8 "الخضوع الأول"

4.4K 18 0
                                    

مرّت الأيام على حسناء ببطءٍ ثقيل، كأن الزمن توقف في تلك الغرفة الملعونة. كل لحظة كانت تجسد الألم، وكل ساعة كانت تخبرها أن الهروب من هذا الجحيم يكاد يكون مستحيلًا. كانت ترى في عيني ألبرتو سادية لا تنتهي، كان يتلذذ في تعذيبها يومًا بعد يوم، يحول جسدها إلى ساحة لمعاركه النفسية وجنونه الفنّي. ومع ذلك، في قلب هذا الظلام الذي لا نهاية له، كانت هناك شرارة صغيرة، واهنة، لكنها ترفض أن تموت.

استيقظت حسناء من نومها المضطرب لتجد نفسها مرة أخرى مقيدة إلى السرير. كانت الجروح القديمة قد التأمت جزئيًا، ولكنها لم تكن تشعر بشيء سوى الثقل في جسدها، وثقل أكبر في روحها. عينان متعبتان تتجولان في أنحاء الغرفة، الجدران الرمادية، اللوحات المشوهة التي علّقها ألبرتو حولها وكأنها تذكار للعذاب الذي مرّت به. كل زاوية في الغرفة كانت تحمل ذكريات مرعبة. لكنها كانت تعلم أن هذا ليس النهاية.

دخل ألبرتو إلى الغرفة بهدوء، عيناه الباردتان لم تفارقانها. في يده، كان يحمل فرشاة صغيرة ولوح ألوان. وقف أمامها، ناظرًا إليها كأنها مجرد قماش ينتظر أن يُستغل مرة أخرى. "كيف حالكِ اليوم، حسناء؟" سألها، وكلماته مشبعة بالسخرية.

نظرت إليه بعيون مستسلمة، لم تجب. كانت كلماتها قليلة هذه الأيام. لم يكن هنالك شيء تقوله لرجل مثل ألبرتو، رجل لا يرى فيها سوى وسيلة لتغذية هوسه.

"أرى أنكِ بدأتِ تتقبلين مصيركِ" قال وهو يقترب منها ببطء. "هذا جيد. لا أحتاج للمزيد من المقاومة. الفن يولد من الاستسلام."

ولكن هذه المرة، كان هناك شيء مختلف في عينيها. رغم العذاب الذي تعرضت له، ورغم الألم الذي كان لا يزال يسكن جسدها، كان هناك بريق صغير، شيء رفض أن يموت.

"أنت مخطئ." قالت بصوت منخفض ولكنه مليء بالثبات. "لم أستسلم بعد."

رفع ألبرتو حاجبيه بدهشة خافتة، ثم ضحك بسخرية. "لم تستسلمي؟" قال وهو يجلس بجوارها، يمرر الفرشاة على يدها المقيدة بلطف مخيف. "وما الذي تعتقدين أنكِ قادرة عليه؟ الهروب؟ الهروب من هنا؟ منّي؟"

كانت حسناء تنظر إلى السقف، عينيها تبتعدان عن نظراته. "الهروب من هذا الجحيم هو حلم كل يوم" قالت بهدوء. "لكن الأمر ليس مجرد الهروب... إنه النجاة. النجاة بروحي."

توقف ألبرتو عن التلاعب بالفرشاة ونظر إليها باهتمام أكبر. كانت هذه أول مرة منذ فترة طويلة تتحدث عن الروح. "روحكِ؟" سأل بتهكم. "وأين هي روحكِ الآن، يا حسناء؟ أليست مكسورة؟ ممزقة بين يدي؟"

نظرت إليه حسناء، عينيها المتعبتين تحملان القوة التي لم يكن يتوقعها. "أنت ربما كسرت جسدي، ألبرتو، ولكن روحي... لم تتمكن من لمسها."

كان حديثها هادئًا، لكنه اخترق صمته المعتاد. وقف ألبرتو، غاضبًا من فكرة أنها لا تزال تجد في نفسها تلك القوة الخفية. "لن أسمح لكِ بالتمسك بهذا الوهم" قال بصوت جهوري، وكأنه يحاول إقناع نفسه. "سأدمركِ تمامًا، حتى لا يبقى منكِ شيء، لا جسد، ولا روح."

أمسك بيدها بعنف، ثم سحبها بقوة من السرير. حاولت أن تستعد للألم، لكنها لم تستطع منع الصرخة التي خرجت منها. جرها عبر الغرفة بعنف، دفعها نحو الجدار، ثم عاد إلى السرير ليخرج السلاسل الحديدية التي كان يحتفظ بها لتلك اللحظات.

ربط يديها ورفعها إلى الأعلى، حتى أصبحت معصميها مرفوعين فوق رأسها، وجسدها معلقًا في الهواء. كانت قدمها بالكاد تلامس الأرض. الألم كان لا يُحتمل، لكن حسناء لم تصرخ هذه المرة. كانت عيناها مغلقتين، تتنفس ببطء وهي تركز على الشيء الوحيد الذي لا يمكن لألبرتو الوصول إليه: روحها.

بدأ ألبرتو في تعذيبها مجددًا. ضربها بالسوط على ظهرها، كل ضربة كانت تمزق جلدها تجعلها تصرخ، ولكنها كانت ترفض الاستسلام. كانت تعلم أن كل صرخة ستجعله أقوى، ولكنها لم تكن تقدر على مقاومته. كانت تتخيل وجوه أصدقائها: منال، خلود، سارة، واسمهان. كانوا يجلسون في مكان بعيد، يعيشون حياتهم، يتابعون أحلامهم. اسمهان ربما الآن تغني أغنيتها الجديدة، بينما الجمهور يهتف باسمها.

"هل تشعرين بالضعف الآن؟" سأل ألبرتو، محاولًا إثارة رد فعل منها. "أشعر أنكِ تضعفين، حسناء. ألا تظنين أن الوقت قد حان للاستسلام؟"

لكن حسناء كانت في عالم آخر، بعيدًا عن الضربات، بعيدًا عن الألم. قالت بصوت خافت لكنه واضح: "لن أستسلم لك، ألبرتو. لا يمكنك أن تسلب مني كل شيء."

توقف فجأة عن الضرب. كان هذا التحدي يُثير غضبه بشكل لم يكن يتوقعه. "كيف يمكنكِ أن تظلي قوية بعد كل ما فعلته بكِ؟" صاح بغضب. "أنتِ ملكي! يجب أن تكوني ملكي بالكامل!"

اقترب منها بوجهه المشتعل بالغضب، ثم أمسك برأسها بعنف، جعل وجهها قريبًا من وجهه. "سأجعلكِ تدفعين ثمن هذه الكلمات" قال بصوت مشبع بالتهديد. "هذه الليلة لن تكون كسابقاتها. سأدمركِ بالكامل، وسأحرص على أن تتمنين الموت."

ألقى بها على الأرض، ضربها مرارًا وتكرارًا، ثم اغتصبها بطريقة وحشية أكثر من أي مرة سابقة. كان الألم هذه المرة لا يوصف، لكنه كان يحاول أن يسحق ما تبقى منها. ومع كل لحظة من هذا العذاب، كانت حسناء تشعر بأن جسدها يتلاشى، لكن روحها كانت تزداد قوة. كانت تعرف أن نهاية هذا الكابوس قريبة، ولكنها لن تكون نهاية لما تبقى من نفسها.

بعدما انتهى، تركها على الأرض، جسدها محطم بالكامل. جلس بجانبها، يلهث من شدة الغضب. "أنتِ لا شيء الآن" قال وهو يضحك بسخرية. "لقد حطمتكِ بالكامل."

لكن حسناء، رغم كل شيء، نظرت إليه بخوف وتردد: "ما الذي يجب ان أفعله لك بالضبط كي تغفر لي وترضى عني، وتتوقف عن تعذيبي؟"

هل ستتمكن حسناء من الهروب بروحها رغم كل العذاب الذي تعرضت له؟ وما هو الثمن الذي ستدفعه مقابل راحتها؟

فن السادية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن