"أشريا"
هس..هسس.. همست بها فتاة صبيحة الوجه من خلف الأشجار، كان "كلودة" يغفو فتسقط رأسه تارة يمينًا، وتارة يسارًا، ما زال القيد يؤلمه. لم ينتبه إليها إلا عندما تحرّكت وسارت على أطراف أصابعها وتقوقعت خلف ظهره ثم بدأت تلكزه بيدها حتى ينتبه لوجودها، قال متفاجئًا:
- "أشريا"!! ما الذي أتى بك إلى هنا! هل أنتِ مجنونة؟ كيف تدخلين الغابة!!
كانت الفتاة ذات نظرة متقدة كلّها ذكاء، همست قائلة:
- تأخّرت يا "كلودة"، كان من المفترض أن تكون بالبيت منذ ساعات.
- كيف وصلتِ إلى هنا؟
- أتيت وحدي، كُنت أتبعك أمس وأنت في حانوت الكتب، ورأيتك مع ذاك الشاب وأنتما تدخلان الغابة، فجلست مع النساء في قافلة تجار خرجت من قريتنا حتى أطمئن أنك عدت، تابعوا سيرهم فسرت معهم حتى حدود الغابة، ودلفت أفتش عنكما، أنتما بالكاد على أطرافها، عثرت عليكما سريعًا ورأيت القيد على يديك وكنت قد أتيت بذلك المسحوق لأحمي نفسي إن هاجمتني تلك الذئاب فألقيه على أعينها.
رفعته ليشمّه فغضن حاجبيه وهمس ينهرها قائلا:
- ابعديه عن يديك، إنه حارق يا "أشريا"، قد يؤذيك يا مجنونة!لم يلُمها على إلصاق المسحوق الحارق بأنفه، فهو يخشى عليها أكثر مما يخشى على نفسه، سكنت الفتاة للحظات خلف ظهر "كلودة" ورمقت "أنس" بعينيها النابهتين، وعندما تأكّدت أن الحراس غارقين في النوم فتحت كيسًا من الجلد كانت تضع المسحوق فيها، كان المسحوق لنوع من الأحجار التي يجمعها "كلودة" من الكهوف التي تملأ الجبال، ويسحقها ويضعها في قارورة كبيرة ويغلقها بإحكام، طالما حذرها منها، أخبرها ألا تقرب منه الماء لأنه يفور وربما يأكل بشرتها لو لامسته بأصابعها، نثرت الفتاة بعض المسحوق على الحبال التي قيّدوا كلودة بها، ثم أخرجت قربة ماء صغيرة كانت تحملها، سحبت بعض الماء بفمها وعادت فلفظته ببطء من بين شفتيها فوق المسحوق المنثور على الحبال، تراجعت قليلًا وجلست بوجه مازال رغم أنوثتها الظاهرة يحتفظ باستدارة الطفولة وتعبيراتها البريئة تراقب ذاك الفوران الذي يحدث ثم تفتت الحبال وذابت أمام عينيها، سحب "كلودة" يديه سريعًا ووقف يتفحصهما، ظنّ أن الفتاة ستؤذيه بقلّة خبرتها، لكنها كانت ذكية وأجادت تقليد ما رأته يومًا يفعله، فهي تراقبه دومًا وتتعلم منه، همس وهو يحدّق في وجهها:
- حمدا لله أنك جئت يا "أشريا".
ثم همس مسبّحًا:
- سبحانك سبحانك يا من تدبر الأمر من السماء إلى الأرض!أسرع "كلودة" يفك قيد قدميه، وساعد "أنس" على فك قيده، هرول الثلاثة مبتعدين بعد أن سحب "أنس" حقيبته وما فيها عدا الكتاب الذي سرقوه ولم يكن موجودًا، كانت القلادة لا تزال حول عنقه، وكان قد وضع المفتاح مع قطع الكريستال في الكيس الجليدي الصغير، فتحه ليتأكّد من وجودها فلا ريب أن اللصوص طمعوا فيها وأغراهم بريقها لكنه فوجيء بتحولها إلى قطع من الفحم الأسود!
ساروا لمسافة غير بعيدة عندما تذكر "أنس" خنجره المذهّب، كيف سيكمل رحلته بدونه وقد أوصاه جده أن ينتبه لكل شيء أمدّه به لأنه سيحتاجه، للحظة تردد لكنه قرر في النهاية أن يعود لإحضاره رغم اعتراض "كلودة" و"أشريا"، على مقربة من المكان بحيث يتسنى لهم الهرب سريعًا في أي لحظة وقفا يراقبانه خلف الأشجار، كان "أنس" يسير بحذر شديد وهو يكتم أنفاسه، نجح في سحب الخنجر من حزام أحدهم وتحرك ببطء حتى لا يوقظه، لكنه تعثر بساق الآخر وسقط فوقه، صرخ الأخير فزعًا وكاد يمسك ب"أنس" الذي وثب واقفًا وباغته بضربة على صدره ثم لف جذعه بذراعيه وقلبه على الأرض فصرخ فاستيقظ البقية فزعين وأمسك اثنان منهم ب"أنس"، لكن "كلودة" قفز بخفة من بين الأشجار ونثر باقي المسحوق الذي أحضرته "أشريا" على عين أحدهما فذاب في ماء عينيه وبدأ يحرقه فترك ذراع "أنس" وبدأ يصرخ ألمًا ويقفز هنا وهناك وهو يفركها بيديه، وركل "أنس" الآخر في ساقه بكل ما أوتي من قوة وانطلق الثلاثة هاربين يتبعهم اللصوص.
أنت تقرأ
إيكادولي ل د.حنان لاشين
Fantasyسعف النخيل يظلل الأفق من بعيد وكأنه سحاب أخضر. صيحة غريبة صمّت أذنيه ثُمّ شعر فجأة بمخالب تقبض على كتفيه، فرفع بصره ورأى طائرًا عملاقًا يبسط جناحيه مظللًا فوق رأسه ،تسارعت أنفاسه وهو يطير على ارتفاعٍ شاهق فوق وادٍ عميق يقطعه نهر ماؤه رقراق زمرّدي ال...