الفصل الأول
حمل عنها حقيبتها الصغيرة، وعلقها على كتفه، ليسير معها بخطواتٍ شبه متعجلة عبر الطرقات الضيقة والأزقة، فقد انتهى بهما المطاف بعد ساعات من استقلال عربة القطار إلى هذا الحي البعيد بتلك المدينة النائية عن بلدتها. لم تتوقع "مروة" أن يكون مستوى المعيشة هنا متدنيًا، فبناءً على ما أخبرها به سابقًا، من المفترض أنه يعيش في منطقة راقية، بها مظاهر الترف والراحة؛ لكنها رأت عكس ما وصف تمامًا. سألته بقلبٍ متوجس وهي تدير رأسها لتنظر إليه:
-هو احنا هنا فين كده؟
أجابها وهو يدفعها برفقٍ للولوج إلى داخل مدخل هذه العمارة القديمة:
-عند ناس معارفنا.
توقفت فجأة وعلامات الدهشة قد تجسدت على تعابير وجهها، نظرت إليه في شكٍ، وسألته بقلبٍ راحت نبضاته تتصاعد خوفًا وتوجسًا:
-إيه ده؟ مش إنت قولتلي هتاخدني عند أمك؟
برر لها بكذبةٍ غير مقنعة:
-مش هينفع دلوقت، لازمًا أمهدلها الأول، خلي الليلة تسلك وتمشي للآخر.
حاول دفعها برفقٍ لإجبارها على الصعود على سلم الدرج، وهو لا يزال يُحادثها في وديةٍ:
-وبعدين أنا موديكي عند ناس حبايبي جدًا.
ما زالت ترفض التجاوب معه لشكوكها المتزايدة، وسألته في قلقٍ أكبر:
-هي متعرفش عن موضوعنا ولا إيه؟
اضطر للف ذراعه حول كتفيها ليحاوطها، واستمر في دفعها بترفقٍ نحو السلم، وصوته يهمس بالقرب من أذنها:
-يا بت هي عندها خبر وكل حاجة، بس علشان نتجوز كده خبط لزق صعب اليومين دول.
مدفوعة بواسطته، بدأت في الصعود على الدرج، وهي تسأله:
-لما هو صعب طلبت مني أجي معاك ليه؟
تنهد مليًا قبل أن يخبرها متصنعًا الحزن:
-ما أنا مش هطول، على الأقل أجيب أوضة نوم جديدة، وأنا يدوب حوشت نص فلوسها.
مجددًا توقفت عن الصعود، واستطردت:
-أنا راضية أنام على فَرشة قديمة، بس نكون سوا، وفي الحلال.
ابتسم مؤكدًا لها:
-هيحصل، الحكاية كلها أسبوع ولا اتنين...
راح يستحثها من جديد على الصعود متابعًا حديثه إليها:
-وبعدين هو أنا وعدتك بحاجة وكدبت عليكي فيها؟
ردت نافية:
YOU ARE READING
فوق جبال الهوان - قيد الكتابة
Non-Fictionرواية تدور أحداثها في الضواحي والأحياء الشعبية