[٣]

137 5 0
                                    

"الرمادي"

كان "أنس" مستلقيًا على أرض الغرفة عندما انفتحت النافذة فجأة، أضاءت السماء بنور قوي ناصع، حملق في تلك البقعة السوداء التي تظهر وسط الضوء أمامه، كانت البقعة تكبر وتزداد اتساعًا، وتزيد، وتزيد، ظهر طائرٌ يبسط جناحيه على الجانبين ويخفق بهما، رأى ظلّه يتعملق أمامه حتى اندفع فجأة من النافذة ثم ظلّ يحلّق في سقف الغرفة المرتفع في دائرة فوق رأس "أنس" الذي زحف بصعوبة تجاه باب الغرفة يحاول فتحه لكنه فشل.
كان الصقر ذا ظهر أزرق ضارب إلى الرمادي الأردوازي، والجسد أسود يخرج منه جناحان مبرقشان، وذيل طويل ضيق مستدير عند نهايته، ذو طرف أسود وعلامة بيضاء على أقصاه. ويظهر أعلى رأسه على الجانبين لون أزرق بديع، ويمتد على الوجنتين كخط كما الشارب يتباين بشكل حاد مع جانبيّ العنق الباهتين. بدا الصقر متينًا مهيب الطلعة.

هبط الصقر فجأة وانزوى في ركن الغرف وطأطأ رأسه ثم ضمّ جناحيه وألصقهما بجسده، حدّق في "أنس" بعينيه المخيفتين، ثم غطّس رأسه في جسده. مرّت لحظات طويلة على "أنس" استيقظت فيها كلّ حواسه، كان يرهف السمع بشدة لعلّه يسمع أيّ صوت يؤنسه، بالتحديد كان يتمنى أن يناديه أبوه أو جدّه من خلف الباب، حاول أن يفتحه مرة أخرى لكنه فشل،
كان صلبًا كالصخر الأصمّ وكأنه جزء من الجدار. سار ببطء محاولًا الاقتراب من النافذة، غمغم الصقر وكأنّه يحاول أن يمنعه من الاقتراب منها فتسمّرت ساقا أنس والتصقتا بالأرض، ثم رمى الصقر بطرفٍ خفي وهمس محدّثًا نفسه:
- ظننتك أكبر حجمًا أيها "ا..ل..ر..م..ا..د..ي" كصقور الأساطير العملاقة.
حرك قدمه ببطء شديد ليخطو خطوة أخرى فتحرك الصقر موازيًا لخطواته فتوقف "أنس" مرة أخرى وقال بسخرية:
- تترصّدني إذًا أيّها الصغير!
- لست صغيرًا يا صديقي.... أنا شيخ كبير!

شعر "أنس" وكأن ألف إبرة رشقت جسده، تكورت جذوع الشعر على جلده فاستحال جلد إوزة، الصقر يتكلم! ابتلع ريقه بصعوبة وكأن كتلة من الأشواك تحتل حلقه، بسمل وحوقل وبدأ يقرأ آية الكرسي لعلّه يختفي من أمامه، أغمض عينيه لعلّه يستيقظ من ذاك الكابوس.. لكنه لم يكن حلمًا أبدًا! لم يتمكن من تحريك جسده مرة أخرى، باغته الصقر وهبّ فجأة محلّقًا بضربة جناح واحدة ووقف على كتفه الأيسر، ثم همس في أُذنه:
- لا تخف منّي يا "أنس".

كانت قطرات العرق تنسال على ظهر "أنس" متتابعة، وكاد يفقد الوعي، لكنه تماسك. كان يخشّب رقبته محدّثًا بطرف عينيه بتربص نحو موضع الصقر وراءه، وكأنّه يخشى انقضاضه عليه فجأة، ظنّ أنه سينقره في رقبته أو أذنه لكنّ الصقر كان هادئًا جدًا وساكنًا. مرت دقيقة وهما على ذاك الحال وكأنهما تمثالان من الشمع. أخيرًا نطق الصقر مرة أخرى وقال بلطف:
- هل هدأت الآن؟ لا أُحبّ أن نبدأ رحلتنا وأنت ترتجف هكذا.

  حرّك "أنس" عينيه تجاه كتفه وأدار رأسه ببطء وكذلك فعل الصقر فتقاربت عيناهما تماما وحدّق كل منهما في الآخر للحظات، ازدرد "أنس" ريقه بصعوبة وقال بصوت مرتعش:
- لا أُصدّق أنّك ستحملني؟
زفر الصقر فلامست أنفاسه بشرة "أنس" فانتصبت شعيرات ذقنه الخفيفة، ثم قال له وهو يتسلّق رأسه:
- لا تسير الأمور بتلك الطريقة يا صديقي، سأحملك حتما ولكن بطريقتي الخاصة.

إيكادولي ل د.حنان لاشينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن