¹³-" بدايات غَيِر "

11 3 0
                                    

" اللون العاجي"

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

" اللون العاجي"

وقفت مادِلين أمام الباب الخشبي المتهالك في المجمع الشعبي بأطراف لندن ، أنفاسها تتصاعد بخفة في الهواء البارد . كانت تمسك في يدها ورقة مطوية بحذر ، تحمل العنوان الذي حصلت عليه بشق الأنفس ، بعد سلسلة من المحاولات والرشاوى والرسائل الملتوية التي أوصلتها أخيراً إلى هذا المكان المجهول ، حيث يقيم ذلك الرجل الغريب الذي ظل لغزاً عالقاً في ذهنها.

كانت تبدو مختلفة عن محيطها ، ذات هيبة هادئة في طلتها الشتوية. كانت ترتدي معطفاً طويلاً من الصوف الرمادي الداكن ، أزراره مثبتة بعناية ، يحيط بها وشاح من الكشمير ، لونه يتماشى مع لون نظارتها الطبية ذات الإطار الوردي الباهت الذي يضفي عليها لمسة من النعومة غير المعتادة . كانت عيناها مختبئتين خلف زجاج النظارات ، لكنه لم يكن حاجزاً ليخفي التوتر الذي يتلألأ فيهما . نظراتها متوترة ، عميقة وثابتة، تخفي تحت الجدية قلقاً خفياً يختبئ خلف جمود تعابيرها ، وكأنها لا تريد لأحد أن يلاحظ اضطرابها.

شعرها الداكن كان مرفوعاً بعناية ، خصلاته مُثبتة بتأنٍ في تسريحة مرتفعة ، تظهر عنقها النحيل وتضفي عليها مظهراً متقناً

وقفت بضع لحظات تتأمل الباب ، كما لو كانت تزن خطواتها الأخيرة، ثم تقدمت ببطء ترفع يدها لتدق على الباب . جاءت دقاتها منخفضة، محسوبة ، توازن بين الخوف من انكشاف أمرها وفضولها المتقد للقاء هذا الرجل الغامض . كان الجو مشحوناً بالانتظار ، نبضات قلبها ترتفع بتوتر خفيف ، تعرف أن هذا اللقاء قد يكون مفترق طرق في حياتها .

بقيت واقفةً، تُحدّق في الباب بعينين متوترتين خلف نظاراتها، تنتظر الرد الذي سيقلب الكثير من الأوراق ، تفكر فيما ستقوله، وتحاول كبح الارتجاف الخفيف في أصابعها بينما تشد يدها على الورقة ، تتشبث بأملٍ غامض وسط صمت المبنى القديم .

لم تكد مادِلين تنهي دقاتها الهادئة حتى انفتح الباب ببطء ، لتظهر خلفه امرأة لم تتوقعها . كانت امرأة جميلة بطريقة غير تقليدية ، تعبق منها هالة من الفوضى الساحرة ، وكأنها خرجت للتو من ليلة طويلة بلا نوم . شعرها الأسود متوسط الطول كان مبعثراً بعشوائية فوق كتفيها، يتدلى بخصلات غير مرتبة تنسدل حول وجهها الشاحبروي قصة من التعب والغموض. عيناها، رغم اتساعهما المرهق، كانتا تلمعان بنظرة تحمل شيئاً غامضاً وكأنه سر دفين. أسفل عينيها، كان الكحل الأسود قد لطخ وجهها بآثار داكنة، تضفي على ملامحها مزيجاً من الحزن والجاذبية المخيفة.

الغَرِيْـــب المِثَاْلِيْ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن