Part0لَدْغَاتُ ٱلْمَاضِي:1

66 5 6
                                    

""الماضي الذي يلمس عمق مشاعرنا ويترك لنا ندبة
نتذكرها طول العمر يعلمنا دروسا قاسية لكنه يصنع لنا مستقبلا أفضل "

.-.-.-.-.-.-.-

كانت الغابة تغرق في الظلام، أشجارها الكثيفة تنحني في اتجاهات متشابكة، كأنها تحاول إخفاء كل شيء في أحشائها المظلمة. فقط ضوء القمر كان ينجح في التسلل من بين الأغصان ليضيء الأرض بنور خافت، يكاد لا يرى إلا بقايا أقدامها الراجفة. كل شيء حولها كان ساكنًا، إلا صوت أنفاسها الباردة التي كانت تتسرب بين شفتيها المرتجفتين، والهواء الموحش يلفح وجهها بحركاته الخفيفة.

الفستان الحريري الأبيض الذي كانت ترتديه أصبح ملوثًا بدماء أحبتها، الدماء التي لا تزال دافئة على قماشها، تكاد تشم رائحة الموت في كل خيط. كانت شهقاتها هي الصوت الوحيد الذي يقطع السكون المطبق حولها، وكلما حاولت أن تأخذ نفسًا، شعرت بالبرد يزحف في عظامها وكأن كل خطوة في تلك الغابة تجرها إلى نهاية غير مرئية.

عينيها كانت تبحث في كل الاتجاهات، لكنها لم تجد شيئًا سوى الظلال التي تتحرك بشكل غريب بين الأشجار. كان الخوف يلتهم قلبها، يدفعها للركض، لكن قدميها لم تكن تستجيب لها بعد كل ما مرت به. وكان الكابوس الذي لا ينتهي يلاحقها في كل خطوة.

ثم، فجأة، كسر الصمت صوت غير مألوف. كان صوت خطوات ثقيلة، تتقارب بسرعة. تدفقت رائحة دخان ثقيلة في الهواء، وظهر في الأفق رجل طويل يلبس معطفًا أسود، يدخن سيجارًا بينما يقترب منها ببطء، وكأن الوقت يركض من بين يديه.

وقف أمامها مباشرة، ابتسامة مرعبة ترتسم على وجهه المخفي في الظلال. رفع عينيه إليها، نظراته باردة وقاسية، وعيناه تتلألأ بالشر، بينما قال بنبرة هادئة لكنها مرعبة،

'وجدتك أخيرًا، صغيرتي.'

كلمات ثقيلة مثل الحديد، كأنها تسحب معها كل الأمل في تلك اللحظة، وتترك خلفها شعورًا بالكابوس الذي لا ينتهي.

...........................................

استفاقت فجأة، جسدها يرتجف وكأنها ما زالت عالقة في أعماق ذلك الكابوس المخيف. قلبها ينبض بسرعة، كأنها تركض في سباق ضد الزمن، والعرق يتناثر على جبهتها كأنها غارقة في بحر من الذكريات. فمها جاف، وعيناها المفتوحتان مليئتان بالهلع، بينما أخذت أنفاسًا عميقة محاولة استعادة توازنها.

كان الحلم يتسلل إلى ذهنها مثل شبحٍ مريب، يعيدها إلى تلك اللحظة البشعة، إلى تلك الذكريات التي لا تستطيع الهروب منها. كان صوت شهقاتها في الظلام يطاردها، ودماء أحبائها الذين شهدت موتهم تغمرها من جديد. كل التفاصيل كانت حية، قاسية، ومؤلمة.

لكن ما زاد من عمق الخوف في قلبها، هو أن هذا الكابوس لم يكن مجرد حلم، بل كان ماضيًا قاتلًا يرفض أن يتركها بسلام. كلما كانت تحاول النوم، كان يعود ليهددها مجددًا، ليفقدها الأمل في أن تجد يومًا راحة. كان الماضي يلتصق بها، يسيطر على أفكارها حتى في لحظات الاسترخاء، ويعصف بكل حلم بريء.

انياب من الحبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن