١٩

247 30 120
                                    


مسجونٌ داخل روحي، كأنما السياجُ والأسوار داخل صدري لا حولي.

كأن العالم انكمش حتى وصل لبقعتي وحبسني فيها، كأنني سجينٌ بلا تهمة، ولا محامٍ، ولا تاريخِ إطلاق سراحٍ معلوم، كأن الأغلال الوهمية حول رقبتي تُصعّبُ علي التنفس رغم أنني محبوسٌ في الهواء الطلق، ولكنّ الاختناقَ في قلبي.

أنا وقومي في سجنٍ مفتوح لمدة شهر، كيف أصف أي شيءٍ من مما حدث تلك الليلة، لن أتطرق لصعوبةِ شعوري بأنك خذلتني لويس، لا أعرف كيف أصف هذا، لقد كان أبشع ما شعرتُ به وسط ألف شعورٍ بشعٍ توالى علي لحظتها، لقد أحسستُ بأن جميع الأماكنِ هزمتني.

وأقصدُ بجميع الأماكن أنت.

كل شيءٍ كنتُ خائفًا كنتَ تؤمّنني منه، فإذا بك في تلك الليلة تكونَ مصدر جميع مخاوفي وآلآمي، إن قلتُ ما شعرتُ فلن يكفي القولُ، وإن قيل فلن يُفهم، لذا سأدعُ صمتي يعبر عن عِظَمِ ألمي وأقّصُ ما حلّ بنا من فاجعةٍ يومها.

عندما أطلقُت عليك النار كنتُ معميًا بالغضب والخيبة وذكرى المُترجم الفرنسيّ ومضت في داخل روحي فحفزتني على سحب الزناد، لم أركَ إيزيس مُعيدي للحياة، بل رأيتُك ذلك الكلبُ الفرنسيّ مُحرقي.

بعد إطلاقي للرصاصة وعودة عقلي اجتاحني إدراكُ هولِ ما فعلت توًا، لقد أطلقتُ رصاصةً على الرجل الذي وقعتُ معه في الهوى المُحرّم أشدّ الحُرمة، لقد أطلقتُ النار على رجُلٍ احتلّني كل الاحتلال، لقد أطلقتُ النار على الرجلِ الذي كنتُ لأقف أمام جميع بنادق الفرنسيين والإنجليز لأجل حماية شعرةٍ منه من أن يمسها سوء.

كيف فعلتُ ذلك؟

ولكنّ المصائب والعقوباتِ توالت على رأسي بالمعنى الحرفيّ، فأحد الجنود ظلّ يضرب رأسي بوحشيةٍ بمؤخرة مسدسه حتى أغمي علي، وكان آخرُ ما شعرتُ به هو شعور إجترار جسدي على الرمال الباردة، رائحةُ الدم، صراخك، ورائحةُ غبار.

استفقتُ على صوتٍ لدقِ أوتادٍ في الأرض، وأنا مكشوف الوجه دون لثام، وصوتُ أشخاصٍ يكتمون نحيبهم بالقوة، ففتحتُ عيناي بألمٍ من الصداع الذي فتك برأسي، رأسي ثقيلة متخدّرة، فإذا بي أجدٌ نساءنا بدون شيء يغطي رؤوسهنّ!

شعرهنّ قد كُشِفَ للجنود والرياح، وبأحضانهنّ أطفالهن، أما عن الرجال فقد كانوا أربعين بالعدد يجلسون على مسافةٍ بعيدةٍ من النساء، بوجوهٍ ناظرةٍ للأرض بإذعان، قمتُ أستندُ على مرفقاي لأرى محيطي فإذا بالجنود ينتشرون حولنا من كل مكان والبنادق في وجوهنا، والباقون يدّقونَ الأوتادَ في الرمال وصوتُ الطرق يتماشى مع طرق القلوبِ المرعوبة.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: a day ago ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

أصحابُ الأرض | TKحيث تعيش القصص. اكتشف الآن