⁴-"جرأة الكَهرماني"

31 4 0
                                    

" اللون الكهرماني "

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

" اللون الكهرماني "


في صالة المنزل الهادئة، حيث تخفت الأضواء ليشكل الضوء الشاحب ظلالًا ناعمة على الجدران ، جلست العائلة الصغيرة حول طاولة العشاء. الصالة كانت واسعة ولكنها موحية بالدفء ، بفضل الألوان الترابية والستائر الثقيلة التي تحجب العالم الخارجي . كل شيء يبدو مرتبًا إلى حد الكمال، والهدوء السائد يعكس روتينًا يوميًا تكرّر بلا تغيير.

جلس رودريك في مقعده المعتاد ، وذراعاه مثنيتان أمامه ، عيناه تنظران بصمت إلى الطبق الذي أمامه . كان يقلب الطعام ببطء ، وكأنه يفكر في أمور أبعد من محتوى طبقه . أصابعه تتحرك برتابة دون تركيز، تارة يدفع قطعة من اللحم بعيدًا، وتارة أخرى يقطعها دون أن يأخذ لقمة. وجهه صارم، هادئ كالبحر في الليل ، ولا تصدر منه أي تعابير تثير الحديث أو التساؤل.

ميرا ، زوجته، كانت تتناول طعامها بصمت هي الأخرى . معتادة على هذا المشهد، كأنها جزء من لوحة مرسومة بدقة . حركتها هادئة، غير متكلفة، تراعي كل تفصيل في تناولها الطعام . كانت تحمل الشوكة بسلاسة، ترفعها إلى فمها ثم تعيدها إلى الطبق دون صوت . ميرا تعرف جيدًا كيف تجاري السكون المحيط ، كيف تكون جزءًا منه ، حتى أن تنهداتها تأتي خافتة، متواطئة مع الأجواء الهادئة.

لكن ريمان، الابنة الوحيدة، لم تكن تشعر بالراحة ذاتها . جلست في مقعدها بهدوء ظاهري ، لكن أصابعها كانت تنشغل بشكل متكرر بشعرها الأشقر الذي طالما كان مصدر قلق . كانت تحاول بكل جهدها تثبيت خصلاتها المتمردة ، خائفة من أن يتناثر الشعر على الطاولة أو الأرض، مما قد يثير استياء والدها . عيناها تراقبان تحركاته بحذر ، تعلم جيدًا أن أي شعرة سقطت دون قصد قد تكون كافية لإشعال شرارة الغضب الذي تحاول دائمًا تفاديها . شعرت بضغط داخلي ، وهي تحاول السيطرة على كل خصلات شعرها، وكأن كل خصلة هاربة قد تؤدي إلى كارثة صغيرة.

كل شيء في الصالة كان يوحي بالسكينة ، لكن تلك السكينة كانت تخفي تحتها توترًا غير معلن.

وسط الصمت الذي ملأ الصالة ، قطع رودريك ذلك الهدوء فجأة، واضعًا ملعقته بعناية بجانب صحنه . صدى الصوت الخفيف للملعقة على الطاولة رنّ في الأجواء وكأنّه إشارة إلى بدء شيء خطير . حدّق مباشرة في ابنته ريمان، التي كانت تأكل طعامها بصمت مريب . عيناها الزرقاوان كانتا تنظران إلى طبقها ، لكنّها شعرت بثقل نظرات والدها تلتف حولها. كل شيء في حركاتها كان يوحي بالخضوع إلى النظام الصارم الذي فرضه رودريك على هذا المنزل.

الغَرِيْـــب المِثَاْلِيْ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن