| نهاية الدولة العباسية |

3 0 0
                                    

دخل ركن الدين فوجد الوزير يذرع غرفته ذهابًا وإيابًا وقد قطَّب حاجبيه وأخذ منه التأثرُ مأخذًا عظيمًا، وسحبان قاعد ينتظر التفاتَهُ إليه. فلما دخل ركن الدين أومأ إليه مؤيد الدين أن يقعد فقعد، ثم وقف أمامه وقال: «أيها الأمير، قد قُضي الأمر.»

فتصدى سحبان للكلام قائلًا: «وكيف قُضي؟»

فالتفت إليه وقال: «قضي كما تريد أنت لا كما أريد أنا ولا كما يريد الأمير ركن الدين.»

فقال ركن الدين: «أفصح يا مولاي.»

قال: «لم أقدر أن أقنع هولاكو باستبقاء الخلافة العباسية؛ إنه مصمم على إبادتها.»

فصاح ركن الدين: «إبادتها! تريد أن يقتل كل بني العباس؟»

قال: «هكذا ظهر لي من مغزى كلامه، وإن لم يصرح بذلك.»

والتفت إلى سحبان فرآه يضحك فانتهره قائلًا: «أنت تضحك لأنك لا تنظر إلى العواقب، إذا محيت الدولة العباسية ذهب الإسلام من هذه الديار.»

فقال سحبان: «ولماذا؟ نحن نعيد الخلافة الفاطمية.»

فصاح فيه: «إنك رجل أوهام وأباطيل، إذا كنت ترجو إرجاع الدولة الفاطمية فإنك ترجو المحال وتطلب إقامة الأموات.» والتفت إلى ركن الدين فرآه ينظر إليه ويراعي حركاته ويوافق على كل حركة منها بملامحه وعينيه. فلما التفت إليه نظر هذا إلى سحبان وقال: «قد أصاب الوزير بقوله، إنه رجل عاقل مدبر، وكم سمعتك تذكر أمر الفاطميين، هل سمعت مني موافقة على ذلك؟»

قال: «كنتَ إذا ذكرتُهم سكتَّ.»

قال: «وسكوتي يكفي؟ وإذا كان هذا الطاغية ينوي حقيقةً إبادةَ العباسيين كافة فإنه يُحدث كسرًا في الإسلام يعسر جبره.» ووجه كلامه إلى الوزير وقال: «لكنك قلتَ للخليفة إن هولاكو ينوي استبقاءه.»

قال: «هذا ما قاله لي هولاكو، لكنني لا أصدقه وقد فهمت من خلال كلامه وقرأت في عينيه ما ذكرتُه الآن، ويؤيد ذلك أنه أعطاني رايات عليها علامته، وأوصاني أن أنصبها على أبواب المنازل التي أريد حمايتها من الأذى، أو على الطرق المؤدية إلى منازل الشيعة؛ فإذا رآها رجاله عرفوها وكَفُّوا عن الأذى، ألا يدل هذا على عزمه الذي ذكرته لكم؟ وعلى كل حال لا بأس من الاحتياط للمخاطر.» قال ذلك وتحول إلى ناحية من الغرفة أخرج منها راية صفراء عليها صورة خنجر أحمر ودفعها إلى ركن الدين وقال: «خذ هذه لعلك تحتاج إليها.» ودفع رايات أخرى إلى سحبان وقال له: «خذ هذه الرايات اغرسها في مداخل أحياء قومنا في الكرخ والكاظمية، افعل ذلك بلباقة لئلا يشعر بك أحد.»

فتناول ركن الدين رايته وخبأها تحت ثيابه، وقد شق عليه الالتجاء إلى هذه الخرقة للنجاة من السيف وهو قائد باسل تعود دفع الأذى عن نفسه وقومه بالسيف البتار. لكنه كان داهية يلبس لكل حال لبوسها.

شجرة الدر | ج.زحيث تعيش القصص. اكتشف الآن