" اللون البيج "
جلس ثيو متراخياً على أريكة غرفة المعيشة، جسده الكبير مستند إلى الخلف ، ساقاه ممدودتان أمامه بتثاقل، وذراعاه مرتخيتان بجانبيه، بينما عينيه تحدقان في الفراغ أمامه بنظرة عميقة لا يظهر فيها أي تعبير . كان يرتدي قميصاً أسود بسيطاً وبنطالاً رمادي اللون ، لم يكترث لتعديل هندامه ؛ فملابسه بدت عليه عفوية ، غير مرتبة لكنها تعكس شيئاً من غموضه الدائم . كانت ملامحه ساكنة ، تخلو من أي حدة أو شعور ، كأنما تجمدت في حالة من اللامبالاة العميقة.
لكن عقله كان متيقظاً، منشغلاً بشخص واحد ، صوفيا . تلك المرأة التي استطاعت أن تحجز لها مكاناً ثابتاً في أفكاره ، وأزعجته بوجودها حتى حين كانت غائبة . كان يشعر بقلق غير مألوف ينهش داخله ، فقد لاحظ أنها لم تخرج من غرفتها منذ الأمس ، لم تظهر عند الصباح لتشرب قهوتها كما اعتادت ، ولم تجادل أحداً أو تشاكسه كما كانت تفعل يومياً . غيابها بدا وكأنه يسحب جزءاً من حيوية المنزل معه ، خلّفت صمتاً ثقيلاً خلفها . وبرغم محاولاته لإخفاء هذا القلق، كان يشعر أن افتقادها أزعجه بصدق ، يحاول إقناع نفسه بأن الأمر لا يعنيه ، لكنه في أعماقه كان يشعر بأن شيئاً ما غير طبيعي.
لم يمض وقت طويل حتى قطعت أفكاره خطوات خفيفة تقترب منه ببطء ؛ كانت مادلين ، شقيقته الصغرى ، تتقدم نحوه وفي يدها قطع من الجزر تقضمها واحدة تلو الاخرى .قبل أن يمنحها الفرصة للإزعاج أو التعليق ، رمت بنفسها عليه بعفوية، جسدها النحيل احتل أحضانه ، وضعت رأسها على صدره ، كأنها تبحث عن الأمان بين ذراعيه . شعر بثقلها الخفيف، وردّ بشكل لا إراد يمدّ ذراعه حولها يحتضنها برفق ، يده تمر على خصلاتها البنية برفق ، يطمئنها بلمساته دون أن يقول شيئاً.
بينما كانت تستقر في حضنه ، لم يستطع ثيو تجاهل ذلك الجرح الذي توسط عنقها، وقد كان مضمدًا بعناية ، رغم أن بقع الدم بدأت تظهر على الضماد ، ما جعله يعبس قليلاً . بنبرة تحمل شيئاً من القلق الواضح ، سألها بهدوء ، دون أن ينظر مباشرة إلى الجرح ، محاولاً أن يبقي نبرته محايدة "مادلين… ماذا حدث لعنقك ؟ يبدو أسوأ من المرة الماضية."
تنهدت مادلين وهي تتظاهر بعدم الاكتراث ، أجابت بتلقائية"لا تقلق ، فقط تورم صغير" لكن ثيو لم يقتنع ، نظر إليها نظرة عميقة تفضح قلقه الحقيقي لِيردّ بحزم "مادلين، الجرح حين يتورم لا ينزف كلانا يعرف هذا فأخبريني الحقيقة."
أنت تقرأ
الغَرِيْـــب المِثَاْلِيْ
Romanceفي فترة تتشابك فيها القيود العائلية مع الخوف من المجهول ، تجد ريمان نفسها أمام قرار والدها العسكري الصارم بالزواج من رجل اختاره لها . كانت خائفة، يائسة، محاصرة بأفكار مظلمة عن مصير مشابه لحياة والدتها التي ذبلت في زواج بلا أمل مع رجل عسكري متجبر. تل...