¹⁰-"غير جَلِيْ "

26 5 0
                                    

"الأصفَر المُشِمِس "

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

"الأصفَر المُشِمِس "

كانت الغرفة هادئة بشكل بارد ، وكأنها متجمدة في زمن آخر . الجدران الكلاسيكية العتيقة بطلائها الباهت وأثاثها الثقيل المكسو بالقماش الداكن ، خلقت جوا من الجمود ، وكأن المشاعر لم تعرف لها طريقًا قط الضوء الخافت القادم من النافذة الضيقة يسلط شحوبا على ملامح المكان ، ولم يكن هناك سوى صمت مهيب يملأ الأجواء ، كأنه شاهد على أسرار غير معلنة.

في هذه الغرفة الخالية من دفء الحياة ، وقفت مادلين أمام المرآة انعكس ضوء المصباح الكلاسيكي الخافت على وجهها الشاحب لتبدو ملامحها وكأنها منحوتة في رخام أبيض بارد . كانت تمرر أناملها بحذر فوق الجرح الذي يمتد على طول عنقها ، مرهمها الطبي يترك أثرًا لامعًا على الجلد الذي يبدو وكأنه يحمل قصة مخبأة . كانت تتنفس بعمق، محاولة السيطرة على الألم الذي كان يسري على طول عمودها الفقري، يشبه تيارا كهربائيا خفيفًا يخترق عظامها . كان الجرح عميقًا ، يخترق منطقة خطيرة من العنق ، ندبة تركها ذلك اليوم الذي لن تنساه . تذكرت كيف حدث ذلك المجهول الذي داهم غرفة إحدى المرضى الخاصة بها في المستشفى حركته السريعة ، عيناه الباردة ، والتهديد الذي أطلقه بصوت كان يحمل بين ثناياه القسوة والجنون عندما أمسك بها و هددها بأنه سيقتلها حين لم تخضع له ، بل واجهته بشجاعة لم تعرف أنها تَمِلُكها حتى .

لم يكن جوابها متوقعا ، لكنه لم يُثِنه . فكانت النتيجة جُرحًا طويلا يمتد على طول عنقها ، علامة دائمة على تلك اللحظة ، على تلك المواجهة التي لن تمحى من ذاكرتها ؛ تململت وهي تمرر أصابعها على الندبة، كأنها تحاول محوها أو على الأقل أن تخفيف من حدتها . شعرت بأن الألم لم يكن جسديا فقط ، بل كان هناك شيء أعمق شيء في داخلها قد انكسر أو تغير، ولم تعد متأكدة من أنها قادرة على استعادته
تنهدت مادلين بخفة، وكأنها تحاول أن تخرج معها كل المشاعر العالقة في أعماقها، كل الذكريات التي تراكمت في تلك الغرفة الصامتة ، الباردة الخالية من أي حياة حيث أخذت نفسا عميقًا، محاولة السيطرة على إحساس غريب بالإرهاق الذي سكن أعماقها ، لِتتوجه نحو المطبخ حيث الضجيج يرتفع ، والأحاديث المتداخلة تتناثر في الهواء . كانت الأصوات تملأ المكان ، كأنها موجة تجتاحه دون أن تترك أي مساحة للهدوء ، وهو شيء لم يناسبها لا جسديًا ولا روحيًا . كانت امرأة هادئة ، انطوائية بطبيعتها، تفضل العزلة على الصخب ، وتتعلق براحة الصمت بدلًا من فوضى الأحاديث العالية. شعرت وكأنها ضائعة في بيتها ، وكأن المكان لم يعد يحتضنها كما كان من قبل.

الغَرِيْـــب المِثَاْلِيْ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن