولم يبقَ إلا الجبة السوداء شعار العباسيين وقد تناولها ليلبسها، فتقدم سحبان وساعده في لبسها وهو يقول: «أقدِّم لمولاي الأميرَ ركن الدين بيبرس البندقداري الذي ذكرت لك أسمه الساعة، إنه جاء من مصر، وكان الخليفة قد أراد أن يعهد إليه في قيادة الجند، ثم جرى الاتفاق والصلح بالشكل الذي ذكرته الآن، وقد جاء ضيفًا على مولاي.»

فابتسم الإمام أحمد وقال: «مرحبًا بالأمير الباسل، تنزل علينا على الرحب والسعة.» وأشار إليه أن يدخل ثم قال: «تمكث هنا ريثما أعود من مقابلة هولاكو بعد قليل.»

فلم يتمالك ركن الدين أن قال: «لا ينبغي لمولاي أن يخرج من هذا القصر الليلة.»

قال: «ولكن أمير المؤمنين بعث إليَّ أن أذهب قيامًا بالاتفاق الذي عُقد بينه وبين هولاكو، وأخاف أن يترتب على تخلفي ضرر، وقد استشرت سحبان فأشار عليَّ بالذهاب.»

قال: «أظنه غيَّر رأيه الآن، اسأله.»

فالتفت الإمام أحمد إلى سحبان فرآه أسرع إلى التنصل من تلك المشورة وقال: «غيرَّت رأيي لأن الأمير ركن الدين نبهني إلى أمر فاتني، والأفضل أن يبقى مولانا الليلة هنا، وسنرى ما يكون في الغد.»

قال: «وبماذا أجيب الرسول؟»

قال ركن الدين: «قل إنك ستنظر في الأمر.»

وشق على سحبان حبوط مسعاه، فتكم ما في نفسه وأظهر أنه مضطر للذهاب في تلك الساعة، فأذن له وانصرف. فارتاب ركن الدين في نية سحبان، وأعمل فكرته فيما قد يكون غرضه، وعزم أن يصطنع الدهاء والحيلة للوصول إلى هدفه الذي جعله نصب عينيه منذ نشأت مطامعه السياسية؛ نعني الوصول إلى السلطنة، وهي تستلزم وجود خليفة عباسي يثبته، وقد كاد أن يوقن أنه ظافر بها بعد ما سمعه من حديث سلافة، فحالما خرج سحبان نظر ركن الدين إلى الإمام أحمد وقال: «هل يعرف مولاي هذا الشيعي من عهد بعيد؟» قال: «نعم.» قال: «وهل هو على ثقة من إخلاصه؟» قال: «لم يظهر لي منه ما يوجب شكًّا.» قال: «وهل تظن الشيعة يُخلصون للخلفاء العباسيين؟»

فأطرق الإمام لحظة وقال: «لا أدري.» قال: «يأذن لي مولاي أن أصارحه القول، ونحن الآن على باب مستقبل جديد وانقلاب عظيم.»

فاستغرب الإمام أحمد هذا التعبير وقال: «وأي انقلاب تعني؟! كنا نخاف الانقلاب قبل عقد الصلح بين الخليفة وهولاكو، وأما الآن فلا تلبث الأمور أن تعود إلى مجاريها.»

فابتسم ركن الدين ابتسامة تهكم واستخفاف وقال: «إن الذي بلغ مولاي ليس سوى خداع، وإذا كان المبلغ سحبان نفسه فإنه يكون قد تعمد الكذب؛ لأنه يعلم أن حقيقة هذا الاتفاق تخالف ظاهره. إن الحقيقة في ذلك تقشعر منه الأبدان وتشمئز منها النفوس، أعذو بالله منها وأدعو الله أن ينجي الإمام أحمد من عواقبها.»

شجرة الدر | ج.زحيث تعيش القصص. اكتشف الآن