وبينما هما في ذلك، إذ سمعا قرع الباب. وكان الباب بعيدًا عن غرفة الوزير، ولم يكن يهتم لسماع قرعه من قبل، أما الآن فإنه لشدة قلقه أصبح لا تفوته حركة مما يحدث في البيت، فتطلع نحو الباب، وإذا بغلامِ سحبان قد دخل وفي وجهه تغير، فقال له سحبان: «من أين أتيت يا غلام؟»
قال: «أتيت من المنزل يا سيدي.» قال: «ولماذا؟» قال: «لأن قادمًا غريبًا جاء يطلبك وألح على أن أوصله إليك حالًا، فجئت به لعلمي أنك في دار الوزير.» قال: «من هو هذا القادم؟ وأين هو؟» قال: «لم يشأ أن يخبرني عن اسمه، لكنه جاء معي وهو واقف في انتظار الإذن له.»
فالتفت سحبان إلى الوزير كأنه يستأذنه في إدخال ذلك الضيف، فقال الوزير: «أدخله.»
فعاد الغلام ومعه رجل حسن البزة عليه لباس السفر، وحالمَا وقع نظر سحبان عليه صاح: «الأمير ركن الدين؟! الأمير ركن الدين؟!» ونهض لملاقاته والترحيب به.»
ونهض مؤيد الدين وهو يقول: «مرحبًا بالأمير ركن الدين.» فمشى ركن الدين حتَّى دنا من الوزير فحياه وحيَّا سحبان، وجلس على كرسي قدموه له، وأخذ الوزير يرحب به قائلًا: «طالما سمعنا بالأمير ركن الدين بيبرس وأعماله في مصر، وكنت في شوق إلى رؤيته فمنَّ الله عليَّ بذلك.»
فقال ركن الدين: «ليس في ركن الدين ما يدعو إلى الإعجاب لأني لم أعمل عملًا، ولكن الإعجاب يجدر بالوزير مؤيد الدين بن العلقمي القابض على أزمَّة الدولة العباسية يدير شئونها.»
وتصدى سحبان للكلام قائلًا: «إن الأمير ركن الدين بطل عظيم.» ووجَّه كلامه إلى الوزير وقال: «ألم أقل ذلك عن بسالة هذا البطل وما بشأنها عند سفره من مصر.» فقال له: «هل تأذن أن نتكلم عن المهمة أتاه من المدهشات في محاربة الإفرنج وتخليص مصر من أيديهم؟ فعساه أن يساعدنا في تخليص بغداد من غير الإفرنج …» وضحك.
فلم يعجب مؤيد الدين تسرعه لكنه تغافل، وتغافل أيضًا ركن الدين لأنه مثل مؤيد الدين تكتمًا وحذرًا، فخجل سحبان من نفسه وأراد أن يغطي خجله فأثار موضوعًا جديدًا، فقال لركن الدين: «متَى وصلت إلى بغداد أيها الأمير؟ وكيف عرفت داري؟»
قال: «وصلت في هذا الصباح، وأما منزلك فقد عرفت منك في مصر أنه بالكاظمية. وأنا أعرف بغداد، فصرفت من كان معي وأحببت أن أدخل البلد متنكرًا، فوصلت إلى الكاظمية وسألت عنك فقيل لي إنك عند مولانا الوزير، فجئت لأراك وأراه لأني أعرفه بالسماع، فطلبت إلى خادمك أن يأخذني إليك وقد فعل.»
فقال الوزير: «لقد جئت أهلًا ووطئت سهلًا.»
وتذكر سحبان تعلق ركن الدين بشوكار وقلقه عليها وحديثه معه بشأنها عند سفره من مصر، فقال له: «هل تأذن أن تتكلم عن المهمة التي أنفذتني إليها من مصر؟ إن لمولانا الوزير اطلاعًا على شيء منها، وهو محب لك غيور على شئونك.»
أنت تقرأ
شجرة الدر | ج.ز
Historische fictieتدخل رواية «شجرة الدر» ضمن سلسلة روايات تاريخ الإسلام. وتتناول قصة أوّل امرأةٍ ملكة تتولى الحكم في التّاريخ الإسلامي، حيث قدّرت لها الأقدار أن تتوج ملكة على مصر بعد مقتل الملك «طوران شاه» آخر سلاطين الدولة الأيوبية. وقد تزامن توليها للحكم مع أحداث...