Part09:هَوَس رَقْمِيّ

60 9 2
                                    

"العقول تذوب في الأرقام، وتظل أسيرة دوامة لا نهاية لها."
.
"في عالم الأكواد، يصبح الجنون هو المعيار."

.-.-.-.-.-.-.-.-.

في زاوية هادئة من الغرفة، كانت الأنوار خافتة بشكل يمنح المكان طابعًا من الغموض، باستثناء وهج شاشة الكمبيوتر أمامها. انعكاس الضوء الأزرق على وجهها أضاف إلى عينيها بريقًا مشعًا، كأنها جزء من الشاشة نفسها. الهواء كان معطرًا برائحة الشوكولاتة الساخنة الموضوعة على المكتب بجانبها، في كوب خزفي بسيط بلون بني داكن يطابق لون عينيها.

وضعت يدها على الفأرة، تحركها بحذر كأنها تفتح بابًا إلى عالم آخر. ظهر على الشاشة صورة لشاب في العشرينات من عمره. شعره الفوضوي كان يبدو وكأنه تمرد دائم ضد أي محاولة لترتيبه، وعيناه الزرقاوان كانتا تخترقان الشاشة وكأنهما تراقبانها من الجانب الآخر. تلك النظرة التي تحمل الغموض والتحدي جعلت قلبها ينبض بطريقة لم تعهدها من قبل.

اقتربت ببطء، عيناها معلقتان بالصورة، والابتسامة على شفتيها تجمع بين التحدي والهوس. همست بصوت منخفض، كأنها تخشى أن يسمعها أحد:
"أنت تجعلني أكثر هوسًا بك، يا لوكا سوليفار. أخطر هاكر في العالم السفلي."

مدت يدها لتلتقط الكوب بجانبها، ارتشفت رشفة صغيرة من الشوكولاتة الساخنة. دفء السائل في حلقها لم يهدئ التوتر الذي يسري في أوصالها، بل زاده اشتعالًا. كانت تعرف من هو لوكا، تعرف قصصه التي تتحدث عن اختراقه لأعظم الأنظمة الأمنية، وعن كونه العقل المدبر خلف الكثير من الجرائم التي هزت العالم السفلي. لكن بالنسبة لها، كان أكثر من ذلك.

وضعت الكوب جانبًا، عادت أناملها لتتحرك على لوحة المفاتيح برشاقة. "لعبة الكترونية؟ أم مصير حقيقي؟" فكرت في نفسها وهي تفتح ملفًا جديدًا يحمل توقيع لوكا، يرمز إليه برمز ذئب أزرق. ابتسمت ابتسامة ماكرة، تنظر للصورة مجددًا:
"إن كنت تُجيد اللعب في الظلام، فلنرَ من سيبقى واقفًا في النهاية."

الغرفة كانت تزداد صمتًا، عدا صوت أصابعها على المفاتيح ونبض قلبها الذي كان يتسارع مع كل خطوة تتقدم بها. الشوكولاتة الساخنة، شاشة الكمبيوتر، ولوكا... مزيج غريب من الهوس والخطر، جعل كل شيء في تلك اللحظة يبدو وكأنه يدور حولها فقط.

..............

بينما الغرفة غارقة في سكونٍ غامض لا يقطعه سوى صوت النقرات السريعة على لوحة المفاتيح، . أصابعها تتراقص على الأزرار بخفة، وكأنها عازفة ماهرة تعزف لحنًا سريًا لا يسمعه سواها.

في تلك اللحظة، علت ثلاث دقات على الباب. كانت كافية لتنتزعها من عالمها الرقمي السري. توقفت أناملها عن النقر، وتلاشت الشيفرة من أمام عينيها، لكنها لم تستطع مقاومة التنهيدة التي تملكتها، وكأنها كانت في منتصف معركة حامية.

𝑳𝑶𝑺𝑻 𝑬𝑪𝑯𝑶𝑬𝑺 /أصداء ضائعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن