"الفصل الحادي عشر"
"بينهما وصال"
"مقارنة صعبة"
__________________ظللت أبحث عن ذاتي فلم أجد سوى بقايا.
_ نوران أحمد.
__________________جالس على مقعد مريح أتخذه رفيق منذ أعوام طويلة مدتها هجران أبناءه الأثنان تاركين وطنهم خلفهم متخذين بلاد الغرب وطنٍ لهم، غافلين عن أبيهم وأمهم دون سؤال عنهم ولو بالخطأ.
وضع عويناته الطبية التي تعينه على الرؤية بوضوح، فقد ضعفت رؤيته من سنين طويلة ملّ من عدّها، فتح هاتفه المحمول يتصفح الأخبار الخاصة بالبلد عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي باهتمام شديد تلبسه في فترة تقاعده، خانته أنامله وفتح الصفحة الشخصية لصغيره، ينظر بفضول اب _ متقاعد _ عن دوره أيضًا لما ينشره الصغير والذي لم يصبح صغير الآن.
أجفل على صوت زوجته والتي شهدته بالجرم المشهود يراقب حياته من بعيد وأعينه تملؤها الخذلان والندم…
_ طالما واحشك أوي كدا كلمه، متبقاش انتَ والدنيا عليه الواد يا عيني ملطشة معاه من كل حتة!
قالتها وجلست أمامه يتوسط فخذيها طبق بلاستيكي به بعض الخضروات تقوم بتقطيعها لصنع وجبة الغذاء
_ هيرضى يكلمني يا توحيدة؟
سؤاله خرج مهزوز ومهزوم! مهزوز بفعل الندم عما اقترفه قديمًا ومهزوم لرد فعل صغيره بالرفض والنفور عندما حاول التحدث معه لدقائق معدودة، أما هي كانت واثقة بلا سبب تدعمه وتدفعه للأمام في محاولة لتصليح كسرة ماضيه والذي يندم عليها حتى وقته هذا!
_ ومش هيرضى ليه يا ناجي؟ انتَ مهما كنت ابوه حبيبه، وبعدين أمه مش بتكلمه خالص فأنت هتكسب بونت على قفاها وتبينله أنك مهتم.
حدقتيه اهتزت بتردد يكسيه كلما جاءت سيرة هذا الموضوع، كلماته بثت به بعض الثقة ولكنه يجهل شخصية بكرهِ من الأساس!
افتر شفتيه يحاول التحدث بثقة لكن كلماته خرجت خائفة يغلفها عدم الثقة بنفسه:
_ لو كلمني وحش؟
_ حقه يا ناجي، اللي عملته فيه مش قليل بس هتحاول لحد ما يرضى عنك.
قالتها بصراحتها التي أحيانا تضربه في مقتل، كهذا الحين… سألها بتعجب عن ردود أفعالها الأمومية في صف ابنه هو:
_ انتِ بتدافعي عنه كدا ليه؟ غيرك مكنتش هتعوز أكلمه ولا اراضيه وأفضل مع عيالها بس!
تركت الخضروات من يدها وأنزلت السكين ببطئ وودت لو يقتلها به أحد أبنائها بدلًا من ذهابهم دون سؤال!
كتمت تنهيدة حزن واشتياق لهم وقالت بحكمة:
_ عيالك طلعوا أندال يا ناجي وأول ما سافروا محدش فيهم عبّرنا، وبعدين أنا مش عايزة حد فيهم يحصله كدا ولا أرضاها على عيل منهم، فلازم تصلح علاقتك بابنك، ربنا هيحاسبنا عليه.