الفصل الثامن
وقفت كارولين مع نيكولو ودليلهما في البانثيون،وهو عبارة عن هيكل وكان الدليل قصير القامة يتميز بالصبر والتحمل.
وكان قد التقى بهما منذ ساعتين من الوقت في بيازا فينيزيا وذلك بعد ان اتصل نيكولو بواسطة
الهاتف وقام بالتحضيرات اللازمة.
"سوف اريكما افضل مافي روما" قال لها بأبتسامة متواضعة ،واعتقدت كارولين مع صفاء نيتها بأنه فعلا كان يقوم بأفضل مالديه من وسائل.
لكنها لم يكن لها اي مزاج في اقتفاء تلك الأثارات التاريخية ،كذلك كان نيكولو الذي ظهر على وجهه ذلك فهو لم يعبر عن ذلك بكلمة واحدة كما انه لم يخاطبها ولا مرة منذ ان انضم ذلك لدليل اليهما.
كذلك انهمالم يتظاهرا بالعجب حتى لأي ملاحظة حول تلك الأعمدة والأقواس الحجرية التي هي كنز العالم القديم.
لكن نيكولو كان على حق فلا خيار لهما .والعودة الى القصر تعني انه عليهما اختلاق الأعذار لرجوعهما المبكر الى آنا ،وكيف سيتدبران ذلك؟
افضل مايمكن عمله،فكرت كارولين بينها وبين نفسها،هو ان تغرق بأحسيسها الى جمال وروعة كل شيء حول المدينة التاريخية روما.
وكان بأستطاعتها ان تقوم بذلك لو ان الدليل سمح لها ان تفعل ذلك.
لكنه كان موسوعة من الحقائق والأرقام التي تعود ترديدها،وعزم على ان لا يخفي عنهما لاشاردة ولا واردة وبتأثر شديد جاعلا من السكون يردد كلماته بنوع من الهمس في معابد تلك العصور القديمة،ولم يستطع اي شيء ان يرده عن المهمة التي اوكلت اليه
والتي حفظها عن ظهر قلب،ولاحتى عدم استجابة الجمهور له ولشرحه.
"...وشيد هذا في سنه 27 ماقبل المسيح بواسطة ماركوس اغريبيا،وهو صهر الأمبراطور اوغستوس ويبلغ قطر القبة حوالي ثلاثة واربعون مترا.
ويبلغ كذلك طول المبنى تماما مثل قطر القية لاحظوا من فضلكم وسط الفتحة."
ادارت كارولين رأسها مستجيبة الى ملاحظته.
"يبلغ عرض الفتحة تسعة امتار والتي تسمح بدخول الشمس اليها،وقد تأثر السياح عبر التاريخ بجمال وتناسق وانسجام تلك القياسات."
"شيء فريد فعلا."قالت ذلك عندما احست بأنه كان يتوقع منها تعليق ما.
هز برأسه ثم نظر اى نيكولو ونظرت كارولين اليه ايضا،وعيناهما تتسعان من شدة الغيظ لقد كان ضجره وتقوس فمها كانها تمنع نفسها من التثاؤب،
لكن نيكولو كان يبدو عليه وكـأنه سينفجر من الملل والضجر بين لحظة وأخرى.
كانت تبدو فعلا التعاسة على وجهه!كم لذيذ ذلك.
وابتسمت لأول مرة منذ ساعات.
قالت كارولين"انه شيء ممتع فعلا"
نظر الدليل الى نيكولو الذي عقد مابين حاجبيه قال بملل تمزجه الكآبة "نعم هذا ممتع"
ظهرت علامات الرضا على الدليل ثم تقدم وهو يتابع:"تماثيل الآلهة التي وقفت عبر الآجيال في كوات في الجدران التي تحيط بنا ربما استعيرت في وقت من الأوقات الغابرة ولم تستعاد،
واقول "استعيرت لأن ذلك قد يدل على قلة تهذيب فيما لو انني قلت انها سرقت باكملها."
وابتسم كي يظهر بأنه قام بمزحة.
قالت كارولين"هل فعلوا ذلك حقا؟"
"قامو بماذا ياسنيورا؟"
"سرقوا التماثيل؟"
لم يكن الدليل مستعدا لأسئلة كهذه وقد ظهر ذلك بالتقطيب الذي بدا على وجهه.
ابدى نيكولو اشارة دلت على عدم احتماله اكثر:"طبعا سرقت،فالبربر هم الذين سرقوا التماثيل."
"ربما ياسمو الأمير والأن لو اسألكما ان تتبعاني.."
"سرق البربر تلك التماثيل" كرر نيكولو الكلمة وكأنه لايقبل اي جدل آخر:"لكن اربان الثامن احذ الأشياء البرونزية من داخل المعبد واعطاها لبرنيني وذلك كي يخترع بالادشينو وهو عبارة عن مظلة فوق مذبح الكنيسة الباباوية."
دهشت كارولين "وكيف تعرف كل ذلك؟"
قال نيكولو بكبرياء ظاهر "انها معلومات عامة وكنت قد قرأت قصة برنيني في مذكرات غريغوريو ساباتيني."
واشرق وجه كارولين:"مذكرات؟تعني من ايام بدء النهضة الأوربية؟"
"نعم"وكان غريغوريو الصبي الذي تتلمذ على ايدي المخترع برنيني و.."
"آه هذا مثير للغاية وهل قام ..؟"
"انني على ثقة بأنكما تودان رؤية ماتبقى من المكان ."
قال الدليل بتهجم وأخذ يخطو الى الأمام .
تنهدت كارولين ولحقت به وتبعها نيكولو بعد لحظة
"يبل عرض رواق المعبد نحو ثلاثةعشر مترا وله سته اعمدة من الصوان الصلب ومتوجة بزخارف على الطريقة الكورنثية اليونانية وطول كل منها اثني عشر مترا تقريبا
حدقت كارولين والدليل بنيكولو الذي حملق هو الأخر فيهما بدهشة "اذكر ذلك من كتب التاريخ في المدرسة ."
قال وهو يرسم ابتسامة كبيرة"اذن قد تذكر ان الأبواب التي مررنا بها منذ لحظات يبلغ قياسها سبعة امتار تقريبا وبأنه كان هناك خمس درجات تصلنا الى المبعد والتي يبلغ قياسها.."
"اللعنة!"انطلقت الكلمة من حنجرة نيكولو بثورة جامحة .
علت الدهشة الكبيرة على وجه الدليل "هل هناك اية مشكلة ياسيدي؟"
علت حمرة من الخجل فوق خدي نيكولو ."لالا مشكلة انه فقط.."ومد يده الى جيب سرواله وسحب منها كمية من المال وقال :"سيفي هذا بالغرض.."
"لكن..انني لاأفهم.هل انتم غير راضين عن هذه الزيارة.."
"لا،لا لقد كانت جيدة آسف جدا لقد تذكرت الأن ان لدي موعدا او بالأحرى لقاء."وسحب يد الرجل ليدس فيها المال "وهذه خمسون الف لير اضافية كعلاوة على المعلومات الدقيقة والممتازة التي قدمتها لنا."
ابتسم الدليل ابتسامة محيرة ومربكة:"هذا كثير ياسمو الأمير،فنحن لم ننه بعد الجولة المفروضة؟"
"لاتقلق بشأن ذلك،سوف اتصل بك في المرة القادمة عندما نكون غير مرتبطين بالعمل ،وسنتجول على الأمكنة المتبقية،أليس كذلك؟"
"نعم اذا كانت هذه رغبتك لكن.."
"انها كذلك بالتأكيد ."قال وهو يضع ذراعه حول كتف الدليل ويصرفه بلطف من رواق المعبد كأنه مضيف يرافق ضيفا ارهقه السهر الطويل عنده.
وعندما عاد اليها ابتسمت له بأشراق وقالت له"حسنا لقد كان ذلك ممتعا."
"نعم.ارجو الا اكون قد افسدت عليك بعض الأمور."
"موعد ،همم؟"
التقت عيناه بعينيها :"سأقوم بأتصال من أجل دليل آخر.ان كنت تودين الأنتظار هنا.."
هزت كتفيها من دون مبالاة"لا.لا ارجوك لاتتعب نفسك!في استطاعتي ان ان استمر في تجوالي دون دليل.هل هذا ممكن؟"
حملق نيكولو فيها "اعتقد انه لابأس بذلك لكنني كمواطن اعرف اشياء لايعرفها غيري في هذه المدينه."
"اذا.."
"لكنني لست دليلا ولا اتمتع بخبرة واسعة في هذه الأمور ياكارولين.."
قالت وهي تحني رأسها:"فهمت.هذا يعني انك لن تتمكن من ان تطلعني على طول معبد سيستين؟"
"اخشى انني لن اتمكن من ذلك."
"ولاحتى عدد الأيام التي استنفدت في تشيد قصر فارنيسي؟"
بدا غير مبال وقال"لافكرة لدي عن هذا"
ابتسمت كارولين قليلا"ولكنك لابد ان تعرف شيئا عن تاريخ عائلة فارنيسي."
"نعم ،بالتأكيد..ففي الواقع كان قد انتسب ال فارنسي الى آل ساباتيني."
"متى؟"
"ليس من مدة طويلة وقد كان ذلك في آواخر سنة 1700 اوربما اوائل سنة 1800 لاأذكر بالضبط."
تنهدت مازحة وقالت:"اخبرني عن ذلك الزواج؟"
اخبرها عن كل شيء وهما يعبران الرواق المسقوف فأخذت تضحك في نهاية القصة.
"آه هذا ممتع اكثر من ان اسمع كم من اطنان الرخام قد استعمل في تشيد قنطرة قسطنطين!"
قهقه نيكولو ضاحكا.."اوافق معك كان ذلك الرجل المسكين مستحيلا.."
"لابل اسوأ من ذلك كان عندي مدرسة انكليزية تشبهه تماما.وكانت تدعى السيدة بنغز.كان من المفروض عليها ان تدرسنا الشعر لكن.."
"لكن كل الذي كانت تتكلم به هو حول الأكتار فقط."
ابتسمت كارولين له :"وكيف عرفت ذلك؟"
"لأنني عانيت كثيرا لأحفظ الشعر الأمريكي والذي يعود الى القرن التاسع عشر وكان الأستاذ في مدرستي يقوم بنفس الشيء."
وتوقفا قليلا الى جانب حافة الطريق واحاط نيكولو ذراعه حول خصر كارولين وهو يرشدها الى الجانب الأخر من الشارع."وقد تأملت خيرا في الدروس التي كنت اتلقاها في جامعة امريكية،لكن.."
"اية جامعة؟"
"جامعة يال."
"ذهبت الى جامعة يال؟"
"نعم وكان ذلك ماقبل التخرج."
فكرت في الذي تكلم عنه حول نيو انكلاند في ذلك اليوم الذي احضرها فيه الى روما وكيف تجاوبت معه بكبرياء.
"اذن انت تعرف شيئا حول نيو انكلاند.."
اجاب نيكولو:"لقد عشت في القسم الشمالي الشرقي لمدة ست سنوات اولا في كونيكتيكات ثم في بنسلفانيا وتخرجت في وارتون.."
"في حقل الأعمال؟"
اجاب مبتسما"طبعا،وهل تؤهل وارتون غير ذلك؟ لماذا تبدو عليك الدهشة ياعزيزتي ؟هل لأنني تلقيت العلوم نفسها؟"
تورد وجه كارولين:"عنيت فقط..."
"كنت اداعبك فقط ياكارولين .وعلى اية حال مهما درس وتعمق المرء في ذلك الحقل فقد يجد انه من الصعب عليه التداول في عالم المال فالبارحة مثلا ،وفي لقائي في كان.."
"كان؟اتعني انك كنت هناك من اجل العمل؟"
نظر نيكولو اليها كمن ينظر الى شخص فقد عقله.
"بالـتأكيد ..وقد قلت لك قبل مغادرتي .كنا قد تكلمنا بالتجارة منذ عدة اشهر مع هؤلاء الناس وهل يرغبون في ان نتوسع معهم في منتجاتهم الفرنسية ؟او ربما على الشاطيئ الأيطالي اوعلى الريفييرا؟"
وكان مازال يلفها بذراعه وهما يقطعان الشارع مرة اخرى :"ولم يتوصلوا الى اي قرار.وبعد ذلك وفجأة اتوا الى روما في الأسبوع الماضي.نعم لقد ارادوا مالا من ساباتيني وينتظرون ان يحصلو على جواب مني شخصيا."
"تعني انك انت المسؤول المكلف؟"
حدق نيكولو في وجهها وكأنه يتفحصها :"وهل هذا يدهشك ايضا؟آه ياعزيزتي انك تشبهين لوحا من الزجاج انك في غاية الشفانية."
"تقصد الشفافية"
"مالفرق في ذلك؟فالشمس تعكس على كليهما اليس كذلك؟"
"لاأقصد ،نعم،لكنك تستطيع ان ترى جيدا خلال واحد منهما،بينما الأخر.."
"بينما الأخر لاتستطيعين .."ومنحها ابتسامة سريعة:
"اعرف الفرق ياعزيزتي لكن انت لاتعرفين."
قالت ضاحكة:"أنا؟لاتكن سخيفا."
"فقد ادعيت منذ البداية بأنك تستطيعين رؤية مابداخلي وقراءة افكاري."
تدفق الدم الحار الى وجه كارولين:"هذا ليس عدلا."
"انني الأمير اللعوب وتحيط بي السيدات من كل حدب وصوب وثري كبير بينما تنقصني القدرة على ان املأ ابريقا من الشاي،هل انا محق في ذلك؟"
"لقد رجعت تخطيء في التعبير مرة أخرى،فيجب ان تقول فنجانا من الشاي وليس ابريق الشاي."
هز نيكولو رأسه قليلا"اقر بذلك وانت لست كما ظننت."
"مالذي تقصده بالفعل؟"
قال وهو يبتسم قليلا:"الذي اقصده انني اخطأت في الحكم على مبادءك واخلاقك.."
قالت بتصلب شديد:"نعم لقد فعلت ذلك حقا."
"ماكان علي ان اقوم بأفتراضات سريعة بشأنك."
"لاماكان عليك فعل ذلك."
ابتسم نيكولو"انك لاتهوني الأمر علي اليس كذلك؟"
"ولم علي ذلك فقد اهنتني و.."
"وها قد اعتذرت وهذا شيء اكبر من الذي قمت به."
فوجئت كارولين بقوله"انا؟لكن...."
غرقت كلماتها في السكون واخذت تفكر هل عليها ان تعتذر منه ؟ربما عليها ذلك فبطريقتها التي اعتمدتها كانت تهينه في كل مرة كان هو يهينها فيها.
"كارولين؟"تقدم نيكولو ليقف امامها وهويبتسم لها.
"ماقولك؟هل سندفن الفأس؟"
كان من المستحيل ان لاتبتسم فقالت مصححة "عدت الى الخطا بالتعبير،والأصح ان تقول،هل نعقد صلحا؟"
ضحك وهو يمد يده:"سندفنه على اي حال ومهما كان القول اتوافقين؟:"
نظرت اليه وكانت ابتسامته توحي عن مودة واخلاص.
وادركت فجأة انه من المستحيل عليهما ان يظلا هنا،في زاوية شارع روماني وهي تناقش الرجل الذي انتشلها من حال طالما كرهته ليضعها في حال اخر لم تحلم به في دنيا الأحلام.
اتسعت ابتسامتها:"حسنا ووضعت يدها في يده كانها تعقد صلحا معه.
رفع نيكولو يدها الى شفتيه فاحست بقشعريرة حارة تجري في عروقها.
"اذن هيا ياعزيزتي سوف اريك مدينتي."
وعاد الى منبر روما التاريخي.
قال لها نيكولو "مشاهدته من السيارة لايستوفيه حقه."
لا،فكرت كارولين وهو يدلها على الأرض القديمة لا لم يستوفيه حقه.كما انها لم تستوف نيكولو حقه كذلك كانت تتوقع منه ان يهمس لها بشيء عذب بدل ان يروي لهاقصصا حول آلاريك رئيس الحملة الالمانية الذي فتح روما في 410 م
"احرق هذا المبنى الروماني القديم العهد_الباسيلسيا اميليا_ولم يتبق منه سوى الأطلال وكان ذلك خسارة فادحة على البلاد لأن هذا المبنى كان قديما حتى ذلك الحين ."
نظرت كارولين الى الأثار والخرائب التي بقيت الأن من ذلك المبنى "من اي نوع من المباني كانت عليه؟هل كانت حصنا اومعبدا رومانيا؟"
"كانت ملجأ للتجار الذين يأتون بأستمرار لبيع وشراء السلع."واحاطها بذراعيه حول كتفيه وتابعا سيرهما.
"وقد سمي هذا الملجأ بأسم الذي شيده وهو ماركوس اميليوس."
"فهمت فقد كان فندقا صغيرا."
هز نيكولو راسه غير موافق"لا كان مبنى للعموم،والمقصود به ان يحمي التجار والزبائن من العوامل الطبيعية."
وابتسم ابتسامة واسعة "يتذمر الجميع اليوم من ثقل وطأة الضرائب لكن في الماضي كان يفرض على الرومانين الاثرياء ليس فقط دفع مايتوجب عليهم من ضرائب لكن المساهمة ماليا في تشيد اماكن عامة ايضا."
أنت تقرأ
روايات احلام/ عبير: الربيع في روما
Romanceكانت كارولين عارضه ازياء ، لكنها كانت تكره مهنتها هذه . وتكره ايضا الحفلات غير الصادقه والمرائيه , وكذلك تكره تلك العيون النهمه. إلى ان التقت عيناها بعينين هزتا مشاعرها . انها عينا نيكولو ساباتينى الذى بدأ يتولى توجيه حياتها وكأنها ملك من ممتلكاته ا...