الفصل التاسع: الصبر في زمن الألم

17 9 5
                                    


وقفت أسيل أمام فؤاد، تحدق في عينيه الزائغتين، وكأنها تبحث بين سطور نظرته عن الحقيقة. كان فؤاد يتنفس بصعوبة، وكلما حاول التركيز في ذكرياته، كانت تبدو عليه علامات الألم والخوف. تطلعت ليلى إليه هي الأخرى، وهي تضغط على يديها في قلق.

قالت أسيل بصوت متهدج: "فؤاد، أرجوك، ركز. أين كان الجميع؟ هل كانوا في المنزل؟"

أغلق فؤاد عينيه، وحاول أن يتذكر. ولكن كل ما واجهه كان فوضى من الصور المتداخلة في رأسه، ووجوه مشرقة تحت ظلال الفجر المتفجر. ضرب رأسه بيده، وكأن الألم سينقذه من غموض الذكريات.

ثم فتح عينيه ونظر إلى أسيل قائلاً بصوت مرتعش: "لا... لا أعرف... لم نكن معًا. لقد أتيت إلى المنزل وعندما وصلت إلى الباب... يبدو أن الانفجار حصل... وها أنتِ ترين حالتي الآن."

اهتز صوت فؤاد وكأنه يوشك على البكاء، بينما كانت أسيل تشعر أن الأرض تتهاوى تحتها. لم تدرِ ما إذا كانت ستواسيه أم أن عليها أن تسأله مجددًا. كانت كل لحظة تضغط عليها بشدة، وهي لا تدري إن كانت ستجد الإجابة التي تطمئن قلبها أم أن الغموض سيزداد.

انفجرت ليلى فجأة بحالة من الهستيريا، عيناها تلمعان بالدموع وكلماتها تتساقط منها مثل شظايا لا تتوقف: "لم تكونوا معًا؟! إذًا أين ذهبوا؟ أمي... أبي... سامي... أين سنجدهم؟! لا يوجد اتصال! لا نعرف أين ذهبوا أو ماذا حصل معهم! كيف سنصل إليهم؟ ماذا لو... ماذا لو حصل لهم شيء؟!"

صوتها كان يزداد حدة مع كل كلمة، وكأنها تضرب بها الجدران الفارغة التي تحيط بهم، بينما يملأ الرعب قلبها. نظرت إلى فؤاد، الذي كان لا يزال مكسورًا وملامحه تعكس حالة من الضياع، وأضافت وهي تكاد تختنق: "انظري لفؤاد... كيف وجدناه... لقد انتُشل من الموت بأعجوبة! ما الذي حصل لهم؟!"

كانت أسيل تحاول السيطرة على رجفتها، لكنها لم تستطع مقاومة الشعور بالضغط الذي يمزق قلبها. نظرت إلى ليلى بألم، ثم اقتربت منها، ووضعت يديها على كتفيها المرتعشين محاولة تهدئتها، وقالت بصوت متقطع ولكنه مليء بالأمل: "لا... لا، لم يحصل لهم شيء. أنا متأكدة. لو حصل شيء، كنا سنشعر... أليس كذلك؟! ألا يقولون إن الإنسان يشعر بأحبائه؟"

توقفت لوهلة لتجمع ما تبقى من شجاعتها، ثم تابعت بصوت يحمل قسوة الإصرار: "أنا متأكدة، لم يحصل لهم شيء. الله سيحميهم، لقد استودعتهم في حفظه، وأنا واثقة أنهم بخير."

لكن رغم كلماتها، كانت الدموع تلمع في عينيها، تدور في دوامة من اليأس والأمل، وهي تحاول أن تتمسك بإيمانها أمام كل هذه الفوضى. كانت تلك الكلمات، رغم هشاشتها، تمثل الخيط الأخير الذي يتمسكون به جميعًا في مواجهة المجهول.

-----------------

فلاش باك: قبل ساعات

في زحمة الشارع، تلاشت الأصوات بشكل متسارع، وتحولت الفوضى إلى صرخات مرعبة. كانت أم فؤاد، في منتصف الأربعينيات من عمرها، تنظر حولها في ذعر، قلبها ينبض بسرعة غير طبيعية. حاولت السيطرة على نفسها، ولكن مشاعر القلق والحيرة كانت تغمرها كالأمواج. "أين هم؟!" تمتمت في نفسها، وقد تركزت كل أفكارها على أبناءها.

احلام تحت الركامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن