٥

4.4K 106 0
                                    

الفصل الخامس
كانت الطائره مريحه جدا حتى انها بدت اكثر رفاهيه من سياره المرسيدس كانت ملكا لنيكول قرأت "ساباتينى" مكتوبه بماء الذهب على جسم الطائره ورسم لاسد ودرع فوق الاسم وظهر فى داخل الطائره نفس ما رأته على جسمها من الخارج وفوق المقاعد الجلديه المريحه وفى قمره قائد الطائره ومرافقه حتى على فناجين القهوه التى احضرت بعد لحظات من تحليق الطائره فى الجو
رفضت كارولين القهوه لكنها وافقت على مجله عرضت عليها ليس لتقرأها حسب بل لتدفن وجهها بين صفحاتها وتتجنب رؤيه وجه نيكولو الساكن المتحجر الملامح كانت الرحله قصيره تعدت الساعه ببضع دقائق وقفا بعد ذلك فى طريق معبد فى مطار سيامبينو
سألت بصلابه:
- ماذا الان؟
كانت يد نيكولو قريبه من مرفقها وهو لا يشعر بذلك. تكلم اخيرا
- الان سننتقل الى السياره
كان عليها ان تهرول لتلحق به وتحاذيه مع خطواته الطويله وطريقه مشيته التى لا تحتمل وكان هذا الشئ غريبا عليها لانها عاده كانت بطيئه فى خطواتها تمهل فى مشيتك هذا ما كانت تفكر فيه وكان كعب حذائها العالى يضرب الرصيف ضربا على نحو ايقاعى لكنها لم تقل ما فكرت فيه فمهما يكن الحال هى لن تطلب الرحمه من نيكولو على ايه حال كم تبعد سياره المرسيدس الاخرى؟ من المؤكد ان هناك واحده وهنا ايضا سياره توأم اخرى للتى فى ميلانو
ابطأت خطواته عندما دخلا قطعه ارض تعج بالسيارات اشار لها ان تلحقه الى صفٍ من السيارات ثم توقف فجأه فقالت متعجبه:
- ماذا هناك؟ هل نسى سائقك ان ينتظرك فى المكان المتفق عليه؟
قطب نيكولو حاجبيه وهو يمد يده فى جيبه ليتناول علاقه المفاتيح من جيب سرواله:
- كم هو حاد لسانك يا كارولين
ودفع بها نحو سياره سوداء من نوع الفيرارى
- هيا ادخلى بقدر ما اسرع بك الى زياره جدتى تنتهى هذه المهمه بوقت اسرع
نظرت كارولين باعجاب. فيرارى ؟ نعم انها كذلك وهذا ما كانت تفكر فيه وهى تجلس فى مقعد السياره وتضع ساقيها الطويلتين واحده فوق الاخرى هذا ما تصورته قبلا سياره فيرارى
حاولت ان ترتاح فى مقعدها لان الحياه التى يحياها نيكولو صارمه الى حدٍ ما فلا عجب ان لم يستطع ان يفهم عن الذى يعمل ويجتهد فى هذه الحياه من اجل حياه تؤمن له القوت فشخص كهذا لا يستيقظ عند الفجر الباكر او انه يسرع لتأديه اعماله حين يعود بعد ساعات طويله كئيبا ومنهوك القوى
لكن عليه فى صباح يوم الغد ان يتذوق طعم الحقيقه فقد وعدها ان يعود بها الى ميلانو فى الصباح فهى تود ان ترى تعابير وجهه عندما تخبره ان الصباح لديها يبدأ عند السادسه فالامير المعظم نيكولو ساباتينى قد لا يتلذذ ببدء نهاره فى ساعه مبكره ابتسمت وهى تفكر فى هذا وشعرت براحه كبيره فى نفسها وكأنها ترضى كبريائها كأمرأه
الامير ساباتينى رفعت كارولين سبابه يدها وخبطت بها فمها انها رده فعل نفسيه لانها تكره ان تناديه على هذا النحو ليس لانها امريكيه تكره التفاهات التى غيبها الزمن ومحاها بل لان نيكولو يسر بان ينادى بهذا اللقب
انه لن يسمعها تناديه بهذا اللقب مره اخرى لانه اقترح عليها ان تستعمل اسمه الاول وهذا ما ستفعله حتى لو لم يكن فيها موده غير مستحبه وكان اى شئ افضل من ان تختنق فى قول يا سمو الامير
فكرت بأسمه نيكولو وكأنها تتذوق طعمه على لسانها فبرغم من انها تكره الاقرار به كان اسماً جميلاً فيه الرجوله الكامله والثقه لطيفا وممتعا على الاذن كذلك لكن كلمه اللطف لم تكن الكلمه الصحيحه لوصف الرجل نفسه ورمقته كارولين بنظره سريعه وكأنها تؤكد ما فكرت فيه
- يمكننى ان اقرأ ما يدور فى خلدك يا كارولين
توردت خدا كارولين ونظرت اليه كان محور انتباهه كله يصب على الطريق لكن هناك ابتسامه بارده ترتسم فوق شفتيه
- انك تحسبين الدقائق والساعات التى سوف تمضينها برفقتى
تنفست قليلا قبل ان تقول:
- آه فعلا لقد فعلت ذلك كما اننى اشعر وكأنها ابد الدهر
وحولت انتباهها نحو الطريق وقرأت لائحه مكتوب فيها آبيا نوفو فشعرت بخيبه امل شديده
- ان هذا طريق عام
قالت ذلك وكأنها تكلم نفسها
نظر نيكولو اليها وقال بجفاف واضح:
- بالفعل ما الذى كنت تتوقعينه؟
جفلت كارولين:
- عنيت فقط...
ثم هزت رأسها لتقول:
- لا شئ
- هل توقعت ممر قذر او فندق ما؟
وعاد لينظر اليها وكانت تعابير وجهه اكثر بروده من ذى قبل
- لماذا يظن الامريكيون دائما ان بلادهم فقط هى القسم المتحضر فى العالم؟
قالت بأندفاع شديد:
- الذى توقعته ان يظهر الايطاليون بعض الاحترام والتبجيل لماضيهم العريق لكننى متأكده بأنه كان اهم لو انكم لم تمحوا التاريخ ورصفتم وشيدتم هذا الطريق العام من ان تقلقوا حول الاحتفاظ بأى شئ فوق طريق آبيا!
- فوق طريق آبيا لكنها ليست....
- لا ليس بعد اليوم ابدا
نظر اليها نيكولو :
- ما الذى تعرفينه عن فيا آبيا؟
قالت بنبره بارده:
- اكثر بكثير مما تتصور وهذا بالرغم من اننى امريكيه الاصل وانثى وكذلك عارضه ازياء
- قصدت فقط...
قالت بغضب شديد:
- اعرف تماما ما اردت قصده انكم جميعا متساوون وتظنون فقط لان المرأه تمتلك الجاذبيه ...
ضحك بلطف:
- ولكن انت لا تملكين الجاذبيه يا كارولين ...لكنك جميله
توردت خجلا:
- الذى اردت توضيحه هو..
- بأننى مذنب فى اصدار احكام بالجمله حول نساء على شاكلتك,اليس كذلك؟
هزت كارولين برأسها موافقه:
- نعم
ارتسمت ابتسامه عند طرف فمه:
- آه يا سينيوريتا ولكننا نتساوى بالذنب
- لست كذلك
اتسعت ابتسامته:
- كلكن متشابهات
قالها وهو يقلد ليس صوتها فقط بل نبره الغضب التى ختمت بها كلامها:
- تعتقدن عندما تتحلى المرأه بالجاذبيه...
- ليس كما تظن الرجال امثالك...
انجرفت الكلمات من اعماق نفسها الرجال امثالك لا يمنحون الفرصه للمرأه كى تثبت نفسها حقيقه لكن هل يهم ذلك؟ يستطيع نيكولو ان يظن بما يحلو له فهى لن تراه ابداً بعد هذا اليوم ولن تجتمع به
قال وكأنه يحثها على متابعه ما ارادت قوله:
- نعم؟
هزت كارولين رأسها :
- لا شئ
وعادت تستوى فى مقعدها لتنظر امامها
- كم يطول بنا الوقت حتى نصل الى روما على ايه حال؟
ضحك بلطف وهو يترك الطريق العام:
- الى روما نفسها نكاد ان نصل تقريبا تحلى بالصبر ومتعى نفسك بجمال الطبيعه
لم تكن تريد ان تلبى رغبته لكن الطريق التى اتخذاها الان كانت مختلفه كانت اضيق بكثير واصطفت على جانبيها اشجار من السرو والصنوبر وخفف نيكولو من سرعه السياره فاستطاعت ان ترى بانهما يعبران تماثيل تذكاريه نحتت من الحجر والمرمر
فكرت فى انها قد تكون خرائب ولمعت الفكره فى رأسها بحماس لقد كانت هذه خرائب ولا احد يعلم كم مر من الزمن وهى تقف على جانبى هذا الطريق هذه الطريق المعبده من حجاره قديمه العهد
- كانت هذه طريق آبيا
قال نيكولو بهدوء:
- نعم
التفتت كارولين نحوه ولم تلفت فى البدايه من انها تكلمت بصوتٍ عالٍ :
- لكن الاشاره التى على الطريق الاخرى...
اومأ برأسه:
- انها فيا آبيا اى انها آبيا الجديده نعم لكننا نحن الايطاليون لسنا اغبياء لهذه الدرجه كى ندفن ماضينا العريق وننساه اترغبين فى التوقف قليلا؟
ارادت ان تقول لا وان تتابع معاملته بنفس اللامبالاه التى مارسها لغايه الان لكن كيف تستطيع ذلك وقد تاقت نفسها بأن تشعر بالجمال السرمدى لهذا المكان؟
قالت وهى تحاول اظهار عدم مبالاتها بقدر الامان:
- حسنا
توقف الى جانب الطريق وفتحت باب السياره وترجلت منها كان المكان هادئا جدا عدا صوت همسات الريح وكأنهما وحيدان على سطح الارض ورأت امامها حجر على شكل اسطوانى وخرائب من حجر القرميد مع اعمده منحوته
سألت كارولين بلطف:
- ما الذى هناك؟
- انها مقبره سيليسيا متيلا سيده نبيله من نبيلات روما
قال نيكولو وهو يتقدم الى الامام وكارولين الى جانبه:
- لقد فنت فى هذا المكان فى القرن الاخير ما قبل المسيح
- لكن لِمَ هنا وخارج اسوار المدينه؟ هل قامت بعمل سئ؟
ابتسم لها:
- لم يدفن احد داخل روما فى العصور الغابره يا كارولين كان ذلك ..كيف افسره لك؟ كان ذلك لاسباب تتعلق بالصحه العامه لذلك ترين معظم الخرائب الجميله فى فيا آبيا انتيكا هى كلها مدافن
- اتعنى انها سراديب تحت الارض للموتى؟
- نعم لكن هناك انواع اخرى من الخرائب
وتوقف ليشير الى شئ آخر :
- هناك مكان قديم جدا وله روعته الخاصه اتودين ان تلقى نظره عليه؟
لم تتردد هذه المره وقالت بحماس:
- نعم ارجوك
عادا الى السياره وانطلق فى بطء فى طريق جانبيه وضيقه الى ان وصلا اخيرا واشار نيكولو قائلا:
- انها هناك
اطفأ المحرك وخيم عليهما صمت مهيب كان هناك اعمده يونانيه تهدمت لكنها كثيره وترتفع بشموخ نحو السماء وبعض الاعمد الاخرى المتفرقه فوق العشب هنا وهناك وشعرت كارولين بدهشه لجمال وروعه هذا المكان
- اتودين الاقتراب اكثر؟
وافقت كارولين وهى تميل برأسها
وترجل نيكولو من السياره وساعدها على الخروج:
- اننا فوق الطريق التى تعود لاجيال كثيره مضت انه المكان المقدس وكان معبداً لديانا آلهه..
- آلهه القمر
- نعم صحيح كانت مغرمه بـ...
- انديميون فقد هبطت من الاليمبوس وقبلته اثناء نومه وقرأت عليه رقيه حتى ينام الى الابد ولا يشيخ ابدا
ظهرت ابتسامه خفيفه حول فمه :
- وكيف عرفت بكل ذلك؟
توردت وجنتا كارولين وهى تقول:
- ولما لا اعرف ذلك؟ اتظن انك الوحيد الذى على معرفه وثيقه حول..
- الذى قصدته فقط بأن القليل من الناس يعرف شيئا حول قصص الالهه فى ايامنا هذه
وترددت كثيرا وهى تقول:
- حسنا لقد سمعت بعض الاساطير
- فى ما وراء الكواليس فى دار فابينو لعرض الازياء؟
كانت على وشك ان تهب غاضبه لكنها نظرت الى ابتسامته التى تشع بروح مرحه هونت من غضبها لتقول:
- لا ليس تماما كانت جدتى مولعه بتلك الاساطير والخرافات وكانت عندما تضعنى فى سريرى كل ليله كانت تسردد علىّ الحكايات المدهشه والغريبه
- آه لقد عاشت معك اذا؟
- لقد ربتنى هذا هو السبب...
غرقت كارولين بالصمت لتقول فى نفسها من اجل ذلك وافقت على زياره الاميره وهذا ما كادت ان تقوله لكن ما شأنه هو بذلك؟ ان لها حياتها الخاصه وهو لا علاقه له بها على الاطلاق
كانت الرياح تصفر بين الخرائب التى تقف متحديه الزمن فشعرت كارولين بقشعريره بارده تسرى فى عروقها وتمنت فجأه لو انها لم توافق على مجيئها الى روما وتمنت كذلك...
- اتشعرين بالبرد؟
وجفلت قليلا وقالت:
- البرد؟
- نعم فأنت ترتجفين
ولف نيكولو ذراعه حولها :
- هيا دعينى اقف درعا يحميك من الرياح
قالت بسرعه:
- هذا ليس من الضرورى
- لكننى لا او ان اعيدك الى ميلانو وانت مصابه بذات الرئه وسوف يحاسبنى سيلفيو على المحارم من اجل انفك الذى يرشح وعلى حبوب الاسبرين من اجل الحمى التى ستحل بك
وابتسم ليظهر انه كان يمازحها فقط ودار بها الى حيث تشرق الشمس
- انظرى الان هذا المبنى الرومانى القديم لسان سابستيانو هناك فى الامام
وحولها لتقف امامه تماما ويداه تستقران فوق كتفيها
- وهناك تمبيو دى رومولو او مدفن رومولوس اترين ذلك؟
وشعرت بالمتعه ترافق صوته
- هذا المكان المفضل على قلبى فى روما ويبدأ من هذا المكان الى بورتا آبيا حيث بوابه المدينه القديمه فان اغمضت عينيك تستطيعين ان تتصورى كيف كانت المدينه من اجيال عديده مضت...
اصغت كارولين بابتهاج فى البدايه بينما كان نيكولو يتكلم عن حضاره روما القديمه ولكن بعد ذلك صعب عليها ان تركز او تتابع ما يقوله لانها شعرت اكثر فأكثر بالطريقه التى كان يمسك بها واحست براحه هائله بالطريقه التى كان يطوقها بها ولم تعد تسمع شيئا عن السراديب القديمه التى كان الرومان يدفنوا امواتهم يها ور العباه والخرائب التى اصبحت اليوم آثارا عظيمه تم العالم القيم لروما كل ذلك وهى ضائعه لا تفهم شيئا مما كان يقوله
هذا لا يعنى من انها لم تكن مصغيه اليه بل على العكس انها تصغى وتنتبه بكل حواسها المتوتره فقد كان عليها ان لا تشعر برائحه عطره او بلمسها قماش سترته لخدها عندما دارت برأسها نحو ما كان يشير اليه ومدى صوته العميق عندما كان يتحدث عن روما التى يحبها وكم كان صوته حنونا ودافئا وكأنه يتكلم عن المرأه التى يحب..
وكأنما قلب كارولين انبأها بشئ خطير فتحررت من يديه اللتين كانتا تمسكان بها وابتعدت
- الا تعتقد انه فى امكاننا ان نتوقف عن هذا ونسرع بالذهاب؟
نظر نيكولو اليها نظره سطحيه
- اعتذر منك لم اقصد ان اجلب الملل الى نفسك ما عليك سوى ان تشيرى بأنك تودين العوده الى السياره...
- الذى اتمناه هو ان نسرع بالذى جئت من اجله والهدف من وراء زيارتى هذه بأسرع ما يمكن
قال ببروده شديده:
- لك عهد منى فلسوف ادخلك الى قصرى ثم اخرجك منه بأسرع ما يمكن
- قصرك؟
كررت ما قاله بعد ان اغلق باب السياره من ورائها
- انه قصر عائله ساباتينى
واتسعت ابتسامته وهو ينطلق بالسياره من جديد
- هل كنت تتمنين بأن اكون احد هؤلاء الاغبياء الذين يطلقون على انفسهم القابا لا معنى لها؟ اذا قد اكون خيبت آمالك يا كارولين اسم عائله ساباتينى عريق وقيم ا كما انه محترم ا
اسندت ظهرها الى الوراء وهى تغمض عينيها وتنهدت قليلا:
- حسنا لنأمل ان تبعد زيارتى هذه الثرثره عن عائلتك المحترمه
كان القصر رائعا يسلب اللب وكان مؤلفا من ثلاث طبقات من الحجر الذى يستعمل فى رصف الشوارع شيدت بنظام واتاقان كما ان الباب الخارجى المقوّس يحمل اشاره الاسد والدرع كما فى طائره نيكولو الخاصه وفتح ردهه مقفله على الطريقه الرومانيه القت كارولين نظره سريعه وخاطفه على ارضيه المكان المرمريه والتى امتدت الى ما لا نهايه لكنه السقف هو الذى سلب لبها فقد رفعت رأسها وهى تحدق فيه بذهول كبير ورأت انه من آلهه الاغريق صوّر على شكل فرسا يتنقل بين حدائق من الازهار المختلفه
- حسنا؟
حولت نظرها عن التصوير الرائع وحدقت بنيكولو وكان قد مر من جانبها ووقف عند اول درجات السلم الطويل ويديه حول خاصرته لانه كان يراقب نظرتها بأستياء
- ان كان عليك ان تنتهى من هذه الزياره بسرعه فعلىّ فى هذه الحال ان ارشدك الى جدتى بسرعه
شدت كارولين من عزيمتها وقالت :
- طبعا
تابعت خطواته الى الطابق الثالث ومن ثم الى رواق طويل الى باب مغلق طرق نيكولو الباب ثم فتحه ودخلا غرفه مضيئه تشع اشراقا وبهجه
- سينيورا بريسيا؟
- اجل يا سمو الامير
وهرعت سيده نحوهما تتجلى بثوب ابيض اللون وبدأت تتكلم بسرعه بالغه فما كان من نيكولو الا ان رفع يده وكأنه يشير اليها الى ان تتوقف عن الكلام
- ارجو ان تتكلمى باللغه الانكليزيه يا سينيورا
ثم اشار الى كارولين:
- فالسينيورا لا تتكلم لغتنا
- كنت اقول ان الاميره فى حاله جيده يا صاحب السعاده فضغط الدم...
- آه
كان الصوت الآتى من الغرفه المتصله واهيا لكنه واضحا
- توقفى يا ايما عن اصدار القرارات الطبيه فأنا بخير هل هذا انت يا نيكولو؟ هل احضرتها معك؟ كارولين؟ تعالى ودعينى ارى وجهك البهى
كانت الاميره مستلقيه فى سرير فرش بأفخر انواع القماش وكانت تبتسم وهى تمد ذراعيها نحو كارولين وكانت تجمع شعرها الفضى بعقده زرقاء كلون قماش السرير وكان خداها متوردان قليلا
فكرت كارولين عندما وقعت عيناها عليها انها على احسن ما يرام لكنها عندما اقتربت منها استطاعت ان ترى اللون المتورد هو ناتج عن حمى تعانى منها وان اليدين اللتين امتدتا اليها ترحيبا كانتا ترتعشان
قالت الاميره ساباتينى ترافقها ضحكه صغيره:
- لقد جئت فعلا
ابتسمت كارولين وهى تشبك يدها بيدى الاميره:
- طبعا فقد سرنى ان تتاح لى فرصه رؤيتك مره اخرى ايتها الاميره ساباتينى
تغير وجه العجوز قليلا
- ياله من تعبير طويل الا ترين ذلك؟ ارجوك نادنى بأسمى المجرد آنا
- آه ولكن..
- ارجوك فهذا يزيد السرور فى نفسى يا طفلتى العزيزه
اتسعت ابتسامه كارولين وقالت:
- وسيسرنى كثيرا ايضا
نظرت الاميره الى نيكولو حيث عبر الغرفه الى جانب كارولين:
- حسنا ما قولك الان يا نيكولو؟ لقد اصريت فى قولك ان آريانا لن تحضر بسبب انهماكها فى العمل لكنها ها حضرت ارأيت كم انت مخطئ فى شأنها؟
قال بلطف:
- نونا انها ليست آريانها فهى كارولين
قالت ضاحكه:
- حسنا هى كذلك بالطبع انها زله لسان منى هذا هو كل شئ
وربتت الى جانب السرير وقالت :
- اجلسى يا عزيزتى
- يجب الا ترهقى نفسك يا نونا وتذكرى ارشادات الطبيب
- الطبيب آه ان تمضيه ساعه من الزمن مع هذه الفتاه الرائعه ستفيدنى اكثر من حبوب الادويه هيا يا نيكولو قم بأى عمل مفيد عوضا على ان تثرثر فيما لا نفع منه سنكون على احسن حال اليس كذلك يا آريانا؟
- نونا..
نظرت كارولين الى نيكولو وقالت:
- سنكون على احسن حال بالفعل
اومأ برأسه, بعد لحظات من التردد
- حسنا جدا سأجهز غرفه نومك وعندما تجهزين ما عليك الا ان تقرعى الجرس وسوف ترشدك اليها احدى الخادمات
اشرقت ملامح الاميره
- آه يا عزيزتى! هل وافقت على البقاء معنا؟
- حسنا نعم لكن فقط لغايه....
- لا لن نتكلم بشأن مغادرتك الان
وعادت تربت بيدها فوق السرير:
- تعالى واجلسى الى جانبى واخبرينى بكل شئ اكنت فى نيويورك مؤخرا؟امازال مسرح شوبرت قائما هناك؟ اتذكر عندما...
استغرقت الاميره فى نوم عميق بعد مضى ساعه من الوقت وهى ما تزال تمسك بيد كارولين فما كان من كارولين الا ان حررت يدها بحذر شديد ونهضت من على السرير لتجلس على الكرسى المقابل لها وتضائلت انوار النهار لتأذن بهبوط الظلام فأغمضت عينيها وهى تشعر بأرهاق شديد
لقد انقضى زمن طويل منذ ان كانت تجلس مع جدتها مثل هذه الجلسات الحميمه وكانت تشعر بأنها مرتاحه البال ومطمئنه تماما كما هى الان انها تشعر بأرتياح كبير فى هذا المكان فهو يبعث الى الطمأنينه والراحه وهدوء البال من كل النواحى عدا الرجل الذى احضرها اليه
ان نيكولو ساباتينى رجل لا يحتمل ابدا فقد سبق لها وقابلت رجالا متغطرسين لكن ليس مثل هذا الرجل ابدا بأنانيته الشديده ومتطلباته الكثيره ,ايضا...وايضا..
تحركت فى كرسيها بصعوبه انه رجل بكل ما فى الكلمه من معنى وكامل النشاط والحيويه فهو قادر على اظهار الكثير من العطف والموده...
- كارولين؟
فتحت عينيها بينما يد هبطت على كتفها
- نيكولو!
واستوت فى كرسيها
- لم انتبه الى دخولك
منذ متى كان يقف هناك؟ وتمنت لو انها تستطيع قراءه ما يقصد فى نظراته لكن ظلمه المكان حجبت عنها وجهه
- تعالى
- لكن جدتك..
- لا تخشى شيئا فأنها تنام نوما عميقا
- لحقت به خارج الغرفه وعبر البهو الكبير ومن ثم نزلا فوق السلالم الى غرفه المكتبه وهى مازالت خلفه تماما الى ان استدار نحوها فجأه
قال بسرعه:
- لماذا بقيت معها؟ فقد اخبرتنى الممرضه انها استغرقت فى النوم منذ فتره من الوقت
- اعرف لكن يبدو لي ان وجودى لها مهما هناك اننى لم ازعجها بشئ ان كان هذا ما يقلقك
تأمل وجهها لحظات ثم تحول عنها الى خزانه فى الناحيه المقابله
- اترغبين فى شراب منعش ام تفضلين شيئا اقوى مفعولا؟
اخذت تخطو فى ارجاء الغرفه بينما كان هو يسكب الشراب فأقتربت من تمثال صغير من المرمر واحبت ان تلمسه بأصبع يدها ثم تقدمت من علبه مطليه بالمينا واخيرا وقفت بأعجاب امام لوحه زيتيه لرجل وكانت اللوحه تلمع من شده النور
- ارى انك تعرفت الى والد جدى ساباتينى
عادت تلتفت كارولين الى اللوحه تتأملها من جديد:
- هذا ما يجب اعتقاده تبدو وكأنها رسمت منذ زمن بعيدا جدا
- تعود هذه اللوحه للعام 1560 بالنسبه الى سجلات العائله
- للعام 1560 كم هو رائع ان تنتقل هذه اللوحه من جيل الى جيل لابد وانها لا تقدر بثمن بالنسبه اليك
ابتسم بمراره:
- بالفعل فقد رسم هذه اللوحه تيتيان
اتسعت عيناها بأعجاب
- تيتيان؟
وحدقت اكثر كى ترى التوقيع
- لاعجب من روعتها اذن
- لكنك اعجبت بها على كل حال حتى ولو كانت غير موقعه وذلك لانها قديمه العهد
- طبعا فهناك شئ مميز فى الاشياء التى تأتينا من قرون مضت
دارت نحوه وكان يراقبها بنظرت غريبه فيها شئ من الاستمتاع وفيها شيئا ايضا لم تفهمه فشعرت بتصلب فى نفسها
- وربما تشعر وكأنك ابله اذا اعتبرنا انك تعيش محاطا بأشياء كهذه لكن..
- لا على الاطلاق فقد ادهشنى ان اسمع تأييدا منك بالذات...
- على اعتبار اننى امريكيه الاصل؟
ارتفع حاجباه قليلا وقال بخفه شديده:
- على اعتبار انك امرأه من هذا القرن لاننا ننتمى الى مجتمع غير ذلك المجتمع القديم يا كارولين وزمننا هو دمغه على اصاله ووجود الماضى
- ربما لكن لا يعتقد به الجميع وذلك قياسا لبعض الافراد الذين يستعملون الافكار المبتذله والباليه من دون تفكير وتروى من انها تصرفات خطره؟
- او ربما عادات نتقاسمها وهى ان نثب بسهوله الى نتائج سهله
- القفز
لم تستطع منع نفسها من الابتسام
- عليك ان تقول القفز بالنتائج لا الوثب
بادلها الابتسام
- مازلت اعانى من القدره على التعبير انها فى غايه الصعوبه
وقفا ينظران الى بعضهما ثم تنحنح قليلا قبل ان يقول:
- اذا ما الاحاديث التى تداولتها مع جدتى؟
هزت كارولين كتفيها بعدم اكتراث:
- عن هذه وعن تلك فقد ارادت ان تعرف كل شئ جديد عن نيويورك..
- واخبرتها
- بقدر ما استطعت فلست ادرى عنها الشئ الكثير ذلك لاننى عشت فيها سنتين فقط
- آه وقد ذهبت الى نيويورك بحثا عن مستقبلك المهنى؟
- لا يولد احدا وفى فمه ملعقه من ذهب لذلك انتقلت الى هناك كى ابحث عن عمل اكسب فيه قوت يومى
- هذا ما فعلته
رحلت عينا كارولين الى عينيه وكان ما يزال يبتسم لها بتهذيب لكن كان هناك رنه انفه فى صوته
قالت ببروده شديده:
- كنا نتحدث بأمر جدتك
ارسل نيكولو زفره حاده:
- نعم هكذا كنا نفعل لقد سرنى ان زيارتك كانت مفيده لها
- لماذا تدعونى بأسم آريانا؟
كان فى استطاعتها ان ترى تصلب كتفيه
- اعتقد بان ذلك عن عجزها وارباكها من وقات لآخر
- لم اعنِ ذلك بالتمام عنيت من هى آريانا؟
- كانت آريانا اعنى انها قريبه لنا وكانت تعيش هنا فى هذا القصر بعد ان توفيا والداها
- انها مازالت طفله اذا؟
ضحك بمراره
- كانت طفله عندما جاءت الينا لكنها كبرت الان, آه نعم, لقد كبرت واصبحت فتاه جميله مدللة
سألت كارولين بعد فتره قليله:
- ماذا بعد؟
بدا غير مبالٍ وقال:
- بعد ذلك تركتنا
تركتنا هذا ما قاله لكنها ليست الحقيقه فكرت كارولين .آريانا تركته
- لكن ...لكن لماذا؟
- من يدرى؟ فقد كانت تبدو سعيده وراضيه فى البدايه لكن بعد ذلك ومع مرور الوقت..رغبت فى حياه مختلفه حياه مليئه بالاثاره والاستقلاليه كانت تشعر بأنها مقيده تحت هذا السقف فقد كان لى نظامى الخاص وتصرفاتى الخاصه ايضا..
حبست كارولين انفاسها لقد كان مغرما بآريانا لانها تستطيع ان تلتمس ذلك من نبرات صوته وكانت آريانا مغرمه به ايضا او ربما هكذا ظنت الى ان بدأ يدير نظام حياتها
كان من السهل ان تتصور كيف جرت الامور بينهما فالفتاه لم تولد فى عالمه القديم ولم تكن مهيأه لحبيب كان متطلبا وانانيا مثلما كان نيكولو ايه امرأه عصريه تتحمل ذلك؟ فقد كانت رغبته فى ان يمتلكها او ان يحتفظ بها لنفسه وكانت يتوقع منها ان تهرع اليه بمجرد ان يهمس باسمها...
- كارولين؟
التفتت كارولين مجفله وكانت عيناها تتسعان وكأنها لا ترى شيئا فقد كان نيكولو قريبا جدا منها ..
سقط الكأس الفارغ من يدها وتحطم الى قطع صغيره فوق الارض
- آه
وانحنت لتلتقط القطع الصغيره التى تناثرت فى كل مكان
- اننى آسفه جدا
- هذا لا يهم
ومال بجسده وقبض على رسغها ثم سحبها نحو
- كارولين...
لكنها حررت يدها من قبضته
- لقد ذكرت بأنه جهز لى غرفه نوم..اشعر بالتعب وارغب فى الذهاب اليها الان
- اود ان اكلمك اولا حول مغادرتك نهار غد
- نعم
لكن لماذا كانت تلهث؟ وتراجعت خطوه الى الوراء:
- انك على حق يجب ان نتباحث فى امر ذلك فعلينا ان نغادر باكرا جدا حتى..
- كى تحافظى على صلتك الوثيقه مع باولو؟
- باولو؟
قالت وهى تحدق به يعلوها الارتباك للحظه لكنها عادت وتذكرت :
- نعم فأنا لن افتقد تلك ..تلك الصله الوثيقه مقابل العالم فى تمام السادسه و..
- لا
- ماذا تقصد بقولك لا؟
كانت ابتسامته مسره تماما مثل صوته
- لن نغادر فى الساعه السادسه
- آه لكننا سنفعل
واحاطت خاصرتيها بيدها
- موعدى مع باولو فى..
- من اجل التقاط بعض الصور
حدقت به مليا :
- كيف..كيف..؟
وتحولت ابتسامته الى نوع من الثقه الذاتيه
- لقد اخبرنى سيلفيو
قال ذلك ومشى ليملأ كأسه وكأسا جديدا لها
- متى قال لك ؟ هذا الصباح؟
وارتجفت شفتاها وهى تقول:
- اتعنى انك كنت تعلم طوال الوقت وجعلتنى ابدو غبيه امامك؟
تقدم نيكولو وهو يحمل كأسها
- لقد تكلمت مع سيلفيو ما يقارب الساعه يا كارولين
- هل اتصل هاتفيا؟ حسنا ارجو ان تكون قد شرحت له من اننى سأعود الى ميلانو فى وقت قد يكون متأخرا بعض الشئ لتصوير تلك اللقطات لان...
- اخبرته بأنك لن تعودى الى ميلانو قبل عده ايام
صرخت كارولين فى وجهه:
- ماذا تقصد بأننى لن اعود؟
وتقدمت بضع خطوات نحوه
- لقد اتفقت معك على ان ابقى فقط لصباح اليوم التالى اللعنه وفى الحقيقه اننى لم اوافق على شئ لانك انت الذى فرض هذا القرار انت..
- كنت مخطئاً
ففغرت فاها مندهشه:
- ايكون بمثابه اعتذار؟

- الذى كان ينبغى على فعله
قال بلطف شديد بينما كان يضع الكأس فى يدها:
- هو ان اقول لك انك لن تعودى الى ميلانو على الاطلاق

*******

روايات احلام/ عبير: الربيع في روماحيث تعيش القصص. اكتشف الآن