[٢]

188 3 0
                                    

"غرفة الأشباح"

كان الجد في غرفة المعيشة عندما اقتحم "أنس" الباب وركض نحوه، ثمّ جلس بجواره وبين يديه الكتاب، أنفاسه المتسارعة والتي كان يلتقطها من فمه تسببت في جفاف حلقه ولسانه، صاح بفزع:
- الجن..تلك الغرفة مسكونة لا ريب...الأرواح...الأشباح.
- اهدأ يا "أنس".
- الكتب تطير...و.. و.. الأوراق تتحرك بسرعة..هناك صوت يصدر من بين الكتب.
حدجه الجد بنظرة ثاقبة وقال بجدية:
- هل رأيت الرمز؟
انقطعت أنفاس "أنس" فجأة، لم يتوقع هذا السؤال! ازدرد ريقه وقال بخفوت:
- أيّ رمز!
أمسك الجد بعلبة السكر التي أحضرتها "صفيّة" قبل دخول "أنس" بلحظات مع كوب آخر من الشاي الساخن وسكبها على سطح الطاولة ثم حرك إصبعه ورسم الرمز الذي رآه "أنس" في الكابوس وعلى ظهر الكتاب، كان الرمز يشبه حرف "تي" باللغة الإنجليزية ..

_
T

وفوقه خط أفقي يوازي قمّة الحرف، حملق في وجه جدّه ثم سأله:
- أخبرني يا جدّي أرجوك، ماذا يعني هذا الرمز؟
- الرقم ثلاثة باللغة النوبية .. تويكو toycko .. لقد اختارك الكتاب يا"أنس".
- ماذا؟

وقف الجد واتجه إلى رفوف خشبية معلّقة على جدار الغرفة وسحب الكتاب الذي كان بالغرفة عندما وصلا من محطة القطار، ووجده كلاهما ملقى على الأرض، أمسكه الجد أمام صدره وقال بجدية:
- لقد اختارني من قبل كتاب "أبادول" ومعناها الجدّ كما أخبرتك، وكان رمزي الرقم واحد ويرا wera .. أما والدك فاختاره كتاب "أمباب تود" ومعناه ابن أبيه وكان رمزه الرقم اثنان.. أويووو oywwo ..كلا الكتابين يحكي قصة، صراع بين الخير والشر، النهار والليل، الأبيض والأسود، وكان لا بدّ من التدخل!
- لا أُصدّق، هذا هراء، الكتاب جماد! لا بدّ أن هناك أرواح تعبث به أو جنّ يسكنه!
أمسك الجدّ بذراع حفيده وسحبه، سارا معا تجاه غرفة "أنس"، قال وهو يسير بخطوات سريعة:
- تلك الكتب حيّة يا ولدي، إنّها تتنفس، تعيش، وتشعر بنا.
هزّ "أنس" رأسه باستنكار وقال:
- مستحيل!
- ما حدث معك حدث مع أبيك ومعي أيضًا.
- ماذا تعني؟
- لا أدري عن أي شيء سيحكي كتابك، فالكلمات لن تظهر إلّا لك.
- لا أفهم.

فتح الجدّ باب غرفة "أنس" وأمسك حقيبة حفيده الجلدية وأخرج منها الحاسوب النقّال ثم قلبها على الفراش ليفرغ كل ما بها، ثُم قال وهو يتجاهل نظرات "أنس" الذي بدا عليه الضيق لأشيائه المبعثرة:
- بعد أن تبدأ رحلتك ستظهر الكلمات على السطور، صفحة بعد صفحة.
- لماذا أفرغت حقيبتي بتلك الطريقة يا جدّي!
- لن تحتاج لتلك الأشياء، سأزوّدك ببعض الأشياء الأهمّ، لا بد أن تستعد، ولتحمد الله أن هناك من يدلك فقد كنت أمضي في رحلتي قبلك لأوّل مرّة وحيدًا بلا دليل..هيا تعال معي.
- إلى أين؟
- غرفتي..هيّا بسرعة الوقت ضيّق.
- مازلت لا أفهم.

     دلف الجد لغرفته وفتح خزانته وأخرج صندوقًا خشبيًا بديع الشكل عليه نقوش أزهار عجيبة وبارزة مطعّمة باللون الذهبي، له قفل نحاسي لامع وبراق ثُمّ قال:
- يبدأ الأمر عندما يختارك الكتاب، لتدافع عنه، ربّما عن تاريخ، وربّما عن قيمة عظمى، سطرها أحد أُمراء النوبة المعروفين قديمًا وهو الأمير "أواوا" على أوراق البردي من خلال قصص ألّفها بنفسه، كان شابًا نبيلًا، وأميرًا طيّب الخلق أحبّه الشعب، لكنّ الملك لم يُحبه.

إيكادولي ل د.حنان لاشينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن