"6" «لقاء الشبح»

110 15 42
                                    

قد تفاجئك الحياة أحيانًا بوقائع غير متوقعة، ولكنها تتواجد في كل مكان حولك. تجمدت عيناه في ذهول، وهو يحدق في ذلك الكائن الذي يواجهه بنظرة مُرعبة. استمر في التحديق لعدة دقائق قبل أن يفرغ جبينه من عرقه المُرتجف. شعر وكأن العالم من حوله بدأ يدور بفعل ذلك الكائن الذي يجلس أمامه، بعينيه المقلوبتين وابتسامته المُرعبة، فضربت جسده قشعريرة جعلته غير مُتزن، وتسمر في مكانه أثر تلك الصدمة التي اعترته. لم يكن ياسين، بل كان شبحًا يسكن جسد أخيه. ها هو نطق أخيرًا بصوت مُخيف ومُرعب:
- لا اجمد كده أنت لسه مشوفتش حاجة، امال لو طلعتلك بشكلي هتعمل إيه، اشرب اشرب كوباية المايه اللي وراك على الكومودينو، يمكن تفوق شوية.

ابتعد (آسر) بخطواتٍ بطيئة، وما زالت ملامح الخوف واضحة على وجهه، وكأن شيئًا ما قد زعزع كيانه. كاد أن يسقط عندما اصطدم جسده بالفراش، لكنه نجح في تفادي ذلك بأعجوبة، واتجه نحو الكومود. أمسك بكوب المياه وارتشف ما فيه دفعة واحدة. بعد ذلك، استلقى على الفراش مجددًا بعد أن أعاد الكوب إلى مكانه، وحاول أن يستجمع قواه لتخرج الكلمات من فمه.
وأخيرًا نطق بنبرة مهزوزة وهو يضع يده على قلبه الذي يدق بسرعة مخيفة:
- أنت مين!

اكتفى بتلك الجملة الصغيرة التي لم يستطع أن يتفوه بغيرها، وكأن لسانه معقود ومعه الحق. فمن منا يستطيع أن يتحمل ما يراه هو الآن،
فهو في موقف لا يُحسد عليه.
رد الآخر عليه بنبرة ساخرة:
- أنت شايف إيه!

أردف (آسر) بنبرة أقل اهتزازًا من ذي قبل:
- أنا مش فاهم إيه اللي بيحصل ده.

فرد الشبح مُفسرًا له:
- تفتكر يعني أخوك كان بيجيب فلوس منين، وتفتكر بردو إيه اللي كان بيخليه يحلم أحلام غريبة، وأنت كنت دايمًا مستغرب إنه كان بيكلم نفسه كتير وهو نايم، أنا بردو اللي خليته يفضحك قدام أبوك.

أردف (آسر) ببلاهة وبفمٍ مفتوح قليلًا:
- يعني ياسين ملبوس!!

ضحك عدة ضحكات متتالية بشر وملامح مُخيفة، ثم أردف بنبرة ساخرة:
- أيوه بالظبط كده، ها وعرفت المعلومة دي لوحدك ولا حد قالك عليها!

امتعض وجه (آسر) من الذي يسخر منه ولكنه قال والخوف يدب في عروقه:
- طب بالله عليك متأذيهوش.

ضحك للمرة الثانية على ذلك الأحمق الذي يطلب منه، وكأنه إنسان وهو أبعد ما يكون عن ذلك. فقال:
- أنت ليه بتكلمني وكأنك قاعد مع واحد صاحبك! ويا سيدي ما تقلقش عمري ما هأذيه، أنا من الطيبين زي ما بتقولوا.

ملأ رئتيه بالهواء الدافئ بعد أن اطمئن لكلماته تلك، ثم سأله مُستفسرًا:
- طب إيه خلاك تظهر دلوقتِ، يعني عايز
مني إيه!

أجابه بخبثٍ شديدٍ:
- عشان انبهك إن ماضيك هيفضل يطاردك.

تجهم وجه (آسر) وشعر بألم يضرب رأسه، فزفر بضيق لتذكره أشياء يود لو يمحها من ذاكرته، ثم أردف مُتسائلًا:
- هيطاردني ازاي يعني!

♕المسافة بيننا♕ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن