[٥]

75 1 0
                                    

"كلودة"

خرج "أنس" من الغابة يبحث عن "شهاب"، من بعيد بدأت تطل أمام عينيه القرية التي حدثته عنها العجوز "ناردين"، دلف القرية يفتش بين الوجوه عن وجه "شهاب"، مر بحانوت بدا وكأنّه لبيع الأغراض القديمة، بعض الأوعية النحاسية، وأخرى فخارية، والكثير من الملابس، لكن ما جذب انتباهه ركن تكدست فيه الكتب العتيقة فوق بعضها البعض بإهمال، الكثير من الكتب كانت بلا أغلفة، مهترئة الأوراق وملتفة الأطراف، ولكن القليل منها كان بحالة جيدة. أوراق صفراء وأغلفة باهتة من الجلد المدبوغ والكثير من العناوين الغريبة. كان هناك شاب نحيل جدا، أقنى الأنف، له حاجبان مقوسان كأنهما هلالين، تبدو عليه أمارات الذكاء، نابه العينين، يجمع خصلات شعره الفحمي خلف رأسه برباط بلون أحمر فاقع، كانت أصابعه مصبوغة بنفس اللون فخمن "أنس" أنه ربما يعمل في صباغة الأقمشة، وقف الشاب ينظم الكتب ويرتبها ويتفحصها بعناية ثم يرفعها وينفخ عنها الغبار ويمسح بطرف كمّه بحرص شديد، كان صاحب الحانوت يقف ببطن عملاق رجراج ويطالعه بازدراء حيث قال:
- لولا أنك تنظم الكتب وترتبها في كل مرة تزورني ما تركتك تدلف للحانوت بحذائك المهترئ أيها البائس.
التفت إليه الشاب وقال في حرج:
- اهدأ يا رجل، أتيتك هذه المرة ببعض المال، سأشتري كتابًا
- يا للهول! ومن أين لك المال أيها الحثالة؟
- من كدّي ومن عرق جبيني!

تركه  صاحب الحانوت بعد أن تسببت كلماته في التفات جميع من بالحانوت لحذاء الشاب المهترئ، بعضهم قام بالهمز واللمز وتعالت بعض الهمهمات من هنا وهناك، لماذا يهتم هذا البائس بالكتب!

حرك صاحب الحانوت يديه بلا مبالاة وعاد ليجلس على الباب يحك رأسه وقد تدلى أمامه بطنه الكبير، واختنقت أنفاسه بسبب سمنته المفرطة فتصاعد من صدره أزيز مزعج كلما تنحنح أو بذل مجهودًا بسيطًا، وبدأ يراقب النساء في السوق وهن يقلّبن أكوام الملابس المتكدسة والتي تبعثرت هنا وهناك.

اقترب "أنس" من الشاب وحياه بصوت خفيض، فردّ الشاب تحيته باقتضاب بعد أن استقرت عيناه على وجه "أنس" للحظات وكأنّه يحاول التعرف إليه، عاد الشاب يقلب الكتب وينفض عنها الغبار ويمسحها بطرف كمه، التقط "أنس" كتابا له غلاف جوزي اللون مشبوح بلفحات خضراء وقال وهو يتفحصه:
- لا يدرك هذا الرجل قيمة تلك الكتب..أليس كذلك؟.

مر الشاب على وجهه بسرعة بعينيه الكليلتين ثم عاد لصنيعه بالكتب ولم ينبس ببنت شفة، قرأ "أنس" عنوان الكتاب الذي بين يديه بصوت مسموع قائلًا:
- الإكثير
- نعم.الإكثير!
- اعتقد إنني أعرف معناها، ربما قرأت عنها من قبل!

رفع الشاب حاجبيه وقال باهتمام:
- تعني الذهب الخالص، وهو كتاب رائع.
- يبدو أنّك تحب القراءة.
لاحت على وجهه ابتسامة وقال وقد ضوى بريق في عينيه:
- أنا أتنفس الكتب! 
- اسمي "أنس"

إيكادولي ل د.حنان لاشينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن