الشّهقةُ التّاسعة

19 3 9
                                    

«من وجهةِ نظر الكَاتب»

قهقهَ هاري مازحًا منها بابتسامةٍ فيها مسحةٌ من التشاؤُم الّذي حاولَ عدم إبدائِه، وقد نجحَ بذلِك فعلًا، فقلَّبت أليس عينيهَا بتهكُّمٍ غير مصدِّقة ردّة فعلهِ هذه، أزاحت نظرهَا بعيدًا عنه لتبحثَ عن لافتةٍ تشيرُ إلى مرأب للاستئجار، لكنّها شعرت بوجودِ غرضٍ ما داخل جيبِ سترتِها فاعتقدَت أنّها الزّهرة الّتي قدّمها «الموتُ» لها.

أدخلت يدها بالجيب لتُخرجها لكنَّ صدمةً اعترتها ما إن أدركت أنَّها ليست الزَّهرة، بل كانت ورقةً صيغرة الحجم كُتب عليها بخطٍّ دموي مخربشٍ ومخيف:

«مسرحيَّتُك بعدَ
«٠٨:٣٤

وما أعصفَ بقلبها زوبعةً من الرّعب والارتياب هو تغيّر الأرقام الّتي كُتبت على القصاصة، وكذا إصدارها لتكتكاتٍ خافتة ومتناسقة، فأدركت أنه مع انقضاء المؤقّت ستشرعُ مسرحيّتها الّتي أخبرها ذلك الكائن عنها ليلة أمسٍ.

توقّف هاري عن القيادة وركنَ السيّارة عند قارعةِ الطّريق وهو يرمِي بنظرهِ إلى ما بينَ يديها ثمّ إلى تعابيرها المصدومة الّتي حاول تفحّصها لكنّه لم يتمكّن من ذلك جرّاء شعرها المنسدلِ على خدّيها، فحاول تعديلَ صفو مزاجِها بعد أن سمعَ شهقةً قد تسلّلت من حنجرتها؛ مُتسائلًا «أستكتُبين شيئًا عليها؟ سأُساعدُك إن أردتِ».

أشاحت بنظرها عن الورقة ووجهتهُ نحوه، فتسمّر بمكانه محاولًا إدراك سبب رجفانها وكذا تشكّل طبقةٍ لامعةٍ على بؤبؤيها، بينما أدركت الأخرى أنّها الوحيدةُ القادرة على رؤيةِ ما كُتب بالقصاصة، فلم تشأ أن تخبره بالأمر كي لا تورّطه وتوقعهُ بخطرٍ داهم.

رتّبت نفسها بخفّةٍ لتبلع ريقها وتستطردَ بصوتٍ متهدّجٍ «يبدُو... أنّك عثرت على مكانٍ للاستئجار!»، أومأ لها بالإيجاب متفهّمًا ما تمرّ به، حيثُ اعتقد أنّها سرحت بأمرٍ ما يخص صديقهم آرثر، استجمعَ شتات أفكارهِ ونزلَ كلاهما من السيّارة، مشطا خطواتهما ناحية اللافتةِ المعلّقة بجانب المستودعِ ذي الحجم المتوسّط، فأخرجَ هاري هاتفهُ من جيبه ليتّصل بالرّقم المدوّن على اللّافتة، فأتاهُ صوتُ أحدهم من الجانب الآخر قائلًا بنبرةٍ مهتزّة أفشت عن شيخوخته «أهلًا، معكَ السيِّد كلارك، لا بدَّ من أنّك تتّصل بي من أجل استئجار المرأب عند تقاطع الجادّتين قبل محطّة الحافلة الرئيسية، أليس كذلك؟».

ردّ عليه هاري بعد أن حيَّاه «نعم، معك حقٌّ، إذن... ما سعرُ الاستئجار؟»، انتظر هاري أن تصلهُ الإجابة من السيّد كلارك على الجانب الآخر، فسمعَ قوله بصوتٍ مبحوح تبعه سعالٌ خفيف «مائةٌ وتسعون دولارًا، ما رأيُك؟».

ابتسمَ هاري بحماسٍ فأجاب سؤالهُ قائلًا «هذا مناسب تمامًا، فكيف يمكنني تسليم المال لك؟»، ردّ عليه السيّد كلارك طالبًا منه أن يُودِع المال بحسابه النّقدي، وقدمّ له المعلومات الشّخصيّة المتعلقة بحسابه، وذلك ليتمكّن من إيداعه بسهولةٍ ودون مشقّة.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Sep 14 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

شهقاتُ ما قبلَ الشّرُوخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن