" اللون الكهرماني "
في صالة المنزل الهادئة، حيث تخفت الأضواء ليشكل الضوء الشاحب ظلالًا ناعمة على الجدران ، جلست العائلة الصغيرة حول طاولة العشاء. الصالة كانت واسعة ولكنها موحية بالدفء ، بفضل الألوان الترابية والستائر الثقيلة التي تحجب العالم الخارجي . كل شيء يبدو مرتبًا إلى حد الكمال، والهدوء السائد يعكس روتينًا يوميًا تكرّر بلا تغيير.
جلس رودريك في مقعده المعتاد ، وذراعاه مثنيتان أمامه ، عيناه تنظران بصمت إلى الطبق الذي أمامه . كان يقلب الطعام ببطء ، وكأنه يفكر في أمور أبعد من محتوى طبقه . أصابعه تتحرك برتابة دون تركيز، تارة يدفع قطعة من اللحم بعيدًا، وتارة أخرى يقطعها دون أن يأخذ لقمة. وجهه صارم، هادئ كالبحر في الليل ، ولا تصدر منه أي تعابير تثير الحديث أو التساؤل.
ميرا ، زوجته، كانت تتناول طعامها بصمت هي الأخرى . معتادة على هذا المشهد، كأنها جزء من لوحة مرسومة بدقة . حركتها هادئة، غير متكلفة، تراعي كل تفصيل في تناولها الطعام . كانت تحمل الشوكة بسلاسة، ترفعها إلى فمها ثم تعيدها إلى الطبق دون صوت . ميرا تعرف جيدًا كيف تجاري السكون المحيط ، كيف تكون جزءًا منه ، حتى أن تنهداتها تأتي خافتة، متواطئة مع الأجواء الهادئة.
لكن ريمان، الابنة الوحيدة، لم تكن تشعر بالراحة ذاتها . جلست في مقعدها بهدوء ظاهري ، لكن أصابعها كانت تنشغل بشكل متكرر بشعرها الأشقر الذي طالما كان مصدر قلق . كانت تحاول بكل جهدها تثبيت خصلاتها المتمردة ، خائفة من أن يتناثر الشعر على الطاولة أو الأرض، مما قد يثير استياء والدها . عيناها تراقبان تحركاته بحذر ، تعلم جيدًا أن أي شعرة سقطت دون قصد قد تكون كافية لإشعال شرارة الغضب الذي تحاول دائمًا تفاديها . شعرت بضغط داخلي ، وهي تحاول السيطرة على كل خصلات شعرها، وكأن كل خصلة هاربة قد تؤدي إلى كارثة صغيرة.
كل شيء في الصالة كان يوحي بالسكينة ، لكن تلك السكينة كانت تخفي تحتها توترًا غير معلن.
وسط الصمت الذي ملأ الصالة ، قطع رودريك ذلك الهدوء فجأة، واضعًا ملعقته بعناية بجانب صحنه . صدى الصوت الخفيف للملعقة على الطاولة رنّ في الأجواء وكأنّه إشارة إلى بدء شيء خطير . حدّق مباشرة في ابنته ريمان، التي كانت تأكل طعامها بصمت مريب . عيناها الزرقاوان كانتا تنظران إلى طبقها ، لكنّها شعرت بثقل نظرات والدها تلتف حولها. كل شيء في حركاتها كان يوحي بالخضوع إلى النظام الصارم الذي فرضه رودريك على هذا المنزل.
أنت تقرأ
الغَرِيْـــب المِثَاْلِيْ
Romanceفي فترة تتشابك فيها القيود العائلية مع الخوف من المجهول ، تجد ريمان نفسها أمام قرار والدها العسكري الصارم بالزواج من رجل اختاره لها . كانت خائفة، يائسة، محاصرة بأفكار مظلمة عن مصير مشابه لحياة والدتها التي ذبلت في زواج بلا أمل مع رجل عسكري متجبر. تل...