"في أعماق النفس، يوجد وحش صامت، متعطش للهرب من قفصه. كل نبضة خوف تُقربه أكثر من الحرية، وكل سر يُدفن يعمق جوعه ويشعل نيران انتقامه الصامت."ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبمرور الوقت، أصبح البيت جزءًا من إرث القرية المرعب. الزوار يأتون من أماكن بعيدة للحديث عنه، ويلتقطون صورًا من الخارج، لكن لم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب من بابه مرة أخرى. كان الجميع يعرفون القصة، وأن كل من دخل البيت لم يعد أبدًا. لكن رغم هذه القصص المرعبة، بقيت لعنة البيت تلتهم الفضوليين والشجعان الذين حاولوا اكتشاف سره.
في ليلة من ليالي الشتاء، جاء رجل غريب إلى القرية، إلياس، كان باحثًا في الأمور الغامضة والخارقة. قرأ عن البيت في الصحف القديمة وقرر أن يحل هذا اللغز الذي أعجز الجميع. كان يعتقد أن ما يحدث في البيت هو ظاهرة علمية يمكن تفسيرها. وبما أنه لم يكن يخاف من الخرافات، قرر المضي قدمًا في خطته.
إلياس بهدوء وهو ينظر إلى البيت من بعيد: "كل الليلة دي، والقصص اللي بيتكلموا عنها... مجرد أوهام. اللي بيدخل ماعدش بيخرج؟ ههه... كلام خيال!"
اقترب من البيت بثبات غير معتاد. لم يكن كأحمد أو قدر، ولم يكن مثل سليم الذي سبق له أن فقد عقله في لحظاته الأخيرة. كان يؤمن أن العلم يمكنه تفسير كل شيء، وأن هذا البيت ليس سوى نتيجة لتأثيرات بيئية أو ظواهر طبيعية غير مفهومة.
وصل إلى الباب، لم يكن هناك شيء غير طبيعي في البداية. المطر كان يتساقط بغزارة كما حدث من قبل. الرياح كانت تعصف، لكن كل شيء بدا طبيعيًا. فتح إلياس الباب بحذر، ودخل البيت الملعون، حاملاً مصباحه اليدوي وكاميرته، جاهزًا لتوثيق كل شيء.
إلياس بنبرة مطمئنة: "لنبدأ التحقيق."
كان كل شيء هادئًا في البداية. البيت بدا فارغًا كالمعتاد، لكن عندما بدأ بالتجول في الغرف، شعر بتغير بسيط في الجو. كانت الهمسات التي سمعها الآخرون بدأت تزداد وضوحًا، لكنها هذه المرة كانت مختلفة. لم تكن فقط تهديدات، بل كانت محادثة بين الأرواح.
همسة غامضة من الجدران: "هو... جاي... هنا. مش زينا."
صوت آخر يرد بحذر: "بس كلنا نعرف... مصيره. زي الباقي."
أدرك إلياس أن هناك شيئًا أكثر تعقيدًا في هذا المكان. الأصوات لم تكن فقط هلوسات كما كان يعتقد. كانت الأرواح التي احتجزت هنا عبر العصور تتحدث. ربما كانت تراقب من قبل، لكنها الآن أصبحت واعية بوجوده.
لكن إلياس لم يكن مرعوبًا. كان لديه إصرار على اكتشاف الحقيقة، فأكمل طريقه داخل البيت حتى وصل إلى الغرفة المركزية التي كان يعتقد أن كل شيء بدأ منها. وبينما كان يبحث في أرجاء الغرفة، لاحظ شيئًا غريبًا على الحائط. كانت هناك رموز قديمة محفورة بدماء قديمة، وكأنها توقيع روحي للبيت.
إلياس وهو يقترب من الجدار: "إيه ده؟ الرموز دي... عمرها قرون. ده ممكن يكون جزء من الطقوس اللي ربطت الأرواح بالمكان."
وبينما كان يحاول تفكيك الرموز وفهم معناها، بدأت الأرضية تهتز تحت قدميه. لم يكن الأمر طبيعيًا، وكأن الروح التي تتحكم في البيت بدأت تستشعر خطر كشف سرها. فاجأه شعور بارد يجتاح المكان، وكأن الروح كانت تحاول منعه.
إلياس بحذر وهو يتراجع: "لازم أسجل ده... ده مش مجرد بيت، ده مدخل لعالم آخر."
وبينما كان يرفع كاميرته ليلتقط ما حوله، توقفت الكاميرا عن العمل. كل التكنولوجيا التي أحضرها معه تعطلت في لحظة واحدة. الضوء الخافت من مصباحه بدأ يخبو تدريجيًا، وبدأ الظلام يبتلع الغرفة.
ثم فجأة، سمع صوتًا قادمًا من الزاوية. كان الصوت واضحًا هذه المرة، ليس همسات كما كان في السابق، بل صوت فتاة، كان صوت لونا.
لونا بصوت مرعب: "إنت مش هتخرج... زي كل اللي قبلك."
إلياس: " إنتِ... مين؟ "
برزت أمامه من العدم. نفس الفتاة الصغيرة التي عذبت أرواح المغامرين والمحققين. اقتربت منه بخطى بطيئة، لكن وجهها لم يكن لطفولي كما توقع. كان وجهها مشوهًا بشكل غير طبيعي، وكانت عيونها مليئة بالغضب والانتقام.
إلياس وهو يتراجع في رعب: "مين إنتِ؟ إيه اللي إنتِ عايزاه؟"
لونا بصوت يشوبه الغضب: "عايزة كل اللي يدخل هنا يبقى معايا... مفيش خروج من هنا."
بدأت الجدران تلتف حوله، وكأن البيت يبتلعه ببطء. شعر إلياس أن النهاية تقترب. لكن بدلاً من الصراخ أو محاولة الهروب، قرر أن يواجه مصيره بشجاعة. كان يعلم أن أي محاولة للخروج ستفشل، ولكن كان لديه أمل في أن الروح لن تكون قادرة على تدميره بالكامل.
لكن لونا لم تترك له أي فرصة. مع اقترابها منه، أصبح الظلام أكثر كثافة، وبدأت الأرضية تحت قدميه تنهار. كل شيء حوله كان ينهار، وكان يعرف أن النهاية قادمة.
إلياس وهو يصرخ للمرة الأخيرة: "ده مش هيبقى نهايتي... لازم حد يعرف الحقيقة."
وكانت تلك آخر كلمات إلياس. كل الأدوات التي كانت معه، وكل ما حاول توثيقه، اختفى معه في هذا البيت الملعون. لم يعثر عليه أحد بعد ذلك، وأصبح واحدًا من الأرواح المحبوسة في لعنة لونا، غير قادر على الهروب.
---
ظل البيت كما هو، ملعونًا إلى الأبد، ينتظر من يتحداه ليلتهمه. لا أحد يعرف مصير كل من دخل إليه، لكن القصص عنه لم تتوقف. والأرواح التي حُبست بداخله لا تزال تهمس، تروي قصصها لكل من يقترب.
هل ستنتهي اللعنة يومًا؟ أم سيظل البيت يبتلع أرواح من يحاول كسرها؟ هذا السؤال لن يجد له جوابًا، فكل من حاول... لم يعد ليخبرنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سـمـوم
أنت تقرأ
ᥣ᥆ᥲꪀ'᥉ ᥉᥆ᥙᥣ
Horor• « مجموعة قصصية "روح لـونـا" » • ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كانت اللعنة تلتف حول كل من يجرؤ على دخول البيت الملعون. منذ اللحظة التي تطأ فيها أقدامهم عتبته، يشعر الزوار بثقل لا يُطاق في الهواء، وكأن الم...