"9" «رد غير مُتوقع»

105 14 27
                                    

وقد كان هذا اللقاء الذي كنت أترقبه بشغف، حيث تمنيت رؤية عينيكِ البنيتين المتلئلئتين بلون القهوة. وأخيرًا، حان وقت اللحظة المنتظرة.

لم يكن يتوقع أن تأتي ردة فعلها بهذه الصورة. فقد كان يعتقد أنها ستشعر بفرح كبير لمعرفتها بوجوده، وأنها سترحب بلقائه بحفاوة. لكن ما حدث كان مغايرًا لتوقعاته، حيث رفضت لقائه. وقد أعربت عن ذلك بنبرة مترددة، إذ كان قلبها يتوق للقائه بينما كان عقلها يواجه ذلك بالرفض، فقالت:
- بس أنا مش هينفع أقابلك.

أردف (آسر) بضجر وحيرة في صوته:
- يعني إيه مش هينفع، أنا لازم أقابلك يا كاتي، أنا جيت كل المسافة دي عشان أشوفك وأتكلم معاكِ.

قالت (كاتي) بحزم ونبرة تهديد:
- أيوة ماينفعش يا آسر، أنت مش خطيبي عشان أقابلك. وعلى فكرة، لو جيت قدامي وحطتني قدام الأمر الواقع، أنا هصوت وهلم عليك الناس.

قهقه (آسر) بسخرية، ثم قال:
- آه، مانتِ مجنونة وتعمليها، طب أنا كنت جايبلك ورد وشوكولاتة كتير، أعمل فيهم إيه دول!

أردفت (كاتي) بنبرة ساخطة وهي تعبر الطريق، كأن كلماتها كانت طلقات:
- بقولك إيه، أنا عديتلك كلامك لما قولت إنك بتختبرني، رغم إني كنت عارفة إنك بتحور عليا، لكن إنك تجيب ورد وشوكولاتة كحجة عشان تقابلني، وكأني هفرح بقى إنك جايبلي حاجات وأوافق أقابلك. بس أنا عمري ما هوافق، لأن أنا مش هبلة زي ما أنت فاكر.

قال (آسر) مُسرعًا، وعينيه تتألق بحماس:
- خلاص، خلاص مش هقابلك. طب، أنتِ فين دلوقتِ؟

أردفت (كاتي) وهي تنظر أمامها، تضع كل تركيزها على الطريق:
- أنا في الشارع اللي فيه الفيلا.

أردف (آسر) بنبرة ماكرة، وكأنها لعبة يتلاعب بها:
- آه، يعني قربتي توصلي!

أكدت (كاتي) على حديثه، ورغم إصرارها، كانت تملك جاذبية غامضة:
- آه، خمس دقايق وأوصل.

قال (آسر) مبتسمًا بمكر، متخفيًا وراء إحدى السيارات:
- طب ينفع توصفيلي الشارع، يعني نتسلى لحد ما توصلي.

أردفت (كاتي) وهي تشرح له بتفاصيل حية:
- بص، الشارع واسع جدًا وزحمة شوية. وأنا دلوقتي بعدي من جنب مدرسة إعدادي، كانت مدرستي لما كنت في إعدادي، وفيه كمان محل ملابس... صمتت لبرهة، وكأنها تعيد شريط الذكريات، ثم أكملت كلامها:
- على فكرة، أنا داخلة على البيت أهو.

قال (آسر) مُسرعًا، وكأن الوقت ينفد:
- طب استني، ماتدخليش البيت.

عقدت حاجبيها، وشعرت بقلق مفاجئ، ثم قالت بنبرة مُندهشة:
- ليه!

أردف (آسر) وهو يتمعن النظر إليها من بعيد، كأنه يحاول قراءة أفكارها:
- ما توصفيلي الفيلا قبل ما تطلعي.

وقفت (كاتي) أمام منزلها تصف له شكله وكل ما يحيط به، وفي تلك اللحظة كان (آسر) يتوارى خلف إحدى السيارات، يراقبها بوضوح بينما هي لا تراه. كان ذهنه منصرفًا تمامًا إلى تفاصيل مظهرها، ولم يكن يستمع إلى ما تتفوه به. تساءل في نفسه عن تلك الملامح البريئة التي تجعلها تشبه الأطفال في عذوبتهم، إذ إنه وقع أسيرًا لجاذبية حديثها الرقيق، الذي أسر قلبه، وجعله يوقن بأنه ينبغي عليه الانتظار لها مدى الحياة، وليس لعامين فحسب.

♕المسافة بيننا♕ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن