الفصل الاول
كانت كارولين تركز نظرها على مكان ما فوق الحائط بينما كان فابيانو يجثو امامها على ركبتيه،وهو يمرر الأبرة بخفة ورشاقة في حاشية الثوب الحريري ذو اللون القرمزي والذي التصق التصاقا تاما في جسدها.
"أجمل ماأبتكرت"قال متذمرا الى جماعة من معاونيه الذين تحلقوا حوله بفضول"وانظروا ماذا حصل لهذا الثوب"
تحولت انظار المعاونين اليها وكأنهم بذلك يتهمونها بأن افساد الثوب كان غلطتهاهي.
"استديري"طلب منها مصمم الأزياء وهو يلكزها بيده الغليظة"اسرعي ،اسرعي،ياسنيوريتا .والآن ،قفي مستقيمة ولاتتحركي."
أخذ يدخل الأبرة ويخرجها في القماش بحركة فنية متواصلة،ثم انتصب واقفا وهو مقطب الجبين"كارلو،هات الطبشورة"
اسرع واحد من معاونيه ليضع طبشورة صفراء في يد فابيانوالممتدة اليه.
"دبابيس"
لكزها مرة آخرى وارتعشت شفتي كارولين.لقد تراءى لها فجأة ان هذا المصمم القصير القامة والممتليء الجسم قد تحول الى رجل جراح برداء اخضر اللون وفي غرفة للعمليات الجراحية.وتابعت بنظرها لترى ان معاونا آخر سوف يتقدم منه ليمسح العرق الذي يتصبب فوق جبينه.
"المقص"
امتدت يد المصمم مرة اخرى وحولت كارولين بسرعة نظرها الى السقف.لاتبتسمي،قالت لنفسها مؤنبة. حاولي ان تفكري بشي آخر.فكري كم سندهش الجمهور الغفير الذي تجمع وراء الستائر المخملية من الضرر الذي حصل الآن في هذه الدقائق القليلة والأخيرة للعرض،كذلك المعاونون ومزينو الشعر،والأخصائيون في فن التجميل وبأختصار كل التقنيين الذين يشرفون على تنفيذ هذا العرض،احتشدوا وراء الكواليس في مكان ضيق من مسرح سالاديل آرت.
لا.انه الشيء غير المناسب لتفكر فيه.فقد ذكرها هذا كم سخرت من وتريش وضحكا طويلا عندما شاهدا تلك الدعوات المطبوعة لعرض الليلة بلغات اجنبية ثلاث.
"قاعة الفنون"قرأت لها تريش في شقتها في مبنى الغرب الأوسط"الا ترين معي انه المكان الملائم جدا لفابيانو كي يظهر نفسه في مجموعته الخريفية الساحرة بالنيابة عن اعتماد مساعدة الأطفال؟"
"احسان محلي؟" قالت كارولين مندهشة ببراءة ، وغرق بالضحك زملاء لهن بالغرفة.
"أوافق"قالت تريش بعد ان توقفن جميعهن عن الضحك :"قد يكون سوق السمك المركز المناسب لتصاميم فابيانو،لكن لن يعترف احد بذلك"
اضافت كارولين:"خاصة وانه ربط عرضه بذكاء وحنكة شديدين بشؤون الأحسان وأموره.والذي سوف يناله من كل ذلك،مديحا وثناءا على عمله الخيري.كما وأنني اراهن انه لن يبقى في القاعة مقعدا خاليا.
هكذا كان.فقد استرقت احدى العارضات النظر الى الجمهور من وراء الستائر المسدلة المخملية فوق المسرح وعادت لاهثة لتقول ان كل كرسي مطلي بالذهب قد امتلأ في القاعة المزدحمة.
"انتظرا حتى نرى من يوجد هنا"همست بحماس ،ثم قرأت بسرعة لائحة الأسماء المشهورة التي جذبت اعجاب الجميع ودهشتهم.
تعرفت كارولين على بعض الأسماء،مع انها لاتفهم كثيرا في هذه الأمور.معارض فابيانو عادة تجذب الناس مثلما تجذبهم تصاميمه،وهم من الأنواع التي تشع اشعاعا مزيفا.ولكن كان في هذه الليله عدد لايستهان به من رجال الأعلام وغيرهم،وكلهم اصحاب الأموال والألقاب ،والذين كانت تدعوهم تريش بالثقيلي الظل.
"سنيوريتا،سنيوريتا،مابك هل اصبت بالطرش؟"
حولت كارولينا نظرها نحوه.كان فابيانو مازال جاثما على ركبتيه وعيناه تحملقان بها،ويداه على خاصرتيه:
"طلبت منك ان تدوري حول نفسك ،من فضلك يجب ان تسرعي لكي نكمل اصلاح هذا الثوب.فقد اقترب موعد العرض."
لقد اقترب موعد العرض الذي طالما ارادته كارولين والذي شجعها على ان توقع على العقد الذي يخدم لمدة سنه مع شركة لعرض الأزياء العالمية ،هذه هي رغبتها في معرفة كل مايتعلق بشؤون الأزياء سنة كاملة في ميلانو،المركز الأيطالي المهم للأزياء،وبدا الأمر الأمثل لها،على الأقل أو هكذا كما لوحت لها السيدة التي ابرمت معها عقد العمل في تلك الشركة.
"سوف تعملين مع أفضل وأرقى المحترفين في هذا الحقل. وسوف تكسبين مبلغا كبيرا من المال،وعندما تعودين الى الولايات المتحدة تكونين حصلت على خبرة كبيرة وواسعة في هذا المضمار."
اهتمام كارولين لم يكن محصورا في هذا القسم الأخير.
عرض الأزياء كان فقط الخطوة الأولى والوحيدة الى مهنة تصميم الملابس.وكانت الدروس التي تعطى في الولايات المتحدة في معهد برات للأزياء الأمر المهم الذي كانت تفكر به وتتمناه وعليها ان تحصل على مبلغا كافيا من المال لهذه الدروس وهي الفكرة الصائبة،وكان العمل مع خبراء في هذه المهنة اولى خطوات الألف ميل.
كانت لسذاجتها او لغبائها لم تكن متأكدة اي منهما تقف بين أيدي مصممي الأزياء فالنتينو وآرماني تتعلم منهما اصول خياطة الأقمشة الناعمة ،وبالتالي التصميم لأروع الأبتكارات الكلاسيكية.
بدا لها ان الحلم سوف يتحقق.
هنا تكمن العلة والصعوبة،فكرت وهي تسخر من نفسها .
لأنه كان حلما ،اما الحقيقة فظهرت شيئا مختلفا تماما.
آه،انها تحب ميلانو.فللمدينة مزيج حيوي بين العالم القديم والجديد،كما يمكنك التحديق بأعجاب شديد بلوحات دافنتشي
والتسوق في كاليريا فيتوريو ايمانويل وهي من أضخم وأقدم الأسواق الأوربية واوسعها انتشارا.
في استطاعتك ايضا،وعندما يكون الجو مشرقا ان ترى الثلوج من على قمم جبال الألب الساحرة.
لكن لم يتحقق أي وعد من تلك الوعود التي وعدتها بها الوكالة.فهي لاتعمل مع فالنتينو بل مع فابيانو والمصممون الذين يعملون على منواله تستمر مهنتهم جزئيا مثل ذباب الفاكهة،لذا فأن نجاحهم لايتوقف على المواهب التي يتحلون بها بل على أفكار لابأس بها قد تطرأ على رأسهم في فترات متباعدة .
اما بالنسبة لمبلغ المال الذي خططت لتوفيره،لاتعلم كيف ستستطيع ان توفره؟فقد أخذت الوكالة نصف مجموعة قبل ان تراه عيناها، قسم منه من أجل عمولة حجوزاتها والباقي لدفع مايتوجب عليها من ايجار الشقة المتواضعة التي تشاركها فيها تريش وفتاتان اخرتان.
كان أسوأ مااكتشفته اخيرا بأنها كرهت مهنة عرض الأزياء هذه .
وأحد هذه لأسباب اضواء الكاميرا،فكانت تشعر بحرج كبير وهي تتمايل على صوت الموسيقى الشعبية وترتدي ثوبا شعبيا رخيصا.وعيون الناس تحدق بها من كل صوب ولكنها كانت تعلم،ان طريقة تفكيرها خطأ لا أساس له .
فمهنتها عارضة ازياء ،ومن الطبيعي ان تجلب انظارهم اليها .فهذا ماجاء بهم الى هذا المكان. لكنها لم تستطع منع نفسها من رؤية ماوراء نظراتهم ،كالحسد الذي يظهر بوضوح من نظرات النسوة الى نظرات الرجال النهمة المتعطشة.
وجدت مع الوقت طريقة ما تنسجم بلحظاتها فوق خشبة المسرح.وكانت الطريقة هي ان تتجنب مايقلقها في اللحظة التي تخطو بها على الخشبة.مثل الا تلحظ نظر أحد من الجمهور .ولا ان تفكر بالثوب السخبف الذي تعرضه او بالمساحيق التجميلية التي تكسو وجهها أو بشعرها المسرح مثل عروة الأسد.
قررت بالمقابل ان ترفع رأسها عاليا بشموخ وأنفه وتصقل نظراتها بغشاوة شبه زجاجية وان تتحرك على صوت الموسيقى بلطريقة الصحيحة التي طلبت منها.وان تتخيل نفسها بعيدا عن الجمهور كونه ضمنا معهم.
والمضحك في هذا الأمر كله انها تظن نفسها قد اصبحت محترفة في النهاية كعارضة بارعة في هذا الحقل والتي تعيش لحظاتها تلك مع نظرات الجمهور.
"عظيم"
جفلت كارولين ثم نظرت اليه.بينما كان فابيانو يقف بتثاقل وغابت كل الأبتسامات التي تصورتها الآن.وأحاط كتفيها بشوق،وقبلها قبلتين في الهواء على كل خد من وجهها.
قال بأرتياح:"لقد تم اصلاح الثوب.انك ياسنيوريتا فتاة رائعة.فجمالك يضاهي جمال الثوب الذي ترتديه."
حاولت كارولين ان تهديء من صوتها :"انه...انه ثوب غير عادي"
"غير عادي؟انه رائع ياسيدتي .انه أجمل ماسترتدينه الى أن أقدم ابتكاري التالي."
"لاأستطيع أن أتصور كيف يمكنك ابتكار شيء آخر؟فبهذا الأبتكار تجاوزت كل حدود الجمال."
ضاقت عينا الرجل للحظة وكأنه يحاول تفسير ماقالته كارولين ،لكنه سرعان ماأبتسم فغروره لم يدعه يفهم ماقالته،على الرغم من مقدرته في تكلم الأنجليزية.
قال وهو يبتسم"متعي نفسك ياسنيوريتا."وأٍسرع بالخروج،ومعاونوه يسيرون من وراءه تماما.
قالت كارولين وكأنها تكلم نفسها"يالها من فرصة سانحة."
"أهذا الذي يجبرني على ارتداء هذا الثوب؟أهي الأفكار الأيجابية في العمل؟"
دارت كارولين بسرعة حول نفسها،كانت تريش قدمة نحوها ويعلو محياها الجميل ازدراء كلي للذي ترتديه.فقد كان لون ثوبها أخضر يميل الى الصفرة وكأنه طلي بدهان من اصله.
قالت كارولين هازئة"ماهذا الثوب؟"
قالت تريش وهي ترفع شعرها عن كتفيها وأدارت ظهرها لكارولين :"سؤال وجيه .اسدي لي خدمة ان سمحت وارفعي لي سحابة الثوب."
قالت كارولين وهي ترفع لها سحبة الثوب:"هذا ان استطعت الأستمرار من دون تنفس.هاقد سحبتها ،كيف تجدين نفسك الآن؟."
"غير محتمل،ولكني من أكون كي أتذمر؟"استدارت تريش لتقف امامها ."انه رائع.انه اجمل ماسترتدينه،حتى ماسأبتكره قريبا."
انطلقت كارولين ضاحكة "هل سمعت ماقاله؟"
"نعم."وتراجعت الى الوراء بضع خطوات،ثم ألقت نظرة شاملة على زميلتها في الغرفة وعيناها تضيفان بحدة"من المؤسف انك لم تواجهيه بالحقيقة الكاملة .لأنه مهما كان مقدار أناقة الثوب فأن نجاحه يعود اليك."
شدت كارولين الرباط الذي يحمل القماش الحريري الأحمر حول عنقها ثم أخذت تشد أطراف الثوب وكأن بذلك وبطريقة ماستزيد من طوله.
قالت بعصبية:"انك لم تشاهدي ماسوف ارتديه في المرة التاليه.ياله من أزعاج!على اية حال ساعة او مايقارب،وسأعود لأرتداء الجينزو.."
"ليس الليلة حتما ايتها العزيزة"
"مالذي تقصدينه بقولك ليس الليله"
"لاتقولي انك قد نسيت انها حفلة الكوكتيل التي ستقام بعد العرض وينتظر منا ان نتقارب من الجميع."
تورد خدا كارولين وصاحت:"لن أتقرب من أحد."
"اسمعي اتعتقدين اني لا أذكر ايضا؟"
"آسفة تريس لم اقصد ان.."
تنهدت تريش قائلة"اعرف تماما من أنك لم تقصدي شيئا،اسمعي ،فالليلة هذه مختلفة والمقصود منها الأحسان من أجل الأطفال."
"أذا؟سبب وجودنا هو أن نعرض مجموعة من فساتين فابيانو الفاشلة،لاأكثر."
"اصبت.وسيقدم خمسة في المئة من أرباح هذه الليلة من أجل اعتماد مساعدة الأطفال،وهذا يعني.."
"هذا يعني انه يحور ويدور ليؤثر على الحضور كي يبع تصاميمه كلها."
"وهذا يعني ايضا اننا محتجزتان الى ان تنتهي الحفلة."
لذا علينا الأبتسام دون تكلف ونعمل بجد واجتهاد في صالة الرقص تلك كي تدور العجلة التجارية ونؤمن كافة الطلبات.""يشير الرجال الى بضائعهم بأشارة من اصبعهم نحونا."
ابتسمت تريش ابتسامة عريضة:"لم أر رجلا يشير اليك بعد."
قالت كارولين بحدة:"أنت على حق .لكن العقد لم يأت على ذكر اية كلمة واحدة من هذا القبيل."
"اسمعي ،أنا اوافق على كل الذي تقولينه فبعض أولئك الرجال سفلة .وبعض الفتيات ،اعني البعض منهن،يعتقدن ان الرجال يبتهجون لعمل كهذا."
"هذا اللذي يولد الرعب في الأمر كله."
"آه،لكن مارأيك بجيليا أوسوزي،فقد تعرفتا بأشخاص أغروهما بالوعود الصادقة لأدخالهما في الحقل السينمائي."
قالت مقتنعة اقتناعا راسخا:"اما بالنسبة ألي انني لاأرى سوى سائق التاكسي الذي ينقلني الى شقتي."
"لاباس به بالنسبة الي."قالتها تريش وهي تهز كتفيها بدون مبالاة.
"ايتها السيدتان."والتفتت الفتاتان .فرآتا احدى مساعدات فابيانو تصفق بيديها لهما:"اسمعا اننا على وشك البدء بالعرض."
احست كارولين بأنقباض في أمعائها .وفكرت ممتعضة انني اكره هذا كله،انا حقا اكرهه!
"هل انت بخير؟"
نظرت الى تريش،وهي تغالب نفسها على الأبتسام ثم قالت"أنا بخير."
------
فكر نيكولو ساباتيني ،بأنه افظع مكان يمضيه رجل في ليلة الخميس هذه.انما هذا لايعني بأنه يكره النساء.لا.لا احد يتهم الأمير نيكولو ساباتيني بأتهام غير معقول هكذا لكنه تعمد الأبتسام بلباقة في الحفلة.
المشكلة هي بأن هناك العديد منهن احتشدن في تلك القاعة،الجميلات منهن،وبنات العائلات،والشابات والعجائز.وكلهن يجمعهن هدف واحد.
انها مجموعة فابيانو الخريفية من الأزياء.تحرك نيكولو بأنزعاج على ذلك الكرسي المطلية بالذهب والتي حتما لاتتلائم وجسد الأنسان.
لم يكن سبب انزعاجه عدم اهتمامه بالأزياء التي ترتديها النساء،لكن الذي كان يعجبه اكثر هو عندما تلامس اصابعه القماش الحريري عندما يحاول ان ينزع عن المرأة ثوبها في ظلمات غرفة النوم.
كان مجبرا على الجلوس يدعي الأهتمام بعرض لاينتهي لعارضات أزياء صبغن وجوههن بمساحيق مختلفة اصطناعية هذا بالأضافة انهن يرتدين ملابس سخيفة،مفضلا ان يلقي من وقت لآخر نظرات خاطفة على لوحات علقت على الجدران،وعاد ليحول نظره الى خشبة المسرح مرة اخرى.لا،فكر في نفسه ،لا،لايستطيع ان ينظر اكثر حتى ولو كان هذا اكراما للأميرة.لكن كيف ،فهو يحب ان يفعل أي شيء من أجل جدته الحبيبة نونا.ألم يؤكد ذلك عندما وافق على مرافقتها الى هذا المكان هذه الليلة،والسبب في ذلك حبها الشديد للأعمال الخيرية.
انه يشعر بأنه واحد من هؤلاء المتأنثين الأغبياء والذين يتكلفون للأبتسام فيمن حولهم.حتى انه يشعر بأسوء من ذلك ،يشعر بأنه مثل انطونيني وفرانتي وآخرون اكتشفهم،بأنهم خدعوا الفتيات الجميلات اللواتي حلمن بالجواهر والفرو الثمين وبعن انفسهن بسهولة،وهو يجلس الآن وربما بينهم وفي نفس القاعة،كل ذلك جعله يشعر بالحقارة في نفسه.
ماكان من داع لكل هذا.فهو يستطيع الآن ان يخرج من القاعة الى غرفة الأنتظار ،ويشعل سيجارا ،ويستطيع حتى ان يقوم بنزهة حول المبنى،ويكون عنده الوقت الكافي ليعود ويرافق الأميرة بسلام من بين هذا الحشد الكبير الى خارج المكان كله.
مال نيكولو نحو السيدة الطاعنة في السن والتي تجلس الى جانبه.وقال بلطف:"نونا"
نظرت الاميرة اليه:"نعم،يانيكولو."
"اتمانعين لوخرجت اشم النسيم لبعض الوقت؟"
ابتسمت له:"يظهر انك لاتشعر بالأرتياح؟"
"لا،ليس هذا..انني فقط.."
"انك لاتشعر بالأرتياح فقط بل انك تشعر بأن هذا ليس موضعك الطبيعي.كان علي ان أدرك هذا."ابتسمت له وهي تداعب خده."رجل مثلك يفضل ان تأتي اليه النساء واحدة بعد الآخرى،اليس كذلك؟"
ابتسم ابتسامة عريضة ولمعت اسنانه البيضاء مضاءة في فمه وعلى وجهه المعرض لأشعة الشمس قال لها:"تعرفينني حق المعرفة."
اشارت اليه الأميرة بأصبعها:"اذهب يانيكولو."
"متأكدة انك لاتمانعين؟."
"بالطبع لا.سأكون على خير مايرام."
قال لها:"لن اكون بعيدا.فأن احتجت الي.."
قالت بأصرار:"لن احتاج اليك.اذهب الآن."
نهض من على كرسيه وشق طريقه بأنتباه بين الحشد الكبير في القاعة،وهو يردد التحية بأدب للذين يحيونه باسمه،ثم لاحظ وهو يحاول اخفاء دهشته بأن سيدتين منحتاه ابتسامة خاصة كانتا تجلسان جنبا الى جنب،ولم يكن لديه ادنى فكرة الصديقتان كان لهما شيء اكثر من علاقة صداقة تربط بينهما.
خف الأزدحام في الجزء الخلفي من القاعة وفكر بأن يتوقف قليلا هناك،حيث كان في استطاعته مراقبة الاميرة وان يتنشق بعض الهواء النقي افضل من هواء عابق بأنواع كثيرة من العطور ،لكنه تناول السيجار من جيب سترته الداخلية الفاخرة والتي خيطت باليد لتتلائم وجسده الرياضي ثم قرر بأن رائحة دخان سيجارة ستنقي أنفه من الروائح المتنوعة التي عبقت في الغرفة كلها.
مال نحو الباب الخارجي وغرقت القاعة فجأة بالظلام وتعالت الموسيقى الصاخبة من مكبرات الصوت ف جميع الأتجاهات.
استند الى الحائط وثنى ذراعيه الى صدره،وهيأنفسه الى لحظات الضجر التاليه.
تلألأت الأضواء من سقف القاعة ،وهي تضيء المكان بألوان قوية .وفتحت الستائر،لتكشف عن صف من عارضات الأزياء بمساحيق متنوعة وغنية عن التعريف،وبشعر كثيف مصفف بأحدث التسريحات انما ليست الملابس من تلك الأنواع التي تجذب الرجل اليها.
تقدمت احداهن الى الأمام ،تتمايل بأغراء شديد مع الموسيقى،ولحقن بها الأخريات في الممر الخشبي الضيق للعرض،وصفق الجمهور استحسانا،ثم بدأ العرض.
لوى نيكولو فمه اشمئزازا وهو يراقب سير العرض،وتأكد له جيدا ان النساء هن ايضا سلعة للبيع كما الأزياء.
والذي لم يستطع ادراكه وفهمه هو،لماذا يرغب أي رجل في كامل عقله في الشراء؟ولغاية الآن مامن شيء يستحق شراؤه كما وأنه حتى النساء لسن جميلات مثل..
سرعان ماأحس بأختناق في صدره .فقدرأى امرأة تتحرك فوق خشبة المسرح ،وكانت ترتدي ثوبا احمر.
وأحس بحرارة شديدة تجري في شراينه.والذي شده اليها قوامها الممشوق لا الثوب الأحمر الرخيص .كانت نظراته تتفحصها بالكامل .وقد اظهر الثوب مفاتنها المثيرة رغم رداءته.احس بأصابع يده تلتوي ،فكور يديه بأحكام واخفاهما في جيبي سترته.
التفتت وهي تتمايل مع النغم الموسيقي ،كان وجهها جميلا بكل مافي الكلمة من معنى:عظام وجهها عالية ونافرة ،أنف مستقيم وفم جذاب ومغر،وشعر لوحته اشعة الشمس بخيوط ذهبية،يتدلى قسم منه فوق ظهرها وقسم اخر فوق كتفيها وكان يتمايل كأمواج البحر وهي تخطو على طول الممر الخشبي للعرض.وكانت تتحرك ببطء على ايقاع معين من الموسيقى.وكانت تعابيرها باردة لاحياة فيها،وقد يتخيلها المرء بأنها عديمة الحس والشعور ،وتساءل نيكولو فيما لو أنها تكون كذلك وهي برفقة رجل ما.
تلاحقت نبضات قلبه ،وهو يركز نظره عليها تماما وعلى ذلك الثوب الأحمر المتألق.
نظرت مباشرة اليه وعادت تحول رأسها وتتأمل أرجاء القاعة لتعود وتنظر اليه.
"انها تدعى كارولين بيشوب.وهي امريكية الجنسية."
قفز نيكولو مندهشا لتلك العبارة وكأنها كانت تعنيه مباشرة.والتفت ليرى جياني انطونيني يقف الى جانبه،برأسه العالي المنتصب وابتسامة ماكرة ترتسم فوق وجهه الناعم جدا.
"انونيني"هتف نيكولو وهو ينظر اليه وكأنه اجبر ان يحول انتباهه من الفتاه نحوه:"لقد خيل الي انني رأيتك بين هذا الحشد الكبير،كيف حالك؟"
"في استطاعتي ان اعرفك بها،ان كنت ترغب بذلك.تربطني..كيف اسمي ذلك؟تربطني صداقة خاصة بأحدى زميلاتها في الغرفة."
تجمد الدم في عروق نيكولو :"انني على ثقة كبيرة من ذلك."
ضحك الرجل الآخر بلطف "ستكون طبعا في الحفلة التي تلي العرض .وهكذا جميع الفتيات ،لأنه هذا هو الوقت الأفضل لعقد الأتفاقات.اترغب بالتعرف اليها؟."
دار نيكولو ليقف امامه :"لماذا؟هل ستنال لنفسك شيئا يا أنطونيني؟."
"انت تحاول اهانتي دائما في كل مرة احاول ان اكون ودودا معك.انت تعلم جيدا كيف هن الأمريكيات وهن بعيدات جدا عن وطنهن.."ابتسم وهو يحول نظره الى خشبة المسرح،حيث كانت كارولين في تلك اللحظة تختفي وراء الستائر ."انما هذه الفتاة تختلف تماما عن الآخريات،تعمل بجهد كي تكسب المال،وكل شيء يمكن اخذه بثمن معين."
لوى نيكولو فمه بنفور شديد:"هذا يدل على ان الشاري أرخص ثمنا من البائع."قال بفتور وهو يبتعد عنه:"اللى اللقاء ياجياني"
سمع نيكولو صوت ضحكة صديقه الرققة بينما كان يمشي نحو الردهة.وتنفس بعمق عندما أغلق الباب من ورائه وأخذ يتنشق الهواء النقي بعمق الى رئتيه.
اللعنة لماذا سمح له ان يتدخل بشؤونه بتلك الطريقة ؟
ليدع الرجل يفعل مايحلو له.فخذا لايعنيه على الأطلاق .
ماكان من مبرر ليتصرف بهذا الغباء.ثم وجد لنفسه عذرا،فقد كان يعمل بكد مؤخرا,وبجهد كبير وربما هذا يفسر كيف انه فقد هدوء اعصابه مع انطونيني وكيف كانت ردة فعله تميل الى تلك الفتاه.
ابتسم بثقة فلاحاجة للرجل ان يبرر نفسه لنوع كهذا من الأنجذاب الى النساء.واسبابها تعود لأجيال مضت منذ ازلية الرجل نفسه.
لكن الحادثة تلك جعلته مضطربا لايعرف نوعا من الأستقرار الذاتي.وكأنما اصيب بطعنة قوية في مكان ما في كيانه ،في مكان مظلم يصعب التحكم به كان ذالك ادراك غير مريح.
تناول بعد لحظات سيجارا آخر من جيبه واشعله بولاعته الذهبية،واخذ ينفث دخانها في الهواء.كانت الموسيقى مازالت في اوج صخبها مع مرور اللحظات.كان السيجار قد وصل الى نصفه وهو يحترق عندما رفع كم سترته لينظر الى ساعة يده ،حسنا.لايمكن ان يستمر العرض اكثر،وعندها سيرافق الأميرة ويغادر المكان.
اخذ نفسا عميقا ومشى نحو الباب،وفتحه نعم فالجمهور كان واقفا وهو يصفق استحسانا وعارضات الأزياء يبتسمن بفخر واعتزاز لفابيانو الذي وقف بينهن على خشبة المسرح.
شق نيكولو طريقه بين الحشد الكبيرمن الجمهور متوجها الى الأميرة.
كانت عينا الأميرة تلمعان وهي تنظر الى نيكولو عندما وصل اليها."لقد فاتك كل شيء يانيكولو."قالت له وكأنها ترمز لشيء ما.
اشارت بأصبع يدها فمال نحوها الى ان دنت شفتاها من أذنه"كانت الأزياء رهيبة ،لاتستطيع ان تتصور ذلك على الأطلاق."
ضحك ثم قال:"لكنني استطيع تصور ذلك ياعزيزتي"
قالت مؤكدة"لا.لاتستطيع.حتى هي بالثوب الذي ارادها ان ترتديه كان بشعا للغاية"
ضحك مجددا وهو يحاول ان يحلق بنظراته الى الفتاة التي تشير اليها بأصبعهاقال:"من؟من التي ارادوا منها ان ترتدي شيئا بشعا وغير لائق..؟"
علقت الضحكة والكلمات بين شفتيه .هاهي تقف مرة ثانية فوق خشبة المسرح مع الأخريات.وبنفس النظرات الباردة والجامدة فوق محياها الجميل.وقد بدلت ثوبها الأحمر الحريري بثوب ازرق طويل عكست الأضواء عليه فأصبح بألوان تشبه قوس قزح.
اخذت عيناه تتفحصانها جيدا.فعدا ان ثوبها الليلي كان طويلا ومحتشما .كانت كاما تحركت تزداد دهشة نيكولو اكثر للقوام الممشوق الخالي من العيوب.
"نيكولو.نيكولو"
اجرض نيكولو بريقه وحول نظره عن الفتاه:"نعم يانونا؟"
تمسكت السيدة العجوز بذراعه لتقف على قدميها"اللذي ترتديه الآن على الأقل اكثر جمالا ومع ذلك فأنه ليس هو الثوب الملائم لها،انه لايتلائم مع هذا الوجه الساحر.ألست على حق؟"
ردعليها بذهول تام:"انني واثق من انك على حق."
"من الغرابة وجودها في هذا المكان ،اليس كذلك؟"
رمق الفتاة بنظرة اخيرة قبل ان يلتفت الى الأميرة :
"ارجو المعذرة يانونا،الى من تشيرين؟"
قالت بنفاذ صبر:"اريانا"
تعجبت السيدة العجوز وقالت "لاتنظر الي هكذا وكأنني اصبت فجأة بالخرف"
"ايتها العزيزة،يانونا،ان اريانا ليست بين الفتيات حتى انها ليست في ايطاليا كلها منذ فترة طويلة وانت تعرفين ذلك."
عضت الأميرة شفتها:"طبعا اعرف .لكن الذي ارددت قوله "ان التشابه غريب "واشارت نحو خشبة المسرح .انتهي الفصل
أنت تقرأ
روايات احلام/ عبير: الربيع في روما
Romanceكانت كارولين عارضه ازياء ، لكنها كانت تكره مهنتها هذه . وتكره ايضا الحفلات غير الصادقه والمرائيه , وكذلك تكره تلك العيون النهمه. إلى ان التقت عيناها بعينين هزتا مشاعرها . انها عينا نيكولو ساباتينى الذى بدأ يتولى توجيه حياتها وكأنها ملك من ممتلكاته ا...