الفصل الحادي عشر: احلام من القماش

11 6 0
                                    

عندما كان أبو فؤاد في حيرةٍ من أمره، يتساءل إلى أين سيذهبون، فكر في الخروج خارج حدود المدينة، لكنه أبعد هذه الفكرة عن رأسه حين تذكر الوحوش والضواري التي تعيش في الخارج، لطالما كان حاجز المدينة حمايةً لهم منها، إذاً إلى أين يمكن أن يذهبوا؟ نظر أمامه إلى جموع الناس، بعضهم يتجه شرقاً، وآخرون غرباً، يسلكون طرقاً متعاكسة تعكس حيرتهم أيضاً، ومنهم من افترش ركام منزله، محاولاً بناء حياة جديدة من ذلك الركام.

فجأة، لمح أبو فؤاد جاره مصطفى اقترب منه، وبعد السلام قال له مصطفى إنه قرر الذهاب إلى شاطئ البحر، حيث يجلس الناس وينصبون الخيام فبحسب اعتقادهم، الانفجارات أصابت المباني فقط، ولهذا يجب عليهم الابتعاد عنها، وليس لهم سوى التوجه نحو الشاطئ. اعترض أبو فؤاد قائلاً: "لكننا في فصل الشتاء، كيف يمكن لخيمة أن تحمينا من الأمطار الغزيرة والبرد القارس؟"

رد عليه مصطفى قائلاً: "هذا هو السبيل الوحيد أمامنا الآن، والله يدبرنا فيما بعد، الكثير من الناس هناك، وأن تكون مع الجماعة في مواجهة الصعاب خير من أن تكون وحدك."

سكت أبو فؤاد قليلاً، ثم قال لمصطفى: "حسناً، سوف أصلي صلاة الاستخارة، ثم أقرر."

فقال له مصطفى: "على بركة الله، أنا ذاهب الآن، وسأحجز لك بجانبي حتى تقرر."

وقف أبو فؤاد، وحمد الله أنه دائماً ما يبقى على وضوء، ثم افترش سجادته وصلى ركعتين بنية الاستخارة ثم سلم ثم دعا دعاء الاستخارة : ""اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (ان اذهب انا وعائلتي الى شاطيء البحر هربا من هذه الانفجارات) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي و بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به."

بعد أن انتهى أبو فؤاد من دعائه جلس مستغفراً الله تعالى ثم وقف وقد عزم أمره .

ذهب أبو فؤاد إلى المكان الذي تجلس فيه عائلته، ونظر إلى وجوههم واحدًا تلو الآخر، تنهد بعمق ثم قال لهم: "سنذهب إلى شاطئ البحر، الجميع هناك ينصبون الخيام، يقولون إن هذه المنطقة الوحيدة البعيدة عن المباني، لذلك علينا التحرك الآن."

اعترضت ليلى بخفوت وأدب، وهي تعلم أنها تحدث والدها، قائلة: "لكن أبي، هل قلت خيام؟ بعد كل هذا التطور، كل هذا البنيان، كل هذه الرفاهية، هل سنعيش في خيمة لن تقينا برد الشتاء ولن ترحمنا من حر الصيف؟"

رد عليها الأب بحنان، قائلاً: "ابنتي الذكية، انظري حولك، هل بقي تطور؟ هل بقي عمران؟ المباني تهدمت، وفي كل دقيقة ينفجر مبنى جديد في المدينة، حاصدًا معه أرواح الناس. الروبوتات تعطلت بسبب انفجار مبنى مركز المدينة المسؤول عن تشغيلها، لذلك لا يوجد حتى أحد لحفظ النظام، المدينة في فوضى والانفجارات لا تتوقف. أعلم أنكم غير معتادين على هذه الحياة، والحقيقة، لا أحد معتاد، وقد لا نعتاد حتى في المستقبل. ستظل صعوبات كثيرة تواجهنا، لكن هذا هو الحل الوحيد الآن لكي نحافظ على أماننا، لهذا نحن مجبورون على ذلك، ونسأل الله أن يقوينا جميعًا لكي نجتاز هذه المحنة معًا."

احلام تحت الركامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن