[٦]

70 1 0
                                    

"نَبرة"

أسدل الليل عباءته السوداء على المملكة فغرقت في ظلام حالك. كان القصر يتحرك ببطء كالشبح في السماء، وكانت الغربان تقف على شرفات القصر المكون من عدة طوابق، بدا البناء ضخما مهيبا يشبه الجبل، أعلاه ضيق، وأما الطابق السفلي فكان عريضا وواسعا جدا. وثبت الأميرة "نَبرة" من فراشها ودفعت النافذة بعنف ثم طالعت السماء بنظرة خاطفة، كانت تتمتع بخفة العصفور، وكبرياء الطاووس، لعينيها الكحيلتين بريق عجيب يشبه بريق عيني القطط في الظلام! من يراها بجملة النظر من بعيد يصور له وكأن عينيها جوهرتان! كانت "نَبرة" تدرك أنها جميلة، لكنها كانت دائما كالقدر الذي يغلي فيه الماء بجنون. التفتت صارخة في وجه خادمتها بحنق شديد لكي تجهّز لها ملابسها وتعينها في زينتها. قالت بتسلط:
- هيا، أمامك عمل طويل، أريد أن أخطف الأنظار الليلة.
غمزت الوصيفة بمكر واقتربت منها ثم قالت:
- أنتِ لا تحتاجين لزينة يا مولاتي.

  ألبستها الوصيفة رداء أحمر اللون يُظهر أكثر مما يستر، فتحت "نَبرة" صندوق زينتها وتخيرت ما يناسبها من جواهر، ودهنت شفتيها بصبغ أحمر قانٍ يناسب بشرتها السمراء، ثم استرخت في مقعدها وأسلمت رأسها للوصيفة التي بدأت تمشّط شعرها بحرص شديد، بعد لحظات كانت تهبط على الدرج وكأنّها القمر ينحدر على سحب السماء.

  بخطى سريعة كانت تدق الأرض وكأنّها على وشك دخول حرب مع شخص ما، اتجهت إلى غرفة أخيها الذي كان متكئًا على أريكة وثيرة وبجواره صديقه "حليم" الذي كان يرفل في ثياب فخمة تليق بمنصبه، والذي مرت عيناها عليه وكأنه كتاب ممل لا تود قراءته، هي لا تحبه، لم يفلح في الدق على أوتار قلبها رغم عشقه الشديد لها، أما هو فأقبل عليها بنظراته وكأنّه يود التهامها بعينيه، وجهت نظراتها نحو أخيها قائلة:
- رأيت الرمز مرة أخرى، هناك محارب على أرض المملكة.
- أين هو بالتحديد.
- لا أعرف المكان للأسف.
ابتسم "حليم" وقال بلطف وهو يطلب ودها:
- سأرسل رجالنا ليبحثوا عنه فلا تجهدي عقلك الجميل بالبحث عن مكانه، أري أنه من المتوقع أن يكون في مملكة الشمال الآن.

على عكس مراده.. استفزتها كلماته فكزّت على أسنانها واستدارت مقتربة من المدفأة ورفعت كفيها نحوها تستمد منها الدفء ثم قالت بتنمر:
- أرى..أرى..!! ومن أنت حتى ترى!، ما شأنك أنت؟ أنت مجرد ضيف ثقيل!

  اهتز القدح الذي كان بين يدي "حليم"، سقط الشراب على ملابسه فوثب من مكانه ثم وضعه على المائدة والتفت غاضبا نحو أخيها "كِمشاق" الذي رمقه بنظرة واثقة وقال له:
- دعك منها يا "حليم"، إنها مجنونة.

  كانت "نَبرة" دائمًا غاضبة، لديها لسان كحية قرمزية داعرة تنفث سمومها في وجوه الناس، أدارت رأسها بعصبية ورمقته بمكر ثم قالت:
- أُشبهك كثيرًا يا أخي.

رفع كفه مشيرا للوصيفات ليخرجن من الغرفة، واقترب منها وسألها بغلظة:
- أين أختك "أُونتي"؟
قالت بسماجة:
- الحمقاء، نامت مبكرا كعادتها.
اقترب "حليم" وقال:
- لا أدري لماذا تختلف "أُونتي" عنكما!
ثم أضاف:
- حتى أنها لا تعرف أي شيء عن الأخطار للتي تتهددنا!، تتبسّط مع الجميع وكأنّها ليست أميرة! ربما لقلة نضجها وعمرها فهي تصغرك بسنوات يا "نَبرة"

إيكادولي ل د.حنان لاشينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن