الفصل الثاني عشر

3.8K 221 27
                                    

بيت الشهباء

وقفت الشهباء مذهولة مما رأته فلم تتوقع أن تشاهد زوجها الحداد واقف أمامها وأين في حديقة منزلها ألتفتت نحو ميمونة ونصر وأشارت لهما بالمغادرة أمتثﻻ لأمرها وغادرا ، راقبتهما وهما يغادران الحديقة وتركاها لوحدها معه و ألتفتت نحوه وأخذت تنظر أليه ولكنها تشعر أنه لم يعرفها فقالت في نفسها :
( غبية وكيف يعرفك وأنت متنكرة بزي رجل )
و أرادت الكﻻم أﻻ أنه سبقها وقال بتلك النبرة التي أشتاقت لها :
- أأنت صاحب هذا المنزل ؟
أتسعت عيناها من نبرته فلقد خاطبها بصيغة المذكر فهذا يعني أنه لم يتعرف عليها وهذا ما أحزنها
ﻻحظ الوليد صمت هذا الفتى الغريب أمامه فهو يبدو حقا في السابعة أو الثامنة عشر من عمره فقال ليكسر الصمت :
- لقد رأيتك هذا اليوم وأنت تضرب ذلك النخاس في السوق.
تلقت الشهباء المفاجأة الثانية عندما سمعت عبارته بأنه رآها وهي تضرب ذلك النخاس في سوق العبيد فلم تتوقع أنه كان موجودا في السوق و رأى كل شئ وأنها لو ألتفتت وتطلعت بالناس الذين كانوا يشاهونها وهي تضرب النخاس لرأته من بينهم ، فقررت أن ﻻ تكشف هويتها اﻷصلية فقالت بعد أن خشنت من صوتها قليﻻ و رسمت الﻻمباﻻة على مﻻمحها :
- حسنا وماذا في ذلك ؟ فأي شخص في مكاني كان سيفعل ما فعلت وأكثر .
وافق الوليد قائﻻ :
- نعم هذا صحيح أي شخص في مكانك كان سيفعل ما فعلت ولكن الذي ﻻ تعرفه هو أنك بعد أن غادرت حدث شئ سوف يجعلك تعيد التفكير في أقدامك على ذلك العمل المتهور .
قطبت جبينها وتساءلت وكتفت يديها على صدرها :
- ماذا تعني ؟
- لقد توعدك ذلك النخاس بالقتل ﻷنك قمت بضربه وتحديه أمام الجميع وأنا جئت أحذرك فقد سمعته يقول ذلك بعد أن أفاق .
- وماذا يفترض أن يعني ذلك ؟
- معناه أن تتوخى الحذر فلربما أن يكون هناك من يتبعك ويجهز عليك دون أن تشعر .
ظهر القلق في عيني الشهباء سرعان ما غطته بضحكة مصطنعة وهي تقول :
- أضحكتني جدا ، وكأن البﻻد ليس بها قانون و..
قاطعها قائﻻ :
- نعم يوجد بها قانون ولكن النخاس الذي ضربته لديه وضع خاص وﻻ أحد يقدر على المساس به
ظهرت الجدية على مﻻمح الشهباء ( شهاب الدين) وقالت :
- وضح أكثر ماذا تعني بوضع خاص ؟
- ذلك النخاس من أتباع اﻷمير سعيد و من رجاله المخلصين وأن تعرض أي أحد من هؤﻻء ﻷي أعتداء فأنه سيكون بمثابة أعتداء على اﻷمير شخصيا و خصوصا ذلك النخاس فأنه يزود قصر اﻷمير بكل شئ من اﻷقمشة والأحجار الكريمة و الذهب الى تزويد اﻷمير بالجواري .
خافت الشهباء من هذا الكﻻم أﻻ أنها لم تظهر ذلك وأجابت بهدوء :
- و ما العمل اﻵن ؟
- مثلما قلت توخى الحذر ومن اﻷفضل أن تقوم بتعيين شخص لكي يقوم بحراستك وحمايتك .
- لدي نصر خادمي الذي كان هنا قبل قليل، سوف يقوم بهذه المهمة..
تطلع الوليد بالشاب الواقف أمامه وقال بهدوء :
- ذلك الفتى ﻻ يكفي نظرا لصغر سنه وليس لديه الخبرة الكافية للقيام بمثل هذه المهمة.
- وماذا تقترح ؟
- يلزمك رجل شديد البأس قادر على حمايتك من بطش النخاس واﻷمير سعيد معا ، رجل قوي ويعرف هذه البﻻد جيدا فمن الواضح أنك لست من أهل البﻻد.
- وكيف استنتجت ذلك ؟
- من لهجتك الواضحة التي تبدو على أغلب الظن من المشرق العربي و هذه اللهجة تختلف عن لهجة أهل اﻷندلس .
لم تناقشه الشهباء في هذه المسألة وفضلت تتغير الموضوع فقالت :
- حسنا وأين سأجد مثل هذا الشخص الذي تتحدث عنه ؟
أبتسم الوليد أبتسامة الواثق من نفسه وقد فهم قصد الفتى وقال :
- موجود ، أنه أنا ..فأنا قادر بأذن الله على حمايتك من هؤﻻء ، أقصد الأمير سعيد و النخاس وغيرهما .
ذهلت الشهباء وأتسعت عيناها وهي تستمتع لهذا العرض الغير متوقع فقالت :
- أنت ؟ و لكنك ﻻ تبدو حارسا .
- ﻻ يغرنك المظاهر فأنا حداد متمرس أصنع السيوف وأجيد القتال بها .
لم تجب الشهباء فقال الوليد :
- ها ما قولك ؟
نظرت وأخذت نفسا وقالت له وقد أتخذت قرارها :
- حسنا من اﻵن أنت حارسي ولكن قل لي من تكون ؟
أبتسم الوليد وقال :
- أنا الوليد بن محمد الحداد اﻷندلسي وحارسك اﻵن ، وأنت ؟
- أنا .. أنا شهاب الدين التاجر البغدادي .

التاجرة البغدادية واﻻمير اﻻندلسيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن