بعد انتهاء العزاء، البيت الكبير استعاد هدوءه المعتاد. الجميع تجمعوا في غرفة الجلوس الرئيسية، وكل واحد منهم كان غارق في أفكاره. سلمان جلس في صدر المجلس، بنظرته الجادة والثابتة اللي تعودوا يشوفونها دايمًا. خالد كان جالس جنبه، لكن كان واضح إنه يحاول يبقى هادئ، وبين فترة وفترة يبتسم ابتسامة خفيفة توحي بأنه يحاول يخفف من توتر الجو. أما تركي، فكان قاعد بعيد، واضح عليه الارتباك، وما يعرف كيف يتعامل مع الوضع الجديد بعد وفاة الوالد.
نورة، ، كانت جالسة جنب تركي، عيونها تراقب كل ولد من عيالها بحذر، وتحاول تطمن عليهم، رغم الحزن اللي كان يغطي وجهها. الجو كان مشحون بالصمت، حتى إن الهواء في الغرفة كان ثقيل. سلمان، بهدوءه المعهود، كسر الصمت وقال بنبرة صارمة ومليئه بالمسؤولية: "تركي، الأمور تغيرت. حياتك اللي قبل... حياة اللعب وقلة الأدب، تنساها. الحين خلاص، من المدرسة للبيت، ما في طلعات إلا الجمعة، وطبعا لازم تستأذن أول. بعدها، أفكر إذا ينفع أو لا."
تركي رفع عيونه لسلمان، وكان واضح عليه إنه متفاجئ من التشديد المفاجئ. قبل ما يتكلم، خالد دخل الحوار بنبرة أخف، محاولًا يخفف من حدة الكلام: "ترا يا تركي، الحين ما تقدر تتحرك من غير موافقة كبيرة العيلة." وابتسم لمحاولة تخفيف الأجواء.
تركي، اللي كان مشدود وما عارف كيف يرد، قال وهو يلتفت لخالد: "إنت متعود على هالشي، أنا ما تعودت."
خالد ضحك ضحكة خفيفة وقال: "يا تركي، مو بالسهولة اللي تتخيلها. بس خذها بروح رياضية، مع الوقت تتعود. مو كأني أنا الي عندي شوية حرية بعد؟"
سلمان، اللي كان جالس بنظرة جامدة، ما تعود يترك الأمور تعدي بسهولة، التفت لخالد وقال بنبرة باردة لكنها مليانة توبيخ: "هذي الفترة مخليك تطلع على كيفك، وتقول ما عندي حرية؟ تحمد ربك إني مخليك تطلع من الأساس."
خالد حس إن الكلام موجه له بشكل شخصي، لكنه حاول يمتص الموقف، وابتسم ابتسامة خفيفة وقال: "يا طويل العمر، قصدت إنك دايمًا موجود وتدبر الأمور، وإحنا تحت جناحك. ما اعترضت."
سلمان مال برأسه شوية وقال بحزم: "ما هو اعتراض يا خالد، لكن لازم تعرف إن الحرية اللي إنت تشوفها ما تجي بالساهل. أنا ما شفتها إلا بعد ما خسرت كثير، ولازم تعرف إن كل شيء له حساب."
خالد سكت لحظة، بعدين رد بلهجة أخف وأكثر احترام: "فهمتك، يا سلمان. وأنا دايمًا معك في أي قرار تاخذه."
نورة، اللي كانت تحاول تحافظ على هدوء تركي، نظرت لسلمان بقلق وقالت: "يا ولدي، تركي لسه صغير على هذي المسؤوليات. لازم شوي شوي عليه."
سلمان رد بهدوء، لكن نبرته كانت واضحة وصارمة: "أمي، تركي مو صغير. هو رجال ولازم يتحمل. اليوم أو بكرة، لازم يعرف كيف يتعامل مع هالحياة."
