اللعب بالنار

3 2 0
                                    

بعد تلك الليلة، تغير كل شيء. لم تعد ليلى نفس الخادمة الهادئة التي كانت تحاول أن تنجو من يومها دون أن تلفت الانتباه. كانت تشعر بأن كل خطوة تخطوها في القصر تحت المراقبة. آدم لم يعد ينظر إليها كما كان من قبل. نظراته كانت أكثر حدة، وكأنها تشعل نيرانًا خفية بينهما. كان يراقبها باستمرار، ليس فقط بعينيه، بل بكل حواسه.

لم يكن يقترب منها دائمًا، لكنه كان يظهر في أماكن غير متوقعة، وكأن وجوده يحيط بها من كل جانب. في الممرات في الحديقة الخلفية وحتى في المطبخ أحيانًا، كان آدم يظهر فجأة واقفا هناك بنظرته الحادة التي كانت تجعلها تشعر بأن الأرض تضيق تحت قدميها. كان يعلم كيف يستخدم وجوده لإثارة القلق فيها، وكأنه يستمتع بمشاهدتها وهي تحاول التماسك أمامه.

لكن ليلى لم تكن تعرف ماذا تفعل. كانت تشعر بأنها في دوامة لا تستطيع الخروج منها. كل يوم كان يبدو أطول من الذي قبله، وكل لحظة تمضي كانت تزيد من شعورها بالانجذاب والخوف في آن واحد. كانت تشعر بأن هناك لعبة تجري بينها وبين آدم، لكنها لم تكن تعرف القواعد، ولم تكن متأكدة من أنها تستطيع الفوز فيها.

في إحدى الليالي، بينما كانت تتجول في الممرات بهدوء، شعرت بشيء غريب في الجو كان القصر هادئا للغاية، أكثر مما ينبغي. ثم سمعت صوت خطوات قادمة من خلفها توقفت للحظة مترددة ثم استدارت ببطء.

كان آدم يقف هناك يراقبها من الظلام. عيونه كانت تلمع في ضوء القمر الذي يتسلل من النوافذ. لم يقل شيئًا، لكنه اقترب منها بخطوات بطيئة وثابتة، وكأن كل خطوة كانت محسوبة بعناية.

"كنت أعلم أنك ستكونين هنا." قالها بصوت منخفض، لكنه كان مشحونا بشيء غامض.

شعرت ليلى بقلبها يخفق بعنف. لم تكن تعلم ماذا يريد منها هذه المرة، لكن شيئا في تصرفاته كان مختلفًا. كان يبدو أكثر هدوءًا، لكنه هدوء يعبر عن عاصفة تحت السطح.

"لماذا تتجنبينني، ليلى ؟" قال آدم وهو يقترب أكثر، حتى أصبح على بعد خطوات قليلة منها. "هل تخافين مني ؟"

ابتلعت ريقها بصعوبة. لم تستطع إنكار ذلك، لكنها كانت تعرف أن الإجابة التي ينتظرها ليست ببساطة "نعم". كان يريد منها شيئًا آخر شيئًا أعمق.

"أنا لا أتجنبك سيدي" قالت بصوت خافت، لكن آدم لم يكن مقتنعًا.

آدم لم يتحرك خطوة أخرى، بل وقف على بعد خطوة واحدة منها، وكأن كل شيء متوقف في هذه اللحظة. كان الجو مشحونا بينهما، أنفاسهما تسمع بوضوح في صمت القصر الكبير. لم تكن ليلى تعرف كيف تفسر تصرفاته، لكنها شعرت بأن كل ما كان يفعله يحمل مغزى أعمق، كما لو كان يختبرها.

" أتعلمين؟ قال آدم بصوت هادئ، لكنه كان يقطر بالقوة. "لقد اعتدت على التحكم بكل شيء. بكل شخص. لكنك، ليلى... أنت مشكلة."

شعرت ليلى بأن قلبها ينبض بشكل غير طبيعي. ماذا يعني بكونها مشكلة ؟ هل يعتبرها تهديدًا؟ أم أنه شيء آخر؟ كان آدم دائمًا غامضًا بطريقة تجعل من الصعب فهمه. لم تكن تعلم ما إذا كانت كلماته تلميحا بشيء أعمق أم تهديدًا مخفيا.

قبل أن تتمكن من الرد، تحرك آدم بسرعة أكبر مما توقعت أمسك بيدها بقوة وسحبها لتقف أمامه مباشرة. كانت مفاجأتها واضحة، ولم تستطع إخفاء ارتجافة صغيرة في يديها. كان قريبًا جدًا، لدرجة أنها شعرت بحرارة جسده تخترق جسدها. كان يحدق في عينيها بشدة، وكأن كل أسرارها مكشوفة أمامه.

" أنت تتجنبينني لأنك تخافين من هذا." همس، وهو يرفع يدها ببطء ليضعها على صدره على قلبه النابض بشدة. تشعرين بهذا، أليس كذلك؟ القوة. السيطرة."

كانت ليلى متجمدة في مكانها. كل حواسها كانت مركزة على تلك اللحظة. كان قلبه ينبض بقوة لكنه كان ينبض بقسوة أيضًا، وكأن تلك القوة التي يتحدث عنها تغلي في داخله. شعرت بأنها مشدودة بين قوة غير مرئية بين رغبة في الهروب ورغبة في البقاء في معرفة المزيد عن هذا الرجل المعقد والغريب.

"هل تريدين الهروب ليلى؟" سألها بصوت منخفض، وهو ينظر في عينيها بعمق. "أم أنك تريدين البقاء ؟"

لم تستطع ليلى التحدث. كان صوتها محبوسًا في حلقها. كان السؤال الذي طرحه يعكس كل التوتر الذي كانت تشعر به. هل هي خائفة حقا؟ أم أن هناك شيئا آخر يدفعها للبقاء ؟

آدم لم ينتظر إجابة. كانت عيناه تفضح كل ما يدور في ذهنه، وكانت يده التي لا تزال تمسك بيدها تضغط بقوة أكثر. "لا بأس، ليلى. أعرف أنك لا تستطيعين المقاومة. كل شيء في داخلك يقول لك أن تقاومي، لكنك لا تستطيعين. لأنك تشعرين بنفس الشيء الذي أشعر به "

كانت كلماته تتردد في عقلها كصدى بعيد كانت تشعر بأنها غارقة في دوامة من المشاعر المتضاربة، لكن ما جعل الأمر أكثر تعقيدا هو أن جزءا منها أراد تصديق كلماته. جزء صغير داخلها كان ينجذب لتلك القوة الغامضة التي يملكها آدم.

"أنت ملكي، ليلى." همس بصوت يحمل وعدًا خفيًا. و"ستكونين دائما كذلك."

في تلك اللحظة، شعرت ليلى بأن كل شيء حولها ينهار. لم يكن هناك طريق للعودة الآن. كان آدم قد أحكم قبضته عليها، ليس فقط بجسده، بل بعقله وقلبه. كان يعرف كيف يتحكم بها، وكيف يجذبها إلى عالمه. لم يكن هناك مهرب.

لكنها، رغم كل شيء، لم تستطع أن تقاوم.

نبضات خلف الاقنعهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن