[٧]

76 1 0
                                    

"مَرام"

هدأ الهواء وجميع ضحاياه من الأغصان المتناثرة في أكوام تحت الأشجار، انتزعت "مَرام" نفسها من أفكارها وبدأت تسير في الغابة، لابد أن تسرع حتى تتمكن من الوصول ل"أنس" قبل أن يحلّ الظلام، وتعود به إلى قصر "الحوراء"، كانت رائحة زهور الياسمين تفوح باردة وتفرش مخمل عبيرها لأقدام "مَرام" وهي تسير بلطف فوق الحشائش، لم تكن تلك المرة الأولى التي تسير فيها بتلك الغابة، باتت تعرف الطريق إلى بيت "ناردين" فقد التقت بها من قبل، لكنها بالطبع لم تُحط بكل أسرار الغابة. حذروها دوما من اللصوص في الجهة الغربية من النهر، لكنها لم تسلكها يوما ولم تعبر النهر، كانت تعقد ذراعيها أمام صدرها وتضع كفها الأيمن تحت إبطها الأيسر والعكس بالعكس، فالبرد شديد وحاد هذا اليوم، وصلت سريعًا لذاك الكوخ الذي تسكنه "ناردين" منذ سنوات، كم تشفق على تلك العجوز فهي تذكرها بجدتها، كان الكوخ هادئًا هدوء المقابر عندما وقفت أمامه وأخرجت يدها من تحت إبطها لتخفق الباب خفقا ضعيفا، فتحت "ناردين" باب الكوخ ونظرت محدّقة في عينيها بذهول قبل أن تقول:
- "مَرام"!! أما زلت هنا؟!
- كيف حالك يا جدة
- تعالي يا حبيبتي فالرياح باردة.

دلفت "مَرام" وهي ترتجف، دثرتها العجوز بثوب مرقع من الصوف كانت تتخذه شالًا تدفئ به كتفيها. كان من المناسب ل"مرام" الآن أن تجد شخصًا متعاطفًا تبثه أساها، وكانت تعلم أن العجوز ستحن عليها كعادتها وستسمع لها وتحتويها كما فعلت من قبل، قالت بعد أن رشفت من القدح الذي سكبت لها العجوز فيه بعضا من الحساء الساخن:
- أحتاجه بشدة فالبرد ينخر عظامي.
وضعت العجوز يدها على كتف "مرام" وسألتها بصوت خفيض:
- لماذا لم تعودي للديار يا "مرام"؟ من الخطر أن تبقي هنا، فقد انتهت مهمتك وصرت الآن أكثر ضعفًا عما قبل، ستكونين صيدًا سهلًا يا ابنتي!
- ليس بيدي...إنها مهمة أخرى كلفتني بها "الحوراء".
- مهمة أخرى!.. وما هي؟
- شاب جديد وصل اليوم ودلف إلى الغابة قبل أن يلتقي بالمغاتير وكما تعلمين لا يستطيع أحد من أهل مملكة الشمال الدخول إلى هنا، طلبت مني الملكة اللحاق به لأنبهه.
- أتقصدين "أنس"؟
- بلى ... هل مر بك اليوم؟
- رحل منذ ساعة، لقد كان مشغولًا بأمر "شهاب"، كان يركض خلفه.
- لماذا لم تنبهيه أنه لا بد أن يلتقي بالملكة والمغاتير أولًا؟
أشاحت العجوز بنظرها بعيدًا عن وجه "مرام" وتنهدت بعمق ثم أغمضت عينيها وقالت بهدوء شديد:
- لقد ركض خلف حدسه، هو ليس من ذاك النوع الذي ينتظر أن يملي عليه أحدهم ما يفعله، لن يستطيع التراجع وليس له أن يخطو خطوة واحدة إلى الخلف!
ثم صمتت قليلًا وكأنّها تقتنص فكرة وأضافت:
- لا تقلقي فقد أخبرته بالقليل عما سيفعله، وسيكفيه ليؤدي مهمته.
زفرت "مرام" بأسى وقالت:
- وددت أن أعود للديار، أخشى مما أخبرني به الحكيم "سامي كول"
- وبماذا أخبرك الحكيم؟
- سأحكي لك كل شيء...

بدأت "مرام" تصف للعجوز "ناردين" كيف كان يتكرر ظهور اسم "أنس" في كتاب "هيلا" من آن لآخر، طقطقت النار تحت القدر وتصاعد الدخان من تلك الفتحة التي تعلوه فانبثقت من سقف الكوخ سحب الدخان مشكلة جبلًا مقلوبًا من تموجات في السماء، مالت الأشجار تنصت للحكاية، وكأنها تهتم لأمر "مَرام" وذاك المحارب الذي بدأ رحلته منقادًا وراء حدسه وتبعًا لشخص لا يعرفه، مر الوقت سريعًا وكان لا بد من المضي في الطريق حتى لا يداهمها الليل وهي وحيدة في الغابة، ودّعت العجوز في تلك اللحظة التي اقتربت منها "قطرة الدمع" وبدأت تحلّق قريبًا منها لتؤنسها، كانت تلك هي أنثى الصقر التي حملتها إلى ذاك العالم الغريب هنا.

إيكادولي ل د.حنان لاشينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن