0 " غفلة "

1.4K 90 42
                                    





خرجت من البوابةِ الكبيرة ذات اللون الأخضرِ الباهت برفقة العديد من الطلاب

و لأنه نهاية الدوامِ المدرسي فقد تلقَّت صعوبةً في الوصول إلى الحافلة بسبب اﻹزدحام.



إستقلّت الحافلة و جلست في مقعدها المعتاد ،
تنفّست براحة و ألقت حقيبتها في المقعد المجاور لها والتفتت ناحية النافذة بشرود.

بانتظار العودة للمنزل بأسرع ما يمكن حتى تنام.


كاد النعاس يغشاها و إذا بشخصٍ يقف بجوارها يحدّثها

أمالت طَرْفَها له فقَطَع كلماته عندما رأى وجهها.

حالَ لونهُ و تلعثم مما أثار دهشتها.
أشارت له بيدها بمعنى " ماذا تريد "

_: هل .. يمكنني الجلوس ؟ .. من فضلِك !


أمعنت في الحافلة فكانت مزدحمة ، عاودت له
وأخذت حقيبتها من المقعد و تركتها في كَنَفِها.
تمتم شاكراً و جلس بجوارها.

إنطلقت الحافلة مُبتَعِدة عن المدرسة ، نظرت في ساعة يدها و زفرت بضيق ، ستتأخر عن منزلها كما هو الحال دائماً بسبب العدد الهائل من الطلاب الذين يوصَلُون قبلها.


تنبّهت لِوُجوم الطالب الذي بجانبها ، ألقت نظرةً خاطفة عليه و لاحظت ارتباكه و كيفيّة فركهُ ليديه

" ما باله !! "


حرّكت حاجبيها باستعجاب و لم تهتم لتصرّفه.

بعد انتظار طويل و عناء وصلت الحافلة أخيراً إلى الحي الذي تمكثُ فيه

نهضت على عَجَل لتذهب ، و بما أنها كانت تجلس بجوار النافذة و بجانبها اﻵخر يجلس الفتى ،

فاضطُرّت للخروج من أمامه دون أن تطلب منه اﻹبتعاد ﻹفساح الطريق.


لضيق المكان بسبب المقعد الذي أمامهم احتكَّت حقيبتها فيه و سقطت الميداليّة المعلّقة على الطّرَف.

إِلتَقطها الفتى و نظراته ترسل علامات
اﻹستغراب منها !!


" كانت ميداليّةً خشبية بلون الخشب الفاتح،
محفورٌ عليها إسمٌ باللونِ الأحمر القاتم "


توقَّع أن يكون اسمها لذا تقدَّم بسرعة نحو باب الحافلة و نادى الفتاة به.

:" ريتا ! "


إستدارت له المعنيّة و التي لم تبتعد عن الحافلة سوى عدة خطوات.

رفع لها الميداليّة و فور رؤيتها لها عادت مُهَرْوِلة
و أخذتها منه

إبتسمت ببهجة لأنها لم تُضِعْها، أرادت شكرهُ على تنبيهها لكن حينما حاولت نطقها رأت النظرةَ الغريبة في عينيه واحمرار وجهه.

إبتعد عن الباب و دخل مُسْرِعاً. أما هِيَ تفاجأت
من تصرُّفهِ و توجَّهت لمنزلها بذهنٍ شارِد

" ما خطب هذا الأسلوب !؟ .. أَهُوَ خجول ! "


إبتسمت على أفكارها و وصلت غرفتها ، ألقت بثِقْلها على سريرها طلباً للنوم ولم تكترث لتبديل الزيّ المدرسي بل نامت و هِيَ ترتديه.



¡¡¡¡¡¡¡¡¡




أفاقت مساءً على صوتِ والدتها، بدَّلت زيّ المدرسة
بآخَر مُرِيح.

ذهبت للمائدة و جلست لتناول الوجبة، و كعادتها ما زال النعاسُ لم يفارقها، كانت تأكلُ و عينيها مُغْلَقَتان .. إمتعضت والدتها على هذا السلوك بصمت


_: أمي .. هل يوجد فتيانٌ خجولين؟

_: ما هذا السؤال فجأة !؟
تساءلت والدتها بدهشة !

_: لا أدري، هكذا طَرأَ علَيْ


إبتسمت و حطَّت راحة كفّيها على وجنتيها ،
دون أن تفتح عينيها.

_: كان هناك فتىً خجولٌ في الحافلة اليوم ..
مثيرٌ للغرابة !

أنزلت رأسها ضاحكة


_: ما المضحك؟ .. يوجد هناك ، لكنهم قِلَّة.

_: لكنني .. أراهُ كثيراً في المدرسة .. و هذه أول مرة يبدو عليه الخجل .. في العادة يختلف أسلوبه.

تمتمت في نهاية الجملة.


فَرْقَعت الأم أحَدَ أصابعها
_: ربما هو أحدُ المُعْجَبين !


ردَّت بحنق : كفاكِ سخرية أمي ، من المستحيلِ أن يكون كذلك.

_: لا شيء كهذا مستحيلٌ يا ريتا ، جميع الفتياتِ يحصلن على مُعْجَبين


أجابت وهي تقف : أنا لستُ كهؤلاءِ الفتيات

سارت مبتعدة عن المائدة لكنها توقَّفت و استدارت لوالدتها.

_: أنا لستُ جميلة، ولا أتصرَّف بِلُطْف، لا أُسَرّحُ شعري
بِطُرقٍ تجذب اﻹنتباه، ولا أبتسم بوجهِ أحد، لا أحبُّ
الصداقات .. هذه أسبابٌ معقولة لِتُبْعِدَ الجميع عني.


_: لا ليس كذلك، أنتِ تمتلكين عينينِ برَّاقة،
و وجهٌ لطيف رغم عبوسِك، مجتهدة و ذكية،
تُقَدّرين قيمة الصداقة مع أنكِ فاشلة في تكوين الصداقات، هناك أشياءُ أهمُّ من الجمال ،
وأنا أعرفكِ جيداً لأنكِ ابنتي.


بعد وُجُومٍ دام لحظات.

_: لا يُهِم، أشعر بالراحة لِكَوْني فتاةً عادية ،
هذا يناسبني.


رحلت تارِكَة والدتها تتحدَّث وحدها و دخلت غرفتها، إستلقت على سريرها و أخذت تفكّر بينما فتحت كتاباً لِتَسْتذكر دروسها.


" أمي دائماً ما تفكّر هكذا و تقول ذلك الكلام ،
أيضاً تبالغ باستنتاجاتها و تتسرّع في حُكْمِها ،
حتى أنها لم تتفهَّم رأيي و تستوعب قصدي "


_: لا أتوقَّع أن ما قالتهُ صحيح ، حقاً غير مهم.

همست و تذكَّرت وجه الفتى ، شعرت أن طبيعته هكذا ، يخجل من الناسِ الغرباء الذين لا يعرفهم.

أغلقت كتابها بملل واستعدَّت للنوم.




" إنتهى "



عاصفة من المشاعر الثلجيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن