استيقظت حسناء في صباح اليوم التالي، وما زال صدى المكالمة الغريبة يرن في أذنيها. كان صوت المتصل كافيًا ليزرع في قلبها الخوف والرهبة، ولكن لم يكن لديها الوقت لتفكر في الأمر كثيرًا. "عليّ الذهاب إلى العمل،" تمتمت لنفسها وهي تحاول كبت شعور القلق الذي سيطر عليها منذ تلك الليلة. ارتدت مئزرها وتحضرت لبدء يومها الجديد في المخبز.
مع كل خطوة كانت تخطوها باتجاه المخبز، كان عقلها يعود إلى كلمات المتصل، وصوته المخيف. "كيف عرفني؟ وكيف استطاع أن يصفني بتلك الدقة؟" أسئلة تتدافع في ذهنها، وكلها دون إجابات واضحة.
عندما وصلت إلى المخبز، استقبلتها رائحة الخبز الطازج، تلك الرائحة التي كانت تُشعرها بالراحة على الرغم من كل شيء. بدأت عملها كالمعتاد، ترتب الأرفف وتضع الكعك الطازج في أماكنه، ولكن ظلت نظراتها تتجه نحو الباب بين الفينة والأخرى، تنتظر بفارغ الصبر وصول المتصل الغامض، على الرغم من أنها لا تعرف ملامحه ولا اسمه.
في الساعة العاشرة صباحًا، دخل رجل إلى المخبز. كان طويل القامة، عريض الكتفين، يرتدي نظارة شمسية داكنة وقبعة أنيقة. كانت خطواته واثقة وكأن المكان ملكه. تقدم نحو الطاولة حيث كانت حسناء واقفة، وعيناه المختفيتان خلف النظارات تركزان عليها.
"مرحبًا، هل يمكنني مساعدتك؟" قالت حسناء بصوت حاولت أن تجعله ثابتًا، رغم توترها.
أزال الرجل نظارته ببطء، وكشف عن عينين بلون رمادي غامق، كانت نظراته حادة مثل السكاكين. حدق بها لبضع لحظات دون أن يجيب، ثم أمال رأسه قليلاً وقال بابتسامة خبيثة: "أنا هنا لرؤيتك، يا حسناء."
تراجعت حسناء خطوة إلى الوراء، ولم تستطع إخفاء دهشتها. "من أنت؟" سألت، ويدها ترتجف قليلاً وهي تمسك بالمنضدة.
"ألبرتو." أجاب ببساطة، وكأن هذا الاسم وحده يكفي ليجيب عن كل الأسئلة التي تدور في ذهنها. نظر حوله قليلاً، ثم أضاف: "أعتقد أننا تحدثنا البارحة، أليس كذلك؟"
تجمدت في مكانها، تذكرت المكالمة. هذا هو الرجل الذي اتصل بها وأثار خوفها. كان أمامها الآن، حقيقيًا، ليس مجرد صوت غامض في الهاتف. "ماذا تريد مني؟" قالت وهي تشعر بأن الكلمات تتعثر في حلقها.
ابتسم ألبرتو مرة أخرى، تلك الابتسامة التي لم تكن تبعث على الراحة أبدًا، ثم اقترب خطوة نحوها. "أريد أن أجعل منك بطلة لوحاتي. لديك جمال نادر... جمال يعكس روحك، وأريد أن أصوره."
كان كلامه غامضًا، لكن الطريقة التي قال بها هذه الكلمات كانت أكثر إرباكًا. شعرت وكأنها سوف تقع في فخ لا تعرف كيف تهرب منه. "لوحات؟ ما الذي تتحدث عنه؟" سألته، وهي تحاول الحفاظ على هدوئها.
"أنا رسام. ألبرتو،" قال وكأنه يعرف أن اسمه سيترك أثرًا. "أرسم اللوحات التي يتحدث عنها الجميع... والآن، أريدك أن تكوني بطلة لوحاتي القادمة. ستكونين مصدر إلهامي."
أخذت نفسًا عميقًا، ثم قالت بحدة: "أنا لست مهتمة. شكراً لك." حاولت إنهاء المحادثة، ولكن ألبرتو لم يتحرك.
"لا تستعجلي بالقرار،" قال بهدوء مريب. "سأعطيك عرضًا لا يمكنك رفضه... تعالي غدًا إلى معرضي في روما، وسأشرح لك كل شيء. أعدك أنك لن تندمي."
ثم أعاد نظارته إلى وجهه، واستدار بهدوء ليخرج من المخبز دون أن يضيف كلمة أخرى. بقيت حسناء واقفة في مكانها، تشعر بأن الغرفة تدور من حولها. "ما هذا العرض الذي يتحدث عنه؟ ولماذا أشعر بهذا الخوف منه؟" كانت الأسئلة تلاحقها، ولكن دون إجابات.
في تلك الليلة، اجتمعت الفتيات كعادتهن في الشقة. جلسن حول الطاولة الصغيرة وتبادلن الحديث والضحك. ولكن حسناء كانت صامتة أكثر من المعتاد. حاولت منال كسر الصمت قائلة: "كيف كان يومكِ في العمل؟ هل واجهتِ أي مشاكل؟"
نظرت حسناء إليهن وهي تحاول أن تخفي قلقها. "لا شيء غير اعتيادي..." تمتمت، ولكن نظرات خلود كانت حادة وكأنها تقرأ ما يدور في ذهنها.
"أنتِ تكذبين،" قالت خلود بجدية. "أرى في عينيكِ شيئًا يخيفك. هل حصل شيء؟"
تنهدت حسناء بعمق، ثم قررت أخيرًا أن تخبرهن بما حدث. "تلقى المخبز زبونًا غريبًا اليوم... اسمه ألبرتو. يقول إنه رسام مشهور، ويريدني أن أكون بطلة لوحاته القادمة."
رفعت منال حاجبيها بدهشة، وقالت: "ألبرتو؟ alberto galiardi؟! الرسام الإيطالي المشهور؟"
"ربما... لا أعرف اسمه الكامل،" أجابت حسناء بتوتر.
"إذا كان هو فعلاً ألبرتو گالياردي ، فهو ليس رسامًا عاديًا،" قالت منال بجدية. "إنه معروف بأعماله الغريبة والمثيرة للجدل. لوحات تثير الرعب أحيانًا."
"هل تنوين قبول عرضه؟" سألت خلود بحذر.
نظرت حسناء إلى صديقاتها، ثم قالت بصوت خافت: "لا أعرف... لكنه قال إنه سيوضح لي كل شيء غدًا."
في تلك الليلة، لم تتمكن حسناء من النوم. كانت الأفكار تتصارع في ذهنها: هل تقبل عرض ألبرتو أم ترفضه؟ وما الذي ينتظرها في معرضه الغامض؟
ما الذي ينتظر حسناء في معرض ألبرتو؟ وهل هو فعلاً فنان مشهور أم أن هناك شيئًا آخر خلف هذه الواجهة الغامضة؟

أنت تقرأ
فن السادية
Mistero / Thrillerعندما استجابت دعوة الفنان alberto المشهور، لم تكن تعرف أن دخول عالمه سيفتح أبوابا مظلمة ستغير حياتها إلى الأبد. في لحظة واحدة، أصبحت ضحية للوحات تشكيلية تخفي خلفها أسرارا وصراعات غير متوقعة