"4" «حالة شَجَن»

152 17 34
                                    

كان يظن أنها وقعت ببراثنه، لكن اكتشف أنه هو الذي وقع أسيرًا لكلماتها البسيطة واحترامها الذي نادرًا ما يراه في فتيات جيلها في زمننا هذا.
ارتمى بجسده على حافة فراشه ولا يعلم لما فعلت به ذلك، فهو لم يفعل لها شيئًا يستدعي أن تقول له كلامًا يجرحه بتلك الطريقة، فظل شاردًا لبعض الوقت، حتى اقتحم صديقه (مهند) الغرفة فجأة بوجه قلق حيث أنه سمع صوت شيء يُكسر. فقال بنبرة قلقة وهو يدقق النظر
بالغرفة بأكملها:
- في إيه يا آسر وشك مخطوف كده ليه،
وكسرت الكوباية ليه؟

شعر أن لسانه معقود، فلم يعرف ماذا يقول. أبت الكلمات أن تنصاع وتخرج من فمه، ورفض عقله أن يصدق ما حدث منذ دقائق مضت. ولكن جاهد ليُخرج الكلام، فقال ببرود يتناقض مع الضجيج الذي بداخله:
- فكك من كل ده، هبقى أحكيلك بعدين. المهم البس بسرعة عشان المقدم باسل عايزنا.

أومأ (مهند) برأسه وخرج من الغرفة ليرتدي ملابس العمل وفعل (آسر) نفس الشيء.

«مهند سامي زميل آسر في العمل، يبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عامًا. يمتلك عينين رماديتين ووجًا بيضاويًا وأنفًا عريضًا، وشعره طويل قليلًا ولونه أسود. بشرته بيضاء، وطوله متوسط، وجسده أضخم بكثير من جسد آسر».

«في مكانٍ آخر»

استيقظت (كاتي) على صوت جلبة في الطابق السفلي فرفعت حاجبها مُتعجبة ومُنزعجة من هذا الضجيج. أبعدت الغطاء عنها وقامت مُسرعة من فراشها، ثم دلفت المرحاض لتغسل وجهها. ولم تمضِ دقائق حتى خرجت مهرولة إلى الدَرَج، لكنها وقفت في مكانها على أول سُلمة عندما رأت حبيب الطفولة، حبيب أيامها، حبيب تود لو كل الرجال مثله. فهو بالنسبة لها كل شيء، حيث تشابها في الشخصية وفي معالم الوجه أيضًا.

كان واقفًا يتحدث مع خادم الڤيلا الذي يحمل الكثير من حقائب السفر، وخادم آخر يحمل حقائب الهدايا. وبعد أن وضعاها أرضًا وهم خارجون، نظر هو إلى الأعلى، فوجد حبيبة قلبه تدقق النظر إليه فتوسعت ابتسامته. نزلت هي مهرولة وارتمت في أحضانه، فشدد على ضمها وربت على ظهرها بحنانٍ بالغ، لطالما اشتاقت له ولحنيته تلك.
قبل رأسها بحنان ثم أردف قائلاً بحب:
- وحشتيني يا روح قلب بابا.

ابتعدت (كاتي) عن أحضانه قائلة بابتسامة رقيقة:
- وأنت كمان وحشتني أوي، افتقدتك جدًا وفيه كلام كتير عايزة احكيهولك.

أومأ لها برأسه قائلاً بنبرة حنونة:
- طيب خدي شنط الهدايا بتاعتك واطلعي الاوضة اتفرجي عليهم وشيليهم لحد ما أنا أغير هدومي وبعدها ندخل المطبخ أنا وأنتِ نشوف مامتك وأم جمال خلصوا الأكل ولا لسه.

هزت رأسها بإيجاب ثم حملت الحقائب وصعدت إلى الأعلى مُتجهة إلى غرفتها. وما أن دخلت فرغت محتوياتها، فوجدت عطرها الفرنسي المفضل، ومجموعة من منتجات العناية بالبشرة، وملابس من النوع الذي تفضله؛ فغمرتها الفرحة بالتأكيد كأي فتاة تُهدى هدية، وليست أي هدية، بل أعظم هدية بالنسبة لها؛ لأن حبيبها الأول
والأخير هو من أحضرها لها.
لملمت الأشياء ووضعتها في أدراجها، ووضعت الملابس في الخزانة، والابتسامة تزين وجهها.

♕المسافة بيننا♕ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن