الفصل الخامس

65 11 0
                                    


"حُب في زمن الحرب"
( .. الحِكاية .. 5.. )

الحُب يَصنْع المُعجزاتِ .. صَدق صَاحب هَذه المَقولة فَـ "يافا" الكارهة لدُخول المَطبخِ ولا تَدخله إلا رُغمًا عنها

هَل تُؤثر بِنا الأَيامُ أَم نَحنُ نتَأثر بِها فِي كِلتا الحَالتينِ نَحنُ مُرغمون عَلي التَعايش مَع آَلامَنا و أَحزاننِا  ...

و هَذا مَا بدَأت "يافا" بفِعله حَقًا ، إِن كَانت حُريتها مَرهونة بِعدة أيام فَلتفَرحُ فِيها ، و تُحقق أَمانِيها و أَحلامِها المُدفُونة دَاخلها و آن أَوانُ عَيشُها ، بَعد ليلة أَمس و مَا عَاشتهُ مِن راحة فِي التنِفيثُ عَن تَعبهُا و إرهَاق الأيامُ الماضية بالحَديث مَعه ..

إِنهُ بارعٌ فِي تَبديدُ الطَاقة السَلبيةُ بأُخري رَائعة بِها مَشاعر تَتلون بالزَهري تَمحص الأسود مِنها ، اليَومُ إستيقظت بنشاطٍ و خفَة كَالفراشاتِ لتُطهو الكَثير مِن الأصنافِ الرائعَةُ و التي عَلمتهُا إياها أُمها "غالية" ..

وَضعت "يافا" الطَبق الأخير علي الطَاولة ثُم إتجَهت نَحو الغُرفة التَي يَمكُث بِها "علي" ، تَرددت ببادِئ الأمَر مَاذا ستَقول لَكنها إستمَدت القليل مِن الشجاعة و دَقت الباب ثلاث نقرات مُتتالية ليَأتيها صوتهُ مِن وراءِ البابِ قائلًا:

-إِدخُلي ..

وَلجت للداخلُ و تركت الباب مَفتوح كَي لا يُسئ الظَن بِها ، تَقدمت للداخل حَيثُ يجلس خلف المَكتب الصَغير الموضوع بزَاوية الغُرفة و "علي" مُنكبًا بقراءة الأوراق أمامهُ ، كانت تَفرك يَديها بتوتر ثُم رَطبت شَفتيها بطرفِ لسانها تُغمغم بإبتسامة مُرتجفة:

-لَقد جهزتُ طاولة الغداء ، إِن كُنتَ ترغب بالأكلِ ..

هِي حَتي الآنُ لا تَدري السَبب وَراء إِرتبَاكهِا و تَلعثُمها بالكَلام مَعهُ ، مَن يُصدق أنّ "يافا" ذَات اللسّان السَّليط تَخجل مِن الحديث معهُ عجب !

رَفع "علي" عَيناهُ عَن الأوراقِ التي أمامهُ و نَظر إِليها مِن خلفُ نَظارتهِ الطِبية لَيبتسم لَها قَائلًا:

-فِي وَقتك الصَحيح أكَاد أَموت مِن الجوعِ و أنتِ أنَقذتني مِن كارثة الدخول للمطبَخ ..

تَبددت كُل مخاوفِها و توتُرها ليُشرق وَجهها فرحًا و قالت:

-حَقًا ، هِي إذًا الطاولة جَاهزة يَنقُصها أنتَ ..

لُيشاركَها حَماسُها يَنزع نظارته و أَلقي بِها علي المَكتبُ مُغمغمًا:

-ليَذهب العمل إلي الجحيم و يَبقي الطعام ..

خَرج مَعها مِن غُرفتهِ مُتعجبًا مِن حالهِ كَيف تتبدل شَخصيتهُ الصارمة مَعها إلي اُخري وَدودة و مُحبة للحَياة كَأنهُ يَعود طِفلًا مِن جديد ، سَحب مِقعدًا و جلس عليَه و جَلست "يافا" بالمِقعد المُجاور لهُ ، كَانت رائحة الطَعامِ شَهية و المَنظر أَشهي و أشهي مما أَرغمهُ علي القولِ:

حُب فِي زمنُ الحربحيث تعيش القصص. اكتشف الآن