" أنا قذِر، قذِرٌ بلا حدود، لذلك أصرخُ كثيرًا بشأن الطهارة "
- فرانز كافكا -
_____________________
طاولةٌ مُتوسطة الحجم تفصِل بين كرسيين خشبيين،يتدلى من السقفِ مصباح مشنوق يتحرك جيئةً و ذهابًا وكأنَّه يلفظ نوره الخافِت الأخير الذي ينثر بذور التوتر في المكان، جلسَ بأريحية على كرسيه أيكأنَّهُ يُخبرها بطريقةٍ غير مباشرة بأنها في عرينه وأيُ حركة منها ستُحسب ضدها، لطالما كان بارعًا في مُمارسة طقوس الضغط النفسي التي تجعل من ذوي الاعصابِ الجليدية فاقدين لربَاطة جأشهم ..
يُلاعِب حجر الوزير بين أنامله الرفعية وكأنه يخبرها بطريقة غير مباشر أن خيوط اللعبة بيده طالما يحرك أهم قطعةٍ في الرقعة كيفما إبتغى..
بحاجبين مقترنين اخذت تفرك معصميها اللذانِ لم يسبق لهُما أن جربا الأساور فما بالُك بالأصفادهمَّ أن يقطع خيطَ مراسم التحقيق بسُؤاله الأول قبل أن يُفتح الباب ليظهر من خلفِهِ اللواء، رفع سام حاجبَهُ مُتسائلًا بينما أغلق هو الباب واستند عليه، اطبق جفنيه بقوة في محاولة لكَبحِ جِماح غضبه فهو يمقت أن يتدخل أحدٌ في عمله أو أن يقطع عليهِ خلوته مع المُتهمين مهما كانت صفة هذا الشخص أو رتبته بالنهاية سيحشره في خانة المتطفلين.
زفر بضيقٍ متجاهلًا وجوده وبدأ بطرح الاسئلة الروتينية المُباشرة ..
- شُوهِدتِ وأنتِ تترددين على بيوت الضحايا؛ ما العلاقة التي جمعتكِ معهم؟
- الصمت -
- لما قتلتِهم؟ كيف قتلتِهم؟
- بملامِح باردة ترمق الفراغ وتحتمي بدرع الصمت
ابتسم بِخفة بينما تمتم في قرارة نفسه :" تلتحفين عباءةَ الصمت ؟ زمهريري سيقتَلعُها من فوق ظهرك عُنوةً لا تقلقي!
فتحَ فمه ليُكمل باقي الأسئلة قبل أن تُقاطِعه كفُّ اللواء التي ارتطمت بالطاولة على حينِ غرة هاتفًا بحنق :" صمتكِ لن يُفيدك يا هذه! قتلكِ للضُباط الأكفاء لن يمر مرور الكرام،أنصحكِ بالإعتراف فلرُبما هذا يُخفف من وطأة العقوبة قليلًا!
وقف سام وابعدَه عنها هامسًا في أُذنه :" سيدي! إن كُنت لم أعقب على إقتحامك لغُرفة التحقيق فهذا لا يعني أن تتمادى حدَّ ان تتدخل في مسارِه، لم نتفق على شيءٍ كهذا! كما أن المُتهمة لم تعترف ولم تثبت عليها التهمة بعد وهذا ما يجعلها بريئة إلى هذه الساعة !
اشاحَ بِبصره عنه عائدًا لمكانه لكن رنين هاتفه اوقفه، أخرجه من جيبِ المعطف مُجيبًا :
- مرحبًا .. ماذا؟ متى حدث هذا؟!
- حسنًا حسنًا .. سآتي على الفور ..لاحظَ سام كيف تغيّرت ملامح اللواء واسوَّدت فجاةً وقبل أن يستفسر عن الخبر الذي سمعه باغته وتخطاه كزوبعةٍ مُهتدية إلى مسارِها، أمسكَ بتلابيب لوست بقوة صارخًا بوجهها :" لم يعُد يهمني إعترافكِ البالي ولا اسبابُكِ الواهية، الضابط السادس توفي صباحَ هذا اليوم اثر جلطةٍ قلبية "
أنت تقرأ
فُرقانٌ قانٍ
Storie breviفتحتُ كتابي لأجد شرخًا في أول صفحاته فضحكتُ ساخرًا من جمال البدايات ..