بدايه الصدام

10 3 0
                                    

بعد أيام قليلة من وصول ليلى إلى القصر، بدأت تتعرف على الروتين اليومي وعلى طبيعة العمل الذي يجب عليها إنجازه. قصر القيسي كان ضخماً وفاخراً، وتحكم فيه النظام والالتزام بكل تفصيل. كان كل شيء في مكانه، كل شيء نظيف ومتألق، تماماً كما يحب آدم القيسي أن يرى عالمه.

مع مرور الوقت، لاحظت ليلى أن معظم الخدم يعملون بصمت، يخشون الاقتراب من السيد آدم أو التحدث معه إلا عند الضرورة القصوى. كان اسمه يتردد همساً في الأرجاء، كأنه شخصية غامضة تخيف الجميع. لم تكن ليلى تدرك لماذا كل هذا الخوف، لكنها شعرت بشيء غريب منذ اللحظة الأولى التي دخلت فيها القصر. الأجواء كانت ثقيلة، مليئة بالتوتر الصامت، وكأن هناك أسرار دفينة تخفيها الجدران.

في يوم من الأيام، وبينما كانت ليلى تعمل في جناح السيد آدم، دخلت لتنظيف مكتبه الواسع. على الجدران، كانت الصور العائلية تطغى، لكن صورة والدته الراحلة كانت تحتل الصدارة. كان واضحاً أن لهذه السيدة مكانة خاصة في قلب آدم، رغم مظهره البارد. بينما كانت ليلى تحاول ترتيب الأوراق الموجودة على مكتبه، أسقطت عن طريق الخطأ مزهرية فاخرة من الرخام كانت هدية من والدته. تناثر الزجاج على الأرض في مشهد صادم، وقبل أن تتمكن من استيعاب ما حدث، دخل آدم الغرفة.

نظراته كانت مميتة. توقف عند الباب للحظة، يحدق في الفوضى التي حدثت للتو. في تلك اللحظة، كانت ليلى تشعر بأن العالم توقف حولها. عرفت فوراً أن المزهرية تحمل قيمة عاطفية كبيرة، وأنها ارتكبت خطأً لا يغتفر. حاولت بسرعة أن تعتذر، لكن الكلمات لم تخرج كما يجب. كان آدم يقف هناك، ينظر إليها بنظرة قاسية لم ترها من قبل.

"هل تعرفين ماذا فعلتِ؟" قال آدم بصوت منخفض، لكن محملاً بالغضب المكبوت.
ليلى حاولت أن تتحدث: "أنا آسفة، لم أكن أقصد... سأصلحها...".
لكنه لم يسمح لها بإكمال جملتها. "هذه ليست مجرد مزهرية. إنها الشيء الوحيد المتبقي لي من والدتي. كيف تجرؤين على التعامل مع ممتلكاتي بهذه الفوضوية؟".

الغضب في صوته جعل قلب ليلى يخفق بسرعة. لم تكن معتادة على أن تُوبّخ بهذا الشكل، خاصة أنها لم تقصد الخطأ. ومع ذلك، كان هناك شيء ما داخلها، شيء جعلها لا تستطيع الوقوف بصمت أمام كلماته الجارحة.

"أعتذر مجددًا، لكنني لم أفعل ذلك عن قصد. والأشياء يمكن تعويضها، السيد آدم، لكن الكلمات القاسية تترك أثراً لا يزول." كانت كلماتها مليئة بالهدوء، رغم شعورها بالخوف.

آدم حدق فيها بصمت، وكأن كلماته توقفت في حلقه للحظة. لم يتوقع أبدًا أن ترد عليه بهذا الشكل، خاصة أنها خادمة جديدة. اعتاد أن يرى الخدم ينحنون أمامه ويتجنبون النظر في عينيه. لكن ليلى كانت مختلفة، كانت ثابتة، حتى في وجه غضبه.

بعد لحظات من الصمت المشحون، ترك آدم الغرفة دون أن يرد عليها بكلمة أخرى. ترك ليلى تقف وحدها وسط الفوضى، لكنها كانت تعلم أن الأمور لن تكون سهلة بعد هذا اليوم.

نبضات خلف الاقنعهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن