٩

3.7K 95 0
                                    

الفصلـــ التاسعـــــ

اخذت كارولين تزرع ارض الغرفه الانيقه بخطوات عنيفه ذهابا وايابا وكأنها نمره فى قفص.
كان ذلك فى صباح مبكر وكانت الشمس ترسل اشعتها من النوافذ الى الحديقه الواسعه الغناء وغنى طير اعذب الحانه من فوق غصن من اغصان الشجر كل ما استطاعت ان تفكر فيه هو ما حدث الليله الماضيه فى غرفتها او ما كاد ان يحدث والذى دون اى شك كان سيحدث لو ان نيكولو لم يكشف عن حقيقه نواياه فى الوقت المناسب.
ذلك الوقح والمعتد بنفسه اللعين! فلو لم يكشف عن نفسه فى تلك اللحظه لكان الامر قد انتهى بها الى ما كان مراده. لوت كارولين فمها بأمتعاض ولكن بالمقابل قد اصبحت نوعا ما عضوا فى مكان يطلق عليه اسم النادى الرائع.
- انت تشبهين آريانا تماما .
قال وقتها فى قرف شديد لكن فى الواقع قد كان مديحا لها! والذى يبدو بأنها وآريانا كانا عضوين - ولا تدرى ان كان هناك غيرهما كنهما الوحيدتان - من اللواتى يحملن هذا الشعار, ارفض مشاركه نيكولو ساباتينى ناديه ومخدعه.
مما لا شك فيه ان آريانا الغامضه كانت امرأه تتمتع بذوق رفيع.
توجهت كارولين الى النافذه ووضعت يدها بعنف عند حافتها. انها لم تكن فى هذه الحاله من الغضب ولا يوم فى حياتها. ولا حتى عندما يظهر احدا ما كعاشق سمين بشع يحاول التمسك بها. على الاقل رجال على شاكلته كانوا واضحين بما يرمون اليه فلم يخططوا ويتآمروا عليها بخبث ومكر.
هذا ما كان قد فعله نيكولو وهذا ما كان يعنى نهار ومساء ليله البارحه وكانت تلك المزحات خفيفه والابتسامات التى كان يمنحها اياها بمكر وحكاياته عن طفولته وعن مدينته الحبيبه لم تكن تعنى شئ سوى تصميم ذكى للنيل منها لكن كان الاسوأ من ذلك كله انها كانت سهله الانقياد له وقد تصرفت بغباء شديد معه ولا شئ وما من شئ تكافأ عليه فى ذلك.
جلست كارولين على حافه سريرها وهى تحاول ان تبعد تفكيرها ذلك المشهد المخزى لكن كان ذلك من المستحيل فمحاولتها فى ان تمحى تلك الامور من رأسها كانت تتردد بعناد كبير فى اجواء غرفتها.
كانت تستطيع ان تسمع ترداد هذا الاسم فى اعماقها عندما كانت تناديه بشوق:
- نيكولو, ارجوك .........
نهضت ومشت فى الغرفه وتناولت فرشاه شعرها بحده وبدأت تسرّح شعرها بضربات غاضبه انها حساسه وسريعه التأثير وكان الامير ساباتينى العظيم يعرف ذلك فقد كانت فى بلد غريب عنها ومن دون اصدقاء او عائله وتتكلم القليل من لغتهم..
- اللعنه على ذلك الرجل!
همست كارولين بعنف وهى تعيد الفرشاه الى طاوله الزينه.
كم تكرهه! انها بدأت الآن تحسب الدقائق الباقيه لها لتخرج من بوابه القصر الاماميه وهى مطمئنه من انها لن تعود ابدا الى رؤيه ذلك الرجل الرومانى النبيل الذى ينال كل ما يريده ولولا آنا لتركت المكان عند الفجر الباكر.
لكنها لم تستلطف الخروج هكذا وببساطه من حياه تلك السيده ليس قبل ان تحضرها نفسيا لذلك ولا بد من شرح يفى بالغرض.
- اننى فى غاية الشوق الى بلادىالامريكيه يا آنا.
قد تقول لها هذا وسوف تقوم بعد يوم او يومين ان اشتياقها اصبح ملحا اكثر وانها فى غايه الاسف وان عليها ان تغادر روما فى الحال.
انها مدينه بالشئ الكثير للاميره ولم يكن الذنب ذنبها بل الذنب كله على ذلك الحفيد النذل.
اما بالنسبه لنيكولو. اشمأزت عندما فكرت به . فالقصر كبير جدا ويستطيعان تجنب بعضهما اليعض بسهوله الا ان تصرفت بغباء فسيكون سعيدا تماما لذلك.
القت كارولين نظره اخرى فى المرآه وقالت لنفسها:
- كل ما عليك هو ان تصمدى ليومين بعد.
ان حاول نيكولو الاعتراض على ذلك لانه اشترى عقد عملها السابق فإنها ستقف له بالمرصاد وليفعل ما طاب له!
كان قد غادر القصر عندما نزلت من غرفتها لتناول طعام الافطار وهذا لم يدهشها قط وكانت آنا تثرثر هنا وهناك وهى تشرح بأن نيكولو استدعى فى وقت مبكر ليقوم ببعض الاعمال.
سألتها آنا:
- هل استمتعت بوقتك البارحه عزيزتى؟
اجابت كارولين:
- آه نعم.
اتصل نيكولو فاحضرت لوتيشا التليفون الى آنا.
قالت آنا بسعاده:
- نيكولو.
لم تنصت كارولين لتستمع الى الحديث ليس لانها لا تفهم اللغه الايطاليه ذات الرنه الموسيقيه بل لانها كانت تحضر نفسها لتشير الى موعد مغادرتها كانت تتجنب ذلك الموضوع, ولكنه آن الاوان ليوضع موضع التنفيذ.
قالت بعد ان انتهى الاتصال الهاتفى:
- آنا كنت افكر....
- نعم يا عزيزتى؟ ماذا هناك؟
- ان الامر فقط... حسنا اننى سعيده جدا من تحسن صحتك.
- آه اننى متأكده من ذلك فشكرا لك.
هزت كارولين رأسها لتقول:
- اظن انه عليك ان توجهى الشكر الى اطبائك والى نفسك.
قطب الاميرة حاجبيها.
- ما الامر يا كارولين؟ تبدين فى غايه التعاسه.
- حسنا اننى اشعر بالتعاسه قليلا واعتقد ان ذلك يعود لمدى اشتياقى الى بلدى.
- اذا جائت اخبارى الجديده فى وقت مناسب جدا.
ابتسمت السيده العجوز بسعاده:
- سوف يحضر نيكولو ضيوفه معه العشاء الليله. وهم اصدقاء عمل تستطيعين ان تسميهم كذلك الاشخاص الذين قابلهم فى سبوع الماضى.
- انا متأكده من ان ذلك سيسعدك يا آنا.
- نحن لم نحتفل بعشاء تكريمى فى هذا البيت منذ مده طويله! واعرف بعض الضيوف لهذه الليله يا كارولين هؤلاء الذين يعملون لحساب نيكولو السينيور تومبا وزوجته وآل فالنتس وابنتهما الساحره....
ابتسمت آنا وامسكت بيد كارولين:
- لكن الخبر الافضل هو ان احد الضيوف امريكى الجنسيه! واحد من بلدك يا عزيزتى قد يساعدك فى تحسين مزاجك.
هزت كارولين رأسها وكأنها لا توافق على ذلك:
- لا اعتقد ذلك.
ثم تابعت بسرعه:
- اشعر... اشعر بتوعك فى صحتى اليوم واود تناول عشائى فى غرفتى.
قالت آنا بسرعه:
- هذا هراء فكل ما تحتاجينه سهره كهذه.
- انا...
عادت الاميره تشد على يد كارولين:
- آه ارجوك يا عزيزتى لا تخيبى رجائى فأنا لن استمتع بوقتى عندما اعرف انك تسهرين وحيده فى غرفتك.
حدقت كارولين بآنا كيف لها ان تمضى سهره برفقه نيكولو ساباتينى؟ فالموت اهون عليها من ذلك ولكن على ايه حال ستكون السهره الاخيره لها فى هذا القصر.
قالت وهى تحاول الابتسام قليلا:
- فى هذه الحاله كيف استطيع عدم تلبيه دعوتك الكريمه لى؟
اشرقت آنا بسعاده ظاهره.
- عظيم عظيم والان دعينى افكر... ما هى الاصناف التى سأطلب من الطباخ اعدادها؟
كانت كارولين تحس مع حلول الثامنه بهواجس كثيره وفكرت بأنها ما كانت تسمح لنفسها فى ان تلبى رغبه آنا لولا ان هذه الاخيره حاولت التأثير عليها بلطفها ولباقتها وفكرت ايضا وهى تنتعل الحذاء الاسود ذو الكعب العالى فى قدميها فقد اقسمت اليمين بأنها سوف لن تمضى لحظه واحده فى رفقه نيكولو مره اخرى ولكن هاهى الآن قد اشرفت على تحمل وجوده لا تدرى الى كم ساعه من الوقت.
ثبتت كارولين من عزيمتها ومشت نحو المرآه فالوقت اصبح الان متأخرا على التراجع عن ذلك ما عليها الا ان تصر على اسنانها وتقاوم هذا الشعور فى تلك السهره وهذا ما قد يجعل آنا تتذكر فى يوم من الايام ان كارولين اعلنت عن رحيلها وقد يجعل من الامر اكثر سهوله .
القت على نفسها نظره ناقده فى المرآه وهى تمايز نفسها من جميع جوانبها بدت بارده لكنها مرتبه فى ثوبها الانيق وعلى هذا النحو سوف تتصرف فى هذه الليله وهى تكره ذلك الواقع الاليم بأنها تمضى سهرتها برفقه نيكولو مما جعلها تشعر بأضطراب فى امعائها.
ارخت شعرها الى الرواء بعنايه وهى تشبكه من كل جانب بدبوس كانت تستعملها جدتها فيما مضى. وضعت زوجا من الاقراط الذهبيه ذات الشكل الدائرى فى اذنيها ثم رطبت شفتيها كى ترسم فوقها تلك الابتسامه التى طالما خدمتها وهى تقوم بعرض الازياء فوق خشبه المسرح.
هبطت السلالم الى ردهه القصر حيث استطاعت ان تسمع همهمات الاصوات الصادره من غرفه المكتبه.
قالت آنا بينما كارولين تدخل الغرفه :
- ها انت يا عزيزتى.
- كنا فى حديث عنك الان.
ودارت الرؤوس فى اتجاه كارولين فما كان عليها الا ان ابتسمت فى ادب.
- آسفه لتأخرى يا آنا.
- انت لم تتأخرى ولو حتى تأخرتى فإنك من يستحق الانتظار من اجلها.
قالت آنا مبتسمه:
- دعينى اقدمك لبعض ضيوفنا الاعزاء.
كان من الصعب ان تتذكر تلك الاسماء الكثيره خاصه وهى فى ذلك التوتر الشديد وبحثت بعينيها عن نيكولو اين هو يا ترى؟ فقد كان الامر غير مريح وهى تعلم انها ستواجهه فى ايه لحظه لكن الاسوأ من ذلك عدم معرفتها متى سيكون ذلك.
قالت آنا مبتسمه:
- آل فالنتس وابنتهما الساحره صوفيا.
حولت كارولين انتباهها الى زوجين فى خريف عمرهما والذين كانا يبتسمان لها بتحيه من لغتهم الانكليزيه المتصدعه. كانت صوفيا الجميله تناهز الثامنه عشر كاحلة العينين وهى تبتسم بلطف وخجل:
- بونا سيرا.
- اخيرا اؤكد لك انه ليس الاقل شأنا مواطنك السيد روبرت كالدر.
كان كالدر طويل القامه وممشوقا فى سنواته الثلاثين من عمره ويرسم ابتسامه واسعه وينطق بلهجه الغرب الاوسط من امريكا.
قالت آنا:
- سأتركك بين يدى السيد كالدر الامينتين.
واخذت تتسع ابتسامه الرجل الامريكى اكثر.
- رأيك صائب ايتها الاميره.
قالها بسحر دل على انه حسن المعشر:
- حسنا. حسنا ايتها الانسه بيشوب فأنا لم احلم قط بأن ارى الجمال الامريكى فى قلب روما.
ابتسمت لتقول:
- ما الذى جاء بك الى ايطاليا يا سيد كالدر؟
- نادينى بأسمى بوب ان مؤسستى تحبذ وتتعاون مع جماعه تجار الامير ساباتينى.
قال وهو يدير برأسه الى الجهه الاخرى من الغرفه:
- و....
لكن كارولين توقفت عن الاصغاء فقد كان نيكولو يقف حيث اشار بوب وكان الشخص الوحيد فى الغرفه الذى لم يكن على معرفه من حضورها كان يرتدى بذله رسميه سوداء اللون اظهرت جمال منكبيه العريضين وقوامه الممشوق وكان رأسه الرومانى يميل نحو سيده تقف الى جانبه.
واحست بأنقباض فى داخلها فكرت آه يا نيكولو.
التفت لينظر اليها وكأنه كان جوابا واحست للحظه ان عينيه اللتين كانتا تشبهان الياقوت الازرق كانتا ملتهبيتين. ومن ثم قال للسيده شيئا ولمس يدها بخفه واخذ يخطو فى ارجاء الغرفه.
تراجعت خطوه غريزيه الى الوراء واخذت تحف بيدها على حصان مرمرى وضع فوق قاعده.
ابتسم بوب كالدر ووضع يدها على ذراعها فى الوقت الذى وضع نيكولو يده ايضا.
- كارولين
وانتقلت عيناه الى يد كالدر ثم تحولت الى وجهه:
- ارى انك تعرفت على السيد كالدر.

روايات احلام/ عبير: الربيع في روماحيث تعيش القصص. اكتشف الآن