10 "طاعتك واجبي"

2.4K 13 0
                                    

في قصره الفخم باليونان، حيث كان البحر الأزرق يمتد بلا نهاية أمام عينيها، كانت حسناء تعيش في عزلة خانقة، بين جدران القصر العالية وجنونه الذي لا يرحم. هذا المكان، الذي كان يُفترض أن يكون ملاذًا للاسترخاء والترف، تحوّل إلى قفص ذهبي، تقبع فيه أسيرة لسلطة ألبرتو المطلقة.

كانت تعرف الآن أنه لا فائدة من المقاومة، وأن كل صرخة أو تحدٍ قد يُكلفها حياتها. بعد سنوات من الألم، والجروح التي لا تُعد، أدركت أن السبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة هو الخضوع. أن تقدم له الطاعة وكأنها عبادة لا خيار لها فيها. كانت كلمات الطبيبة الأخيرة لا تزال ترن في أذنها: "إذا استمر هذا... لن تعيشي طويلًا."

في اليوم الذي اكتشفت فيه أنها حامل مجددًا، كانت الطبيبة قد دخلت الغرفة بابتسامة خفيفة. "تهانينا" قالت وهي تنظر إلى حسناء بجدية مهنية. "أنتِ حامل، ولكن حالتك الصحية تتطلب الراحة التامة والعناية الخاصة. أي إجهاد يمكن أن يؤدي إلى نفس المصير الذي حل بحملك السابق."

كانت كلمات الطبيبة بمثابة شبح جديد يلوح في الأفق. بينما كانت الطبيبة تتحدث، نظرت حسناء إلى ألبرتو، الذي وقف بالقرب من النافذة، عينيه تتأملان البحر، كأنه غارق في أفكاره الخاصة. لم يظهر على وجهه أي تعبير يدل على الفرح أو الحزن. كان وجهه مزيجًا من الصمت الحذر والتأمل العميق.

بعد مغادرة الطبيبة، التفت ألبرتو إليها ببطء، عيناه تتفحصانها وكأنه يحاول قراءة ما وراء وجهها المتعب. لم تقل حسناء شيئًا. كانت عيناها تتوسلان إليه، تتحدثان بلغة لم تعد تحتاج إلى كلمات. ربما كان هذا هو الطريق الأخير، الملاذ الوحيد الذي تستطيع أن تلجأ إليه.

"في بطنك الآن شيء أغلى من سجائري، وكأس النبيذ هذا.. اريدك أن تحافظي على أمانتي تلك أكثر من طاعتك لي، مفهوم !" سألها بصوت منخفض، وكان في صوته نبرة غير مألوفة من الحنان الملتبس. "تعلمين أن هذا الحمل قد يكون فرصتك الأخيرة للبقاء هنا... للبقاء معي."

لم ترد، لم تكن تملك الجرأة للحديث. لكنها كانت تعلم، من عمق قلبها، أن استعطافه هو الحل الوحيد. لم يكن الخضوع بالنسبة لها مجرد استسلام لجسده أو وحشيته، بل كان وسيلة للبقاء. وسيلة لإقناعه بأنها تستحق شفقته، ولو كان ذلك مؤقتًا.

بدأت حسناء تتقن فن خضوعها له خطوة بعد خطوة. كانت تسير في أنحاء القصر بهدوءٍ، تنفذ كل أوامره بلا تردد. لم تعد تعارض، لم تعد تقاوم. إذا طلب منها الجلوس بجانبه، كانت تجلس بلا تردد. إذا أراد منها أن تشاركه وجباته، كانت تجلس بصمت وتتناول الطعام ببطء. كانت تراقب كل حركة منه، كل تعبير، وكأنها تدرس تفاصيله لتعرف كيف تستطيع إرضاءه.

وفي كل مرة كانت تطيعه، كان يلاحظ. كانت تلك اللحظات الصغيرة من الطاعة تجلب لها شيئًا جديدًا... شيئًا يشبه الرحمة، أو ربما مجرد تنازل منه. بدأ يدخل لها الصحون بنفسه في بعض الأحيان، شيء لم يكن ليفعله من قبل.

في إحدى الليالي، بينما كانت مستلقية على السرير، منهكة من اليوم الطويل، دخل ألبرتو الغرفة بهدوء، ووقف عند طرف السرير. كانت عيناها مغمضتين، لكنها شعرت بوجوده. فتح عينيها ببطء ونظرت إليه، فوجدته يحمل طبقًا من الفاكهة الطازجة. جلس بجوارها على السرير، وبدأ يقطع لها قطعة من التفاح بهدوء، ثم قدّمها لها.

"هيا، كلي..." كان مرة يطعمها وكأنها إنسان وتارة يعاملها وكأنها حيوان يتلاعب بالجوع في بطنها قبل إطعامها.

نظرت إليه بعينيها المرهقتين، ثم أخذت قطعة التفاح وأكلتها ببطء. كان يراقبها بصمت، لا يفصح عن أي شيء مما يدور في رأسه. ولكن للمرة الأولى، شعرت أن هناك شيئًا تغير. ربما.. مجرد ربما، استطاعت أن تصل إلى جزء صغير من إنسانيته المدفونة تحت جبال من السادية.

بدأت تتكرر تلك اللحظات الصغيرة بينهما. كلما خضعت له بطاعة تامة، كان يلين قليلاً. في أحد الأيام، طلب منها أن تجلس معه في الحديقة الكبيرة المطلة على البحر. كان البحر في الأفق يمتد بلا نهاية، وكانت رائحة الزهور تعبق في الأجواء. جلست بجواره بصمت، متحاشية النظر إلى عينيه مباشرة. لكنه، بشكل مفاجئ، مدّ يده وأمسك بيدها.

"هل تشعرين بالأمان هنا؟" سألها، وكانت نبرة صوته مختلفة عن تلك التي اعتادت عليها.

"أشعر بالأمان عندما أكون بالقرب منك يا روحي" قالت بهدوء. لم تكن متأكدة إذا كانت تلك الكلمات حقيقية أم مجرد وسيلة أخرى لتحصل على شفقته، لكنها كانت تعلم أنها لا تستطيع أن تتحمل غضبه مرة أخرى.

كان يحتضنها أحيانًا، عندما تطيعه بدون تردد. كان الأمر في البداية يبدو وكأنه مكافأة لها، أو ربما كان طريقته في تأكيد سيطرته المطلقة عليها. وفي كل مرة كان يحتضنها، كانت تشعر بالاختناق، لكنّها تعلم أن هذا الاحتضان هو بوابتها للبقاء على قيد الحياة.

مرت الأيام في هذا القصر الذي باتت تعرف كل زواياه. كانت تجلس على الشرفة كل صباح، تشرب الشاي وتراقب البحر. لم يكن ألبرتو بعيدًا، كان يراقبها عن كثب، يتأكد من أنها لا تزال تحت سيطرته، وأن الطاعة قد أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتها.

لكن خلف كل تلك اللحظات الهادئة التي شاركاها، كان هناك شعور غامض يراود حسناء. كانت تعرف أن هذه الرحمة التي منحها لها مؤقتة، وأن أي زلة صغيرة قد تعيدها إلى الجحيم الذي عاشته من قبل. ومع كل صباح كان يمر، كانت تدرك أكثر فأكثر أن حياتها باتت متعلقة بمدى قدرتها على إرضائه.

في إحدى الليالي، وبينما كانت مستلقية على السرير بجواره، شعر ألبرتو بالجنين يتحرك داخل بطنها. وضع يده على بطنها بلطف غير معهود منه، ونظر إليها. كان هناك شيء غريب في عينيه، شيء يشبه الأمل، أو ربما الإحساس بالمسؤولية لأول مرة.

"هذا الطفل... هو فرصتنا" قال بصوت هادئ. "فرصتي لأرى شيئًا جديدًا."

كانت تعلم أنه يتحدث عن نفسه، وليس عنها أو عن الطفل. كان يبحث عن شيء ليشعره بالسيطرة، بشيء يخصه بالكامل، يمكنه تشكيله كما يريد. لكن في تلك اللحظة، لم يكن هناك شيء آخر سوى هذا الصمت الذي جمع بينهما.

بدأت حسناء تدرك أن الطاعة، وإن كانت الحل الوحيد للبقاء على قيد الحياة، قد أصبحت سلاحًا ذا حدين. كلما أطعته، كان يقترب منها أكثر، وكان هذا الاقتراب مخيفًا بقدر ما كان يبعث على الأمان.

فن السادية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن