١٠

3.4K 91 0
                                    

الفصل العاشر

فتحت كارولين باب غرفة نومها، ثم اغلقته بعنف وراءها، ذاك اللعين! ذاك الحقير! ذاك الذي لا قيمة له، وصاحب الدم الأزرق العنيد.
خلعت حذاءها ورمته بقوة على أرض الغرفة، وتمتمت بحقد:
- أكرهك، يانيكولو ساباتيني.
وبدأت تمشي في أرض الغرفة و الانفعالات النفسية تعصف بها،:
- هل تسمعني؟ انني اكرهك!.
إن لا يسمعها بالطبع، لأنه لا مازال في الطابق الأسفل من القصر، وهو يمثل دور المضيف الساحر.
- ياله من ساحر.
تمتمت بغضب وهي تلقي بنفسها فوق السرير ، لو فقط يعرف هولاء الناس ماتعرفه هي...

مع أنها تعرف بأن هذا لن يأتي بأي إفادة، لأن نيكولو قادر على التملص من أي شيء، أما ذلك الحقير بوب كالدر، فقد ظهر منه الموافقة لكل مايعرفه نيكولو عن المرأة ، وكان السنيور فالتنس قد أظهر رغبة قبوله صهراً له، وكانت تلك الطفلة الغبية صوفيا، ترغب بحماس شديد بأن تقبل به مهما كانت صفاته و تصرفاته!
نهضت كارولين من سريرها، فغضبها في الليلة الماضية لم يكن شيئاً أمام ماحصل في سهرة هذه الليلة، لكن كيف تجرأ نيكولو وعاملها بهذه الطريقة؟ لقد سبق وفرض نفسه على حياتها، وقام بمشاريع لا خيار لها فيها سوى أن تعطيه وتنفذمايقول، وعندما حاولت أن تظهر و تعبر عن آرائها وشخصيتها، قام بإذلالها.
إنه ظالم و الظالم لا يشعر بالألم الذي قد يسببه للآخرين الم تطعن هي بدورها غطرسته المتمردة؟ لقد داس نيكولو على شخصيتها منذ اليوم الأول لها معه، لكنها ستقول له وداعاً صباح اليوم التالي، بعد أن تودع آنا...
- لا!.
قالت كلمتها هذه في سكون المكان، لا سوف لن تنتظر حتى صباح يوم غد كي تصل الرسالة لذلك اللعين، فكرت بسخط وهي تخطو نحو باب الغرفة وتفتحه بعنف ، سوف يسمع ماتريد قوله الآن، وفي هذه الليلة بالذات، ولو رماها خارج القصر بعد ذلك، ماذا سيحدث؟
هبطت السلالم إلى بهو الطابق الأرضي، وكانت تسمع خطوات اقدامها وهي تسير بعصبية وطرقت الباب.
( نيكولو!) صاحت وهي تفتح باب غرفة المكتبة ، كانت الغرفة خالية من اي شخص، ربما يكون في غرفة الاستقبال. إنها خالية أيضاً ، وكانت الحديقة يلفها الظلام أيضاً.
حدقت بالسلالم العريضة بقي هناك هناك مكان واحد قد يكون موجوداً فيه: إنها الغرفة الخاصة في الطابق الثالث، فأسرعت تصعد السلالم من دون أي تردد.
ظهر لها ضوء خافت ينبعث من أحد الأبواب ، وخطت بخطوات واسعة نحوه، ورفعت يدها ولكن قبل أن تطرق الباب ترددت قليلاً، ربما يكون افضل لها أن تنتظر حتى الصباح كي تواجهه فقد كان شديد الغضب
تنتظر ؟ وكيف تستطيع ذلك؟ كيف ستسمح أن تمر دقيقة أخرى دون أن تسأله وجهاً لوجه، ماذا في إمكانه أن يفعل من رواء اكاذبيه و تلميحاته؟
رفعت كارولين يدها وطرقت على الباب بشدة وصاحت بعنف:
- نيكولو! افتح الباب!.
لكنها صدمت بسكون عميق ، قالت بحنق واخذت تطرق على الباب بكلتي يديها:
- هل تسمعني ، يانيكولو؟ أريد أن...
فتح الباب فجأة، واصطدمت بنيكولو يقف منتصباً، وهو يرتدي سرواله فقط ولا شيء آخر، ويبتسم ببرودة ودهاء.
قال بأدب وهو يغلق الباب خلفها:
- يالها من مفاجأة ساحرة لم تخطر على بالي.
- اريد أن اتحدث معك.
- طبعاً ياكارو.
- لا تناديني بهذا الشكل!.
- لا؟ آسف على هذا الخطأ الفادح، ببساطة ظننت بأنك تفضلين أكثر أن ينادي عليك باسم الدلع و الغنج أكثر من اسمك الحقيقي ، اليس هذا ماقلته لصديقك، السيد كالدر؟
- إنه ليس صديقي، ولا يهمني ان دعيت هكذا ام لا.
ونظرت اليه بتحد:
-وليس بالطريقة التي تلفظت بها.
- آه فهمت، تفضلين أن يقال الاسم باللكنة الأميريكية.
- اتسمح بأن تتوقف عن هذه المساخر؟
- من ماذا؟
قالت وهي تشير بيدها:
- من الذي تقوله.اقصد ان تتوقف عن الكلام بهذه النبرة التي ترمي الى اشياء و اشياء.
قطب نيكولو حاجبيه:
- ماذا يعني ذلك؟
- يعني.. يعني...
ونظرت إليه ثم تنفست عميقاً:
- لا يهم ماذا يعني ذلك، قلت لك، إنني اريد التحدث معك.
ضاقت عيناه:
- ألا يمكن أن ننتظر حتى صباح يوم الغد ؟
- كلا، فإنه لا ينتظر ابداً.
طوى ذراعيه فوق صدره وقال:
- إذاً تكلمي.
حدقت كارولين فيه، لم يخطر في بالها بأنه كان في طريقه إلى النوم، لكنه واضح أنه كان كذلك ، ولهذا السبب كان قد خلع عنه قميصه.
اشاحت بنظرها عنه لتقول:
- استطيع ان انتظر إلى أن تضع قميصاً عليك.
- إذاً يمكنك أن تنتظري إلى يوم غد، ياعزيزتي، لأني غير مستعد أن أرتدي شيئاً قبل ذلك الوقت، والآن إما أن تقولي خطابك الصغير أو...
- خطابي الصغير؟ يقوم الأطفال و الأغبياء بخطابات صغيرة نيكولو ، انني لست من أي منهما.
ابتسم لها ابتسامة باردة:
- لست بطفلة ياعزيزتي لا ، انك حتماً لست كذلك، أما بشأن الرأي الثاني...
- هذا ماكنت تحاول أن تثبته هذه الليلة، أليس كذلك؟ في أن تجعلني ابدو وكأنني غبية حمقاء ! لكن..
- انني لا اصدق بأنك لا تتمتعين بصفة من الاثنتين ، إنني مقتنع تمتم الاقتناع بذلك، ياكارولين.
عادت تنظر إليه، ولكن بصمت.
- كارولين يدهشني سكوتك، مع انك جئت إليّ وكلك رغبة بأن تكلميني.
- لست معتادة على أن أتناقش مع رجل شبه عار، انني لا اطلب شيئاً كبيراً ومتعباً إذا سألتك ان تلبس قميصاً ياسمو الأمير.
قال من دون أي اكتراث:
- إذا كان ذلك يرضيك.
اشارت برأسها بالإيجاب وتحول هو الى باب في آخر الغرفة وتنفست كارولين الصعداء بعد اختفائه تماماً ففي هذا الوضع يشع أي كان بالخسارة لكنها جاءت لتخبره بأ مر رحيلها ، وليس للتمتع بمشاهدته عارياً...
حاولت أن تهدئ من نفسهاوتذكرت بأنه لديها دقيقة أو دقيقتان لتستجمع قواها قبل أن يعود نيكولو.
طوت ذراعيها فوق صدرها وأخذت تذرع الغرفة ذهاباً و إياباً، وهي تقنع نفسها بأن تركز على شيء آخر عدا الذي تشعربه مثل التركيز على هذه الغرفة نفسها.
فقد كانت غرفة واسعة، ينيرها نور لطيف ينبعث من ضوء رائع في زواية الغرفة وكانت السجادة التي تحت قدميها من النوع الفارسي القديم، وكانت هناك مدفأة رخامية في مكان يقابل الباب، مشت ببطء ومررت بيدها فوق احد لمقاعد المخملية التي إلى جانبها وإلى الجانب الآخر وضعت طاولة صغيرة صف عليها حجر الشطرنج.
ادهشتها هذه الغرفة قليلاً ، فقد كانت تحوي اشياء نادرة مثل أي غرفة من غرف القصر، ولها ايضاً طعم آخر، وكأن صاحبها اراد تأثيثها بأشياء ترضيه أكثر من أن تؤثر فيه.
- إذا كنت انتهيت من التجوال في غرفتي، قد تستطعين الآن أن تباشري بالحديث.
دارت كارولين بحركة مفاجئة، فقد كان نيكولو يقف في وسط الغرفة ينظر اليها ، ونظرت إليه تتفحصه فقد كان ما زال عاري القدمين ، لكنه وضع قميصاً عليه.
رفعت كارولين رأسها بتعال:
- وافترض انك تظن بأنني جئت إليك اطلب منك أن تعتذر مني.
- لا ارجو ذلك فإذا كنت تطلبين فعلاً ذلك ، فلا شك بأنك تضيعين وقتك.
أحست بالدم يغلي في عروقها ، هذا مالم يكن في الحسبان ، ففي الوقت الذي مضى بين طرق باب غرفة نيكولو و الدخول إليها ، كانت قد خسرت الفائدة من الغضب المتملك منها، وإذا لم تكن حذرة بما فيه الكفاية فستكون في موضع تعرف تماماً أنه غاية مطلبه، وهو موقفها الدفاعي الدائم الذي تقوم به دائماً.
- ماذا كنت تقصد وراء افعالك في هذه السهرة؟
مشى نيكولو إلى خزانة ذات ابواب زجاجية:
- اتعنين بعد قيامك بتلك المغامرة المتهورة؟
وفتح باب الخزانة واخرج منها زجاجة وكأس:
- لقد أكدت اولاً لصاحبك السينيور كالدر بأن شركته لن تؤثر ابداً على اعمال شركة ساباتيني...
- اتقول صاحبي؟ إنه ضيفك وليس ضيفي.
- والذي حدث لم يكن خطأ منه .
تابع وكأنها لم تقل كلمة واحدة، وفتح الزجاجة ثم سكب بعض الشراب في كأسه :
- وبعد ذلك ودعت ضيوفي ، هل تذكيرينهم ياعزيزتي؟ هؤلاء الاشخاص الذين جاءوا الى بيتي لقضاء السهرة وكانوا يتوقعون عشاء شهياً وشراباً فاخراً، واحاديث ممتعة لكنهم وبالمقابل صدموا بعرض السوقي الوحيد قد صدر منك هذه الليلة،وتجرأت بأن تدعيني ابدو كألابله بينما طلبت منك من البدايه اظهار الاحترام
- طلبت؟ طلبت؟ وخطت كارولين إلى الامام :
- انك لم تطلب مني شيئاً ابداً ياصاحب السعادة الملكية! واراهن واؤكد بأنك لم تطلب شيئاً في حياتك كلها! بل الذي تفعله هو انك تأمر ، أنت ..أنت.
- لا عجب في أن لا يكون أي رجل في حياتك.
ووضع بعنف كأسه على الطاولة:
- من يستطيع أن يتحملك؟
قالت وهي تحملق في وجهه الغاضب:
- إنها ليست مسألة تحمل ، إنما مسألة احترام!ربما تتقبل المرأة الايطالية أن تعامل وكأنها طفلة صغيرة ، اما المرأة الاميريكية..
- ارجوك!
ودفع نيكولو يديه عالياً :
- لقد تعلمت مافيه الكفاية حول المرأة الاميريكية، وأنت على حق، فأنا لا افهمها لكنني لم اظهر سوى الاحترام إلى أي امرأة كانت.
- كيف تستطيع قول هذا؟ فقد عاملتني هذه الليلة مثل...
قال آمراً:
- مثل ماذا؟ اكنت تفضلين أن اقوم بشيء كان يقوم به الرجل في السنين الغابرة التي مضت؟ هل تريدين مني أن ادق عنقك ؟
- أرايت؟ ها أنت تتكلم مع المرأة وكأنها طفلة، لكن وعلى أية حال، هكذا نوع تفضله في المرأة عامة، أليس كذلك؟ واحدة قد تكون صغيرة السن، ولا حول ولا قوة لها و...
- إنك تتصرفين بسخافة يا عزيزتي.
وخبطت كارولين بقدمها أرض الغرفة:
- لا تناديني بالعزيزة أيها اللعين!.
- طبعاً فأنت لست معتادة على لفظة كهذه.
- وألح عليك أن لا تناديني بالعزيزة، لأنني لست عزيزة على قلبك، وهذا امر يغيظني...
- سأناديك بالذي اريده، ففي الأيام الغابرة...
- لكننا نحن لا نعيش في تلك الايام الغابرة، إنني اراهن بأنك تتمنى لو كنا كذلك! هل هناك اداة للتعذيب في مكان ما تحت ارض هذا القصر؟ أو سلاسل حديدية معلقة على الجدران ؟ أو زنزانة لتسجنني فيها؟
- كانت المرأة تعرف مقامها في بيت الرجل في تلك الأيام الماضية.
- هل عدت إلى هذا الحديث! فأنت لا تترك فرصة إلا وتذكرني فيها بأنني اسكن تحت سقف بيتك، أليس كذلك؟
- نعم؟ كيف قمت بكل ذلك، ياكارولين؟ بأن سحبتك من ميلانو ومن بين يدي ارتورو سليفيو ومرافقيه؟ ومنحتك وظيفة محترمة؟ ودفعت لك راتباً محترماً؟
ومد يديه ليقبض بشدة على كتفيها :
- قولي لي، كيف واصلت في أن اذكرك بمدى سلطتي و نفوذي؟.
- اتركني يا نيكولو!
- لقد عاملتك باحترام بالغ، لقد عاملتك بكرم وكياسة وكيف بادلتني ذلك؟
واخذ يرتجف غضباً:
- إنك جعلتني ابدو غبياً بين اصدقائي وزملائي في العمل، ولقد تصرفت برخص شديد...
- أين كنت تخبئ ذلك الكرم و الكياسة والاحترام عندما حاولت اغوائي مساء البارحة؟
وابتسم ابتسامة مغرية وقال:
-لقد كنت راغبة في هذه المشاركة ياعزيزتي.
احست بتورد خديها، لكنها رفضت ان تتوقف عن التحديق به:
- انك لا تفكر بأحد سوى نفسك، أليس كذلك؟
ضحك وقال:
- اعتبر ذلك نقداً بقدراتي كعاشق؟.
قالت بحدة:
- إنه تعليق لاذع عن تصرفك بشكل عام، فعندما افكر بتلك الطفلة التعيسة...
رفع حاجبيه متعجباً:
- أية طفلة تعيسة؟
- لا ادري ايهما اسوأ من الآخر، انك لا تحترم ارتباطك معها، أو انك تظن بأن ذلك لا يهمني عندما اردت أن تضع لي شركاً للنيل مني بينما كنت تعلم طوال الوقت ، بأنك أنت وهي...
- إنك تقفزين من موضوع إلى الآخر ، كأنك برغوثاً في غرفة تملؤها الكلاب
، فكيف يستطيع أي رجل كان أن يعرف عن ماذا تتكلمين بالتحديد؟.
قالت بعنف شديد:
- انك تعرف تماماً عما اتكلم، عن تلك الفتاة المسكينة..
- قلت اولاً انها طفلة تعيسة والآن تقولين فتاة مسكينة، فتعبيرك الأول كان يعني انها حقيرة جداً ولا حول لها ولا قوة ، لكنني مازلت لا ادري عمن تتكلمين.
- صوفيا فالتنس، هي المعنية بهذا الأمر، ألا يهمك أن تعلم بأنها تحبك.
ورسم ابتسامة رضا حول فمه فيها الكثير من الاعتداد بالنفس.
- نعم اعرف ، ماذا يمكنني أن اقوم حيال ذلك؟ سوف تنسى ذلك مع مرور الزمن لكن والى ذلك الحين ..
- إنها ستنسى ذلك حتماً مع مرور الزمن ، لكن الزواج هو الدواء الشافي لها من أي ...
- الزواج؟ مني أنها؟ تلك الطفلة؟
- اوافق بأنها مازالت طفلة لكن ، لا والدها ولا أنت نفسك ستوقفها عن التفكير بذلك، والذي يجعلها مرغوبة أكثر ، هو صغر سنها الذي يجعلها أداة طيعة بين يديك...
- ماالذي تتفوهين به، يا امرأة؟
حدق نيكولو بها بينما كانت تحاول أن تحافظ على توزانها النفسي، إنها كانت غاضبة ، نعم، لكن لماذا كان صوتها يرتجف على هذا الشكل؟ لماذا كانت نبضات قلبها تتسارع، وكأن قلبها سيهوي في داخلها؟
- دعيني افهم ماترمين إليه.
قال ذلك ببطء، ثم مشى إلى الطاولة حيث ترك كأسه ورفعه وشرب الباقي دفعة واحدة:
- إنني على وشك الزواج من صوفيا كي اتمتع في نعيم حبها الصغير...
قالت كارولين في عنف شديد:
- يقال حب سن المراهقة.
- متى نتزوج سأهمس في أذنها بعض الكلمات السحرية واحولها من تلك الطفلة إلى السيدة التي تنفذ اوامري بحماس شديد، اهذا ماتعتقدين به؟
- يبدو ذلك قريباً من الحقيقة.
استشاط نيكولو غضباً:
- ومن منحك هذه المعلومات الرخيصة ياعزيزتي؟
- انك تحطم قلب الفتاة يانيكولو ، فهي تحبك....
- حبها لي ليس سوى افتتان مازالت على مقاعد الدراسة.
وعاد يضع الكأس بعنف فوق الطاولة :
- والدها وانا ننتظر اليوم الذي ستنضج فيه ولكن...
- لاتكذب فأنت سوف تتزوج منها! وقد قالت انك ووالدها قد قمتما باستعداد ما..
توقفت عن كلامها وهي مرتبكة كثيراً فقد كان نيكولو مستغرقاً بالضحك، وكأنه سمع اعظم نكتة في العالم.
- وأنت صدقتها ؟ اظهري لي بعض الاحترام ياعزيزتي هل تظنين حقاً بأن رجلاً مثلي سيهتم بطفلة مثلها؟ لقد تكلمت مع والدها، فعلاً، تكلمنا حول افتتانها الشديد بي، ثم اتفقنا أن نعالج الموضوع بأن نتجاهل الأمر، اؤكد لك يا كارولين ، انني عندما أقرر أن اتزوج فسوف اختار المرأة التي تتلاءم مركزي والذي لم افهمه هو لماذا يبدو عليك الألم من حلم صوفيا.
- قلت لك لماذا ظننت...
- لقد قلت لي الآن بماذا ظننت.
ونظر إليها نظرة طويلة فاحصة:
- كنت تظنين انني ذلك الفاسق اللعين الذي يمشي وهو يزهو بنفسه فوق سطح الأرض، ولماذا كانت ردة فعلك شخصية؟ ولماذا باشرت باذلالي؟
وطوق عنقها بيديه، وكانت لمساته هادئة وناعمة فلم يكن أي خيار امامها سوى أن ترفع رأسها لتقابل تحديقه بها.
- وجدت شيئاً.. كيف استطيع قول هذا؟ وجدت شيئاً خارجاً عن النظام المفروض هنا.
ارادت أن تنظر بعيداً إلى مكان غير عينيه، لكن كان ذلك من المستحيل عليها :
- ان كنت لا تفهم شيئاً بسيطاً مثل الاخلاق، إذاً...
ابتسم وقال بلطف :
- هل أصابتك الغيرة؟
قالت بشك بالغ:
- الغيرة؟ هاقد عدت تخطئ بالتعبير في لغتك الانكليزية يانيكولو ، إنني لا أغارابداً، بل كان يغمرني غضب كلي، وهنا فرق شاسع بين الاثنين.
منحها ابتسامة لاهية:
- هل هناك فعلاً أي فرق؟
ابتعدت عنه بحدة وبسرعة تمكن من أن يلتقط ذراعها وقال:
- انظري إلي .
احنت رأسها بحزن وقالت:
- لقد فات الأوان جئت إليك فقط كي اطلعك على أنني عازمة على الرحيل صباح غد.
- ياعزيزتي ياحبيبتي ، انظري إليّ ، أرجوك.
- لقد قلت لك، لقد فات الأوان و..
- اوافق.
ولفها بذراعيه وأرادت ان تدفعه عنها لكنها احست بدفء بشرته من تحت قميصه المفتوح، وشعرت أيضاً بأنها فقدت الإرادة:
- ان الآوان قد فات كثيراً...
ومال قليلاً ليلامس شعرها بشفتيه واخذت تترنح بين ذراعيه:
- كان عليّ أن انال منك منذ وقت بعيد.
- كيف تستطيع قول ذلك؟ فانا لا..
- ماذا؟ لا تريدينني؟
وشد بوجهها نحوه إلى أن التقت نظراتهما وابتسم عندها، وهو يظهر اسنانه البيضاء:
- حسناً جداً، ياعزيزتي ، لكن قولي لي هذا وسوف اتركك سريعاً.
- تظن بأنك ذكي لهذه الدرجة، ولكن أنا.. أنا...
حبست انفاسها عندما همس في اذنها:
- إنا احبك يا كارولين .
واخذ يداعب خصلات شعرها الذهبي.
وهمست له:
- نيكولو.
انطلقت الكلمة وكانها تتنهد في ظلال تلك الغرفة، وتمتم نيكولو بعطف مثير في اذنها، لكنها لم تفهم تلك الكلمات، فما الحاجة للكلام الآن ..فقد كان يضمها بحنو شديد واختلطت دقات قلبيهما.
- تكلمي.
وحوى وجهها بيديه:
- انظري إليّ وقولي ما الذي تريدينه مني سوف انفذه لك ياعزيزتي.
نظرت إليه ببطء، واخذت تحدق في وجهه بذلك الوجه المتغطرس لقد جعل قلبها يعصف بدقاته منذ المرة الأولى التي رأته فيها، وكانت تصر بأنها لا تريده، لكنه اصر على موقفه وكان الأمر اشبه بكذبة، والآن وفي هذه الغرفة الخافتة الضوء، نسيت تلك الأكاذيب والاعذار.
ابتسمت له باسترخاء وهي تلف عنقه بذراعيها:
- نيكولو.
عادت تهمس له ،كان ذلك كل مانطقت به، فتأوه وامسك بيدها ليطبع قبلة فوق راحتها.
همس هو ايضاً بعاطفة جياشة:
- ياحبيبتي .
قالت له بلطف وهي تتأمل محياه الجميل:
- انك فاتن.
ابتسم وقال:
- انك أنت الفاتنة و الجميلة ياحبيبتي.
واحست بأنها تحبه كثيراً، بكل قلبها وجوراحها وهمس نيكولو باسمها وضمها إليه ليقبلها.
- انك كل شيء في حياتي اتسمعينني يا كارولين؟ انك كل شيء في حياتي.
لكنها لم تكن كل شيء في حياته، فكيف تكون ذلك، عندما لم تكن تلك المرأة التي أحبها؟

* * *

روايات احلام/ عبير: الربيع في روماحيث تعيش القصص. اكتشف الآن