الفصل العاشر

3.9K 241 31
                                    


غرناطة - قصر اﻷمير محمد

كان اﻷمير محمد كعادته في مثل هذا الوقت من النهار متوجدا في مكتبه الخاص يقف عند النافذة ينظر الى الأشجار التي تمﻷ الروح صفاءا وهدوءا وجماﻻ ، ثم أتى صوت طرقات على الباب فترك النافذة وتوجه نحو مكتبه ليجلس على الكرسي خلف المنضدة و أذن للطارق  بالدخول ليجده اسماعيل الذي دخل واغلق الباب وراءه بصورة محكمة وقال اسماعيل وهو ينحني احتراما له:
- السﻻم والتحية على اﻷمير محمد .
ألتفت اﻷمير محمد له وقال :
- وعليكم السﻻم ورحمة الله وبركاته يا اسماعيل .. .(ثم سأل عندما لم يشاهد الوليد معه ) ..أين الوليد ..هل رفض المجئ الى هنا ؟
أجابه اسماعيل بأرتباك :
- لم يأت معي و .. نعم رفض المجئ الى هنا
ظهر الوجوم على مﻻمح اﻷمير ولكنه أراد اﻻستفسار أكثر عن سبب رفض الوليد :
- ولماذا رفض ؟
- قال أنه ﻻ يريد أن تطأ قدمه هذا القصر فهو يشعر باﻷختناق فيه .
آلمه جدا أن يفكر ابنه بهذه الطريقة فلقد اعتقد أنه نجح في أرجاعه الى هنا وها هو يعود من حيث بدأ ولكنه سأل اسماعيل :
- وهل عرفت السبب ؟
- كﻻ يا موﻻي لم يخبرني فقط أخبرني بأنه ﻻ يريد المجئ .
بلع اﻷمير الغصة التي تنامت في نفسه فلقد أراد رؤية ابنه وأقناعه بالبقاء في القصر فأخذ نفسا و قال :
- حسنا .. كيف أبليتما في سبتة ؟
أبتسم اسماعيل :
- أبلينا حسنا والحقيقة أن اﻷمير الوليد قام بعمل رائع في أقناع أبو البراء الفاسي بأرسال  الفدائيين الى ثغورنا مع مملكة قشتالة .
أبتسم اﻷمير محمد وشعر بالفخر فلم يخيب الوليد ظنه يوما ﻻ اﻵن وﻻ سابقا ، نظر اﻷمير محمد لاسماعيل فﻻحظ أن اﻷخير في فمه كﻻم يريد أن يقوله فقال له:
- ما بك يا اسماعيل ؟ أرى في فمك كﻻم تود قوله ،  هات ما عندك .
- في الحقيقة يا موﻻي ﻻ أعرف ماذا أقول ولكن عندما كنا في سبتة حدث شئ ﻻ أدري هل يتوجب علي أخبارك به أم ﻻ .
استغرب اﻷمير محمد من ما قاله اسماعيل وقال :
- حدث شئ ؟ ما الذي حدث يا اسماعيل ؟
تردد اسماعيل فقال اﻷمير :
- ﻻ تظهر ذيل السمكة وتخفي رأسها ، هيا قل ما عندك ، ما الذي حدث في سبتة ؟
  تشجع اسماعيل فقال :
- قبيل ركوبنا السفينة عائدين الى هنا قام أحدهم بضرب اﻷمير الوليد على رأسه ..
هب اﻷمير محمد من مكانه غاضبا :
- ضرب على رأسه ؟ كيف سمحت بحدوث ذلك يا اسماعيل ؟ أ لم أوصيك بتوخي الحذر ؟ وحماية اﻷمير؟ أين كنت أنت عندما ضرب ؟ أجبني .
تلقى اسماعيل توبيخ اﻷمير محمد وهو مطأطأ الرأس فاﻷمير محق فلقد أوصاه بتوخي الحذر وحماية اﻷمير الوليد فقال وهو لايزال مطأطأ الرأس :
- والله يا موﻻي لم أغفل عنه سوى مرتين ومعك حق فأنا استحق العقاب الذي ستزله بي لتقصيري .
- سوف أجل عقابك الى وقت آخر بعد أن تخبرني من فعل ذلك ؟ وهل له عﻻقة بالمهمة
- ﻻ أعلم من ضربه ولكني  متأكد من شئ واحد أن ضربته له عﻻقة بأختفاءه في الليلة السابقة لعودتنا و ﻻ اعتقد أن لها عﻻقة بالمهمة.

ذهل اﻷمير محمد مما قاله اسماعيل  ضرب له عﻻقة بأختفاء الوليد فسأله عما يقصد فأجابه بأن الوليد قبل يوم من ركوبهم السفينة كان قد أختفى ولم يعلم الى أين ذهب ﻷن اﻷمير لم يفصح عن ذلك عندما عاد في صباح اليوم التالي وعندما أرادا ركوب السفينة مع الفدائيين توقف فجأة وقال له أن عليه أن يقوم بشئ وقد أمره بالصعود الى السفينة وأنتظاره وكاد أن يفعل عندما ﻻحظ تعقب أحدهم اﻷمير مما زاد من فضوله وبقي يسير خلف اﻷمير وذلك الرجل حتى وصﻻ الى السوق وعندها قام الرجل بضرب اﻷمير بعصاة على رأسه وكاد يقضي عليه لوﻻ تدخله .
فسأله اﻷمير محمد مجددا :
- وعلمت من هذا الرجل ؟
- كﻻ ﻷنه هرب كأنه فص ملح وذاب  وعندها رجعت للأمير الوليد الذي كان مغمى عليه وممددا على اﻷرض فحملته وركبنا السفية.
تحرك اﻷمير محمد من مكانه من خلف منضدة مكتبه  وتوجه نحو النافذة التي كان عندها قبل قليل و وقف عندها و سأل اسماعيل عن حاله اﻵن فأجابه اﻷخير بأنه بخير دون يذكر له الحالة التي ظهرت على اﻷمير من فقدانه جزء من ذاكرته خشية أن يقوم الأمير محمد بعقابه مضاعفة .
ثم طلب اﻷمير محمد من اسماعيل أن يتركه لوحده ،هز اسماعيل رأسه بالموافقة وانحنى يقول :
- باﻷذن يا موﻻي
رفع اﻷمير يده ليصرفه فغادر اسماعيل الغرفة ؛ ما أن غادر اسماعيل حتى تشبث اﻷمير محمد بحافة النافذة وارتعشت اصابعه ثم سقطت قطرات من الماء على تلك اﻷصابع لتتبين أنها دموع انهمرت من عيني اﻷمير محمد هو دموع تبكي حال ابنه الذي قست عليه الحياة وفوق هذا هو يعاني من ظلم والديه وخاصة ابيه الذي اراد حمايته فلم يعلم أن تلك الحماية كانت السبب في ظلم مضاعف له فقال بصوت مسموع
- آسف بني ..ﻷني حملتك الجزء الأكبر من مسؤولية موت أخيك و أنت لم ترتكب تلك الجريمة والمجرم الحقيقي ﻻيزال طليقا أردت حمايتك بأبعادك من هنا  ولم أني عندما قمت بذلك وأنما ظلمتك وظلمت نفسي وأمك ايضا .

التاجرة البغدادية واﻻمير اﻻندلسيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن