كسر اللعنة

3 1 0
                                    

"الإيمان سيف ذو حدين، فإما أن ينقذك من أعماق الظلام، أو يقذف بك نحو هاوية أعمق، حيث تكتشف أن ما كنت تظنه ملجأً، ما هو إلا بوابة نحو رعب أبدي."

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد اختفاء سامي ووليد في ظروف غامضة، استمر البيت في التربص بضحاياه الجدد، لكن أحدًا لم يجرؤ على الاقتراب منه مرة أخرى، حتى جاءت تُقى، فتاة شابة ذات إيمان قوي وبقلب شجاع. كانت تسمع عن البيت منذ صغرها، وكانت تعرف قصص اللعنة التي حلت على كل من دخل البيت، لكنها لم تكن كباقي الناس. تُقى لم تؤمن بأن الشر يمكنه الانتصار على الإيمان، وقررت أن تكون هي من يكسر اللعنة التي ابتلعت أرواحًا بريئة.

كانت تُقى قد درست الدين بعمق، وآمنت أن هناك قوى خفية في العالم، لكنها أيضًا كانت تعلم أن النور أقوى من الظلام. بحوزتها كتاب قديم مليء بالتعاويذ والآيات التي يمكن أن تحميها، كانت مستعدة للمواجهة، ومصممة على إنهاء الكابوس الذي دام لعقود.

في يوم غائم، قررت تُقى أن تخوض المواجهة. وقفت أمام البيت الملعون، وهي تحمل بيدها الكتاب المقدس وبداخلها قوة لم تعرفها من قبل. كان المطر يتساقط بغزارة، والسماء مليئة بالسحب الداكنة، وكأن الطبيعة نفسها تحذرها من الاقتراب. لكنها لم تتراجع.

تُقى بنبرة قوية لنفسها: "النهاردة... اللعنة دي هتنتهي."

اقتربت تُقى من الباب الذي كُتب عليه "روح لونا، احترس لونا في الارجاء." لم تتردد. فتحت الباب ودخلت، وعلى الفور شعرت ببرودة غير طبيعية تجتاح المكان. كان البيت كما سمعته في القصص: مهجورًا، معتمًا، والموت يحوم في الهواء. الأصوات الغريبة بدأت تتردد في الأرجاء.

لونا بصوت متهكم: "أنتِ تظنين أنكِ مختلفة؟ لن تخرجي أيضًا، كما الذين من قبلك."

تُقى وهي تفتح الكتاب وتقرأ بصوت هادئ: "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم."

بدأت تلاوة تُقى تصدح في أنحاء البيت، وكانت الجدران ترتجف، وكأنها تتألم من كلماتها. الأرواح التي كانت تحوم في الظلام بدأت تتلاشى شيئًا فشيئًا، ولكن لونا لم تستسلم بسهولة.

لونا بصوت غاضب: "لن تهزمني! اللعنة لن تنكسر!"

فجأة، ظهرت لونا أمام تُقى، وجهها شاحب وعيونها مليئة بالكراهية. اقتربت منها، محاولة تخويفها، لكن تُقى لم ترتعب. رفعت الكتاب عاليًا وبدأت تردد الآيات والتعاويذ التي درستها بدقة.

تُقى وهي ترفع صوتها: "اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، اكسر هذه اللعنة، واحفظني من كل شر."

ومع كل كلمة تقرأها، كانت قوة لونا تضعف. بدأت الأرض تهتز، وصراخ الأرواح المحبوسة يعلو في الهواء. كانت تُقى تشعر بأنها على وشك الانتصار، لكنها علمت أن اللحظة الحاسمة لم تأتِ بعد. فتحت إحدى الصفحات في الكتاب ووجدت تعويذة خاصة، مكتوبة بخط اليد القديم، تقول: "لكسر اللعنة، يجب أن تكون الروح النقية هي من تضيء الطريق."

تُقى بصوت هادئ: "أنا هنا لأضيء الطريق."

بدأت تُقى بإضاءة شمعة كانت قد أحضرتها معها، وضعتها في منتصف الغرفة وبدأت تردد التعويذة. كانت النيران تنعكس على الجدران، والبيت بأكمله كان يهتز بعنف. لونا صرخت بصوت مخيف وهي تحاول إيقاف تُقى، لكن لم يكن لديها القوة الكافية.

لونا بصوت يائس: "توقفي! لا يمكنكِ...!"

تُقى وهي تواصل التلاوة: "يا نار، التهمي كل ظلام، وارجعي النور إلى هذا المكان."

وفي لحظة، انفجر نور قوي من الشمعة، ملأ المكان بالكامل. كانت الأرواح الملعونة تتبدد واحدة تلو الأخرى، وصوت لونا اختفى في الصدى. شعرت تُقى بالسلام يملأ المكان لأول مرة منذ دخولها. كان البيت قد تحرر.

تُقى بابتسامة: "اللهم لك الحمد... انتهى الأمر."

خرجت تُقى من البيت بخطى واثقة، تاركةً خلفها الأطلال، بعدما كسرت اللعنة التي استمرت لعقود. لم يعد البيت مكانًا للرعب، بل أصبح مهجورًا حقًا. وما عادت "روح لونا" تهدد أي شخص آخر.

بعدما كسرت تُقى اللعنة وغادرت البيت الملعون، شعر الجميع في القرية بتغيير في الأجواء، وكأن سحابة من الظلام قد أُزيلت. الأساطير حول البيت بدأت تتلاشى شيئًا فشيئًا، وأصبح الناس أكثر جرأة في الحديث عنه دون الخوف الذي كان يرافقهم في السابق. لكن بالنسبة لتُقى، كانت القصة قد بدأت للتو.

بعد أيام قليلة من كسر اللعنة، بدأت تُقى تشعر بشيء غريب. كانت ترى في أحلامها ظلالًا تتحرك، وأحيانًا تسمع أصوات همسات غير مفهومة عندما تكون وحدها. لم يكن الأمر واضحًا في البداية، لكنها شعرت بأن شيئًا ما قد تبقى من اللعنة، ربما جزء منها لم يتحرر بالكامل.

تُقى وهي تتحدث مع صديقتها المقربة، سارة: "حاسّة إن في حاجة غلط. أنا كسرت اللعنة... بس مش متأكدة إن كل حاجة انتهت فعلاً."

سارة متعجبة: "إيه اللي بتحسيه؟ هو مش المفروض البيت خلاص اتحرر؟"

تُقى بنبرة قلق: "مش عارفة... بس في أحلام غريبة بقت بتجيلي، وحسيت كأن في حد بيراقبني."

بدأت تُقى في البحث مجددًا، هذه المرة عن أصل اللعنة. تواصلت مع شيخ قديم في المدينة المجاورة، معروف بقدرته على فهم الأمور الروحية. حكت له قصتها بالكامل، وكيف كسرت اللعنة في البيت الملعون، لكنه بدا قلقًا بعد سماع قصتها.

الشيخ بنبرة جادة: "يا بُنيتي، كسر اللعنة لا يعني دائمًا إنهاء كل الشر. أحيانًا تترك اللعنة أثرًا، خاصة لو كان الظلام عميقًا. روح لونا قد تكون تحررت من البيت، لكن ربما هناك جزء منها ما زال معك."

تُقى متفاجئة: "يعني اللعنة لسه مكملة؟ بس أنا شفت النور ملأ المكان والأرواح راحت!"

الشيخ وهو يهز رأسه ببطء: "النور طرد الأرواح، لكن روح لونا كانت قوية جدًا. جزء منها قد يكون تملص من الطرد، وتعلق بك لأنك من كسرت اللعنة."

لم تتوقع تُقى أن رحلتها مع اللعنة لم تنتهِ بعد. عادت إلى منزلها وهي تشعر بثقل جديد على قلبها. في الليل، عادت الأحلام المزعجة بشكل أكثر وضوحًا. كانت ترى لونا، تتجول في الظلام، تبحث عن طريق للعودة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سـمـوم

ᥣ᥆ᥲꪀ'᥉ ᥉᥆ᥙᥣحيث تعيش القصص. اكتشف الآن