المقدمة
متسترة بغطاء الليل الحالك، تسللت هذه الشابة الهزيلة في الخفاء، بخطواتٍ حثيثة، بعدما خبأت وجهها بطرف حجاب رأسها غير المحكوم، حتى تضمن عدم تعرف أحد أهل بلدتها عليها إن تصادفت مع أحدهم، لتخرج بعدها من باب منزلها، قاصدة التوجه إلى محطة السكة الحديد، حيث من المفترض أن ينتظرها هناك من قطع لها عهودًا ووعودًا لا تنتهي بالزواج.
انتظرت وهي تتحاشى نظرات المحيطين بها الفضولية، كانت ترتاع من احتمالية تعرف أحدهم على هويتها، ففي ذلك نهايتها حتمًا، خاصة إن علم شقيقها المتعصب بمسألة هروبها من المنزل سرًا. سمعت "مروة" صافرة القطار وهي تعلن عن وصوله إلى المحطة، ترددت في ركوبه بمفردها، كادت كامل خططها تفسد لولا أن ظهر من تنتظره من بعيد، أقبلت عليه تسأله في صوتٍ يعبر عن خوفها:
-اتأخرت ليه "بغدادي"؟
التقط أنفاسه، وأجابها:
-غصب عني، كنت معكوش مع واحد رزل، حلفان عليا 100 يمين ما أسيبه إلا لما أقضي السهرة معاه.
تلفحت بطرف حجابها حينما مر أحدهم بجوارها، فقد لاحظت نظرته المدققة إليها، فارتجفت، وأخفضت بصرها هامسة:
-أنا قلقت لأحسن تكون غدرت بيا.
عاتبها في عبوسٍ مصطنع:
-وده معقول؟ إنتي هتبقي مراتي يا بت.
حذرته في لهجةٍ جادة، رغم خفوتها:
-على سنة الله ورسوله، أنا ماليش في الحرام، إنت عارفني، ولولا "موجي" أخويا كنت آ...
قاطعها قبل أن تتم جملتها مشيرًا نحو عربة القطار:
-مش وقت كلام، القطر هيفوتنا.
لف ذراعه حول كتفيها، واستحثها على السير معه مكملًا كلامه إليها:
-يالا قبل ما حد ياخد باله منك.
أومأت برأسها في طاعة:
-ماشي.
دفعها لتصعد على عربة القطار، فالتفتت –غريزيًا- للخلف لتلقي نظرة أخيرة مودعة لبلدتها، وكل من فيها، فربما لا تعود إلى هنا مرة ثانية!
.....................................
الصرخات الموجعة المنبعثة منها، أثناء استلقائها على ذلك الفراش القديم، في هذه الغرفة شبه المعتمة، رغم سطوع شمس النهار، جعلت من حولها يرتاع ويقلق، حتى صوت الموسيقى الصاخب لم يكن كافيًا للتغطية على أنات ألمها المتواصلة، كذلك تعذر على حفنة النساء المتواجدات معها إرسال أحدهم لاستدعاء الطبيب من أجلها، بالطبع لم يكن أيضًا من المتاح نقلها إلى أقرب مشفى وإن كان متواضعًا تنقصه الإمكانيات لإسعافها، فكيف لها أن تجيب من يديروه على أبسط الأسئلة لتفسير حالتها تلك؟
YOU ARE READING
فوق جبال الهوان - قيد الكتابة
Non-Fictionرواية تدور أحداثها في الضواحي والأحياء الشعبية