شد "الزاجل الأزرق" سرج فرسه الذي صهل بعنفوانٍ قبل أن يقفز صاحبه به في الهواء قفزة رشيقة عابرًا نهرًا رفيعًا يفصل المكان الذي كانوا فيه عن وادٍ فسيح بين جبلين يحتضن قصرًا مهيب الطلعة، كان القصر بارزًا وكأنّه نُحت داخل بلورة عملاقة، كلّ جزء منه كان رائعًا في حدّ ذاته، تحفة فنية لا تشبه ما يجاورها، شرفاته كانت وكأنّها محار مفتوح تطل منه لؤلؤات بديعة، بواباته عليها نقوش والتواءات تشبه فروع الأشجار، وكأنّ الأزهار المنحوته تضجّ بالحياة من روعتها. وقف "المغاتير" أخيرًا وكانت قوائم خيولهم مصطفّة على التوازي بشكل أنيق أمام البوابات، رفع "الزاجل الأزرق" يده ولوّح لحراس القصر ففتحت البوابات، فدلف ومعه رفاقه للقاء الملكة.
بخطوات منظمة سار "المغاتير" في زمرةٍ مهيبة تجاه جناح الملكة، توقفوا جميعًا فجأة عندما بدأت الأرض ترتفع قليلًا في مستواها عما خلفهم، تقدّم "الزاجل الأزرق" حيث استقبله خدام القصر بوجوه باسمة، وكأنّهم كانوا يترقبون وصوله!
كان الصمت يخيّم على المكان، أشعة الشمس الحانية كانت تتسلل من النوافذ لتلقي على الأرض أمامه انعكاسات ذهبية خلابة، كانت تتراقص أمام خطواته وكأنّها ترحّب به، بدت النقوش والزخارف بديعة على الحوائط وهي تحتضن وتتكاتف، وارتصّت أوعية من الفخار على الرفوف تطالع أهل القصر من أعلى بشموخ. دلف حيث كانت الملكة تجلس بوقار وعلى الجانبين عدد كبير من الرجال يجلسون على الأرض في صفّين منتظمين وأمام كلّ منهم طاولة صغيرة عليها كتاب والكلّ مشغولٌ بالتدوين، كان للملكة وجه به بقايا جمال متعب، بدت عجوزًا تخطّت السبعين لكنّها كانت جميلة الروح، تلك التجاعيد التي حول عينيها من الطرفين بدت وكأنّها تحتضن نظراتها بحنان، كان بؤبؤاها شديدي السواد يسبحان في بياض عينيها الشاهق بحياء، سقط حاجباها لكنّ جبينها كان شامخًا بعزّة، هشّت فور أن رأت "الزاجل الأزرق"، أشارت له ليجلس مكانه ففعل بهدوء، كانت تقف أمامها فتاة احتشمت برداء أرجواني اللون فضفاض واسع، له قلنسوة مذهّبة الأطراف بشكل بديع، أكمام ردائها الواسعة كانت تصطف على حروفها فصوص من الياقوت الأحمر دقيقة جدًا كانت الفتاة تقرأ بتأثّرٍ من كتابٍ بين يديها وبصوت تشوبه بقايا بكاء:
"نكس الفارس سيفه وأجهش بالبكاء، كان قلبه يخفق بحرارة طغت على حرارة النار التي أحرقت قدميه، كان الحزن مذاقه اليوم مختلفًا، ليس قصيدة حزينة تترف في أذنيه، وليس خبرًا مفزعًا يستقبله بالنحيب، الحزن مرّ لأنّ صديقه الذي كان يثق به قد خان العهد. عاد الفارس إلى الديار بعد أن طاب جرحه ليبحث عنها، وأخيرًا وقف أمامها يرجوا المغفرة، ما عادت الحياة تطيب بعيدًا عنها. وكانت "هيلا" تتوسّد الصبر حتى يعود. لم تذق عيناها الجميلتان طعم النوم والراحة حيث ضاق بها المكان خلال غيابه، زُفّت إليه على عجلٍ في ليلة ملأت فيها كفّه بالدموع وتفجّر في صدريهما ينبوع الحب، وأخيرًا رقص جريد النخل، وتعانقت حبّات المطر، وبات الصدق يجول في الأنحاء، في الديار، على التلال، شامخًا فوق الجبال، كما يجول الهواء في صدور الأنقياء الأصفياء"
أنت تقرأ
إيكادولي ل د.حنان لاشين
Fantasyسعف النخيل يظلل الأفق من بعيد وكأنه سحاب أخضر. صيحة غريبة صمّت أذنيه ثُمّ شعر فجأة بمخالب تقبض على كتفيه، فرفع بصره ورأى طائرًا عملاقًا يبسط جناحيه مظللًا فوق رأسه ،تسارعت أنفاسه وهو يطير على ارتفاعٍ شاهق فوق وادٍ عميق يقطعه نهر ماؤه رقراق زمرّدي ال...